تعد تنمية التفكير الابتكاري أساس التقدم العلمي والتكنولوجي، وسمة العقل المجدد، لا العقل المحافظ المتجمد، ولذا تعتمد الأمم في نهضتها وتقدمها على المبتكرين أو المبدعين من أبنائها، والذين لولاهم لما أصبح لدينا هذا الكم الهائل من الاختراعات والاكتشافات، والإنجازات العلمية والأدبية والفنيّة التي ُنقِشت أسماء مبدعيها في الذاكرة الإنسانية على مدى العصور.
مفهوم التفكير الابتكاري:
بالبحث عن الأصل اللغوي لكلمة (ابتكار) وكلمة (إبداع) في اللغة العربية وُجِدَ أن (المعجم الوجيز ، 1995، 59) يورد حول كلمة (ابْتَكَرَ) ما يلي: أن (الإبْكار) هو: أول النهار إلي طلوع الشمس وفي التنزيل الحكيم ” وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ” (غافر:55) وفيه أيضاً ” وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ” (آل عمران: 41) ، فالعشي آخر النهار، والإبكار أول النهار، و(ابْتَكَرَ) الشيء أي ابتدعه غير مسبوق إليه.
كما يورد أيضا ً (المعجم الوجيز ، ص40) حول كلمة (أَبْدَعَ) ما يلي : أبدع الشيء أي أنشأه علي غير مثال سابق ، وفي التنزيل الحكيم “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ” (البقرة: 117) أى خالقهما على غير مثال سابق ، والبدع :الأمر الذي يفعل أولاً ومنه قوله تعالى ” قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ” (الأحقاف : 9).
ومما سبق يمكن القول بأن كلمتي إبداع وابتكار في اللغة العربية تشيران إلى معنى واحد ، وهو الإتيان بجديد غير مسبوق ، وبالتالي فيمكن أي من الكلمتين بالتبادل إبداع /ابتكار.
كما أن مصطلح ابتكار أو إبداع ترجمة لكلمة إنجليزية واحدة وهي Creative ” ” وعلى الرغم من ذلك يشير( فتحي جروان، 2002، 23) إلى أن هناك اختلاف بين الباحثين العرب حول أيهما نستخدم مصطلح الإبداع أم الابتكار؟ وفي هذا الصدد يشير إلى أنه بمراجعة الدراسات المنشورة بقاعدة بيانات الدكتور محمد وجيه الصاوي بكلية التربية جامعة الأزهر ، والمتعلقة بهذه النقطة وعددها (287) دراسة تبين أن بحوث كليات التربية تركز على استخدام كلمة الابتكار، بينما تركز بحوث كليات الآداب والتربية الفنية والموسيقية على استخدام كلمة الإبداع وأن نسبة (70%) من هذه البحوث تستخدم كلمة الابتكار.
وبمراجعة التعريفات التي ذكرها الباحثون، والمهتمون بالابتكار، والتفكير الابتكاري وُجِدت العديد من التعريفات ومنها:
- يعرف (Willams:1979,p 748)التفكير الابتكاري بأنه: عملية مركبة تتشابك فيها مجموعة من القدرات الابتكارية (الطلاقة – المرونة – الأصالة)ومجموعة من المشاعر الابتكارية (حب المغامرة- تحدى الصعاب- حب الاستطلاع – التخيل ).
- ويعرفه (سيد خير الله :1981، 5)بأنه : قدرة الفرد على الإنتاج إنتاجاً يتميز بأكبر قدر من الطلاقة والمرونة والأصالة، وبالتداعيات البعيدة كاستجابة لمشكلة أو موقف أو مثير.
- ويشير (حسين الدريني : 1982، 182) إلى أنه : عملية أو نشاط يقوم به الفرد وينتج عنه اختراع شيء جديد، والجدة هنا منسوبة إلى الفرد، وليست منسوبة إلى ما يوجد في المجال الذي يحدث فيه الابتكار .
مجالات الابتكار:
قد يتبادر إلى الأذهان عند قراءة هذا العنوان أن هناك مجالات محددة للابتكار أو الإبداع و الحقيقة التي يشير إليها الكثيرون ويؤكدها الواقع أنه ليس للابتكار مجال محدد وأن الإنسان يمكنه أن يكون مبدعاً أو مبتكراً في أي مجال من مجالات الحياة المتعددة فهناك الإبداع العلمي والإبداع الأدبي والثقافي، والإبداع الاقتصادي والإبداع الاجتماعي… إلى غير ذلك.
ويمكن القول بأن الابتكار يعني التوصل إلى حلول جديدة، وعلاقات أصيلة، بالاعتماد على مُعطيات محدّدة وذلك بعد أن يشعر الفرد بمشكلة ما، ويتضمن القدرة على توليد الأفكار واستخدام الإمكانيات وتوظيف الخيال لتكوين أفكار أو أشياء جديدة غير مألوفة سابقاً.
والابتكار الحقيقي كما يشير إلى ذلك (جودت سعادة: 2003) لا يعني التكيّف مع البيئة، وإنما أن نكيف البيئة حسب حاجاتنا ورغباتنا.
وتعتمد قدرة الأفراد على توليد الأفكار الجديدة على الخبرة السابقة التي تشكل القاعدة بالنسبة لها. ومن ثمّ على القدرة في تمحيص هذه الأفكار وإعادة صياغتها بحيث تصبح أفكاراً خلاقة وأصيلة، وتتميز بأنها نتيجة التفكير الابتكاري لأولئك الأفراد الذين يمكن أن نطلق عليهم مبدعين أو مبتكرين. فالطالب الذي يحلّ مسألة معينة في الرياضيات بطريقة جديدة ومستقلة، وغير معروفة لديه سابقاً، يُعتبر مبتكرا، والمعلّم الذي يستعمل أساليب جديدة في مساعدة طلابه على التعلم وعلى تنمية التفكير الابتكاري، يُعتبر معلماً مبتكرا.
والمعلم اليوم في حاجة إلى أن يُعيد النظر في أساليب تنمية التفكير الابتكاري، وفي معاملته لطلابه، وبأن لا يكتفي بإعادة وتكرار ما هو معروف لديه ولديهم فلا يُعتبر أي عمل أعيد إنتاجه عملاً إبداعيا أو ابتكاريا، مهما كان متقناً ودقيقاً ، وعلى المعلم أن يحث طلابه باستمرار على التفكير والاكتشاف والخلق والإبداع، الذي يساعدهم على الارتقاء بقدراتهم العقليّة ويزيد من درجة ذكائهم، فالعملية التعليميّة المطوّرة، أصبحت ضرورة من أهم ضرورات تنمية الثروة البشرية في وقتنا الحاضر، كما أن استعمال الأساليب المبتكرة التي تخاطب كلّ أنواع الذكاء والحواس هي التي تمهّد الطريق إلى الإبداع والابتكار الذي تحتاجه المجتمعات اليوم
أهمية تنمية التفكير الابتكاري:
إن تنمية التفكير الابتكاري يعد هدفًا أساسيًا من الأهداف التربوية، لذا تتزايد الحاجة لخلق مناخ تعليمي وبيئة تربوية لمساعدة الطلاب على تفجير طاقاتهم الإبداعية، وتنميتها وتكوين الاتجاهات الإيجابية نحو الابتكار لدى كل من الطلاب والمعلمين.
ويلخص (Duffy) أهمية التفكير الإبتكاري في أنه يمنح الفرد الفرصة من أجل الآتي:
- تنمية قدراته إلى أقصى حد ممكن.
- إثبات قدرته على التفكير والتواصل.
- التعبير عن كل ما يجول في خاطره.
- اكتشاف قيمة الأشياء.
- تنمية مهارات متعددة.
- فهم ذاته وفهم الآخرين واستيعاب ثقتهم.
- مواجهة التحديات وتلبية الاحتياجات للتغيرات السريعة في العالم.
كما يتميز الفرد الذي يفكر إبداعيًا بأنه:
- يتعامل مع الأشياء غير المتوقعة.
- يطبق المعرفة التي يعرفها في المواقف الجديدة.
- يكتشف العلاقات التي تربط بين الأشياء والمعلومات المختلفة.
- يتفاعل مع المتغيرات السريعة.
- يستطيع الاستفادة من الأفكار والأدوات المختلفة.
- يتميز بالمرونة في التفكير.
ومن هنا نجد أن تنمية التفكير الابتكاري تسهم في تحقيق الذات، وتطوير المواهب الفردية، وزيادة إنتاجية المجتمع برمته ثقافيًا وعلميًا واقتصاديًا.
العوامل المعوقة والميسرة لتنمية التفكير الابتكاري داخل المدرسة:
لكي يستطيع الطلاب أن ينطلقوا بقدراتهم الإبداعية إلى أقصى درجة ممكنة لديهم، يجب على المهتمين بالعملية التعليمية أن يفتحوا الطريق أمامهم وذلك عن طريق إزالة العوامل التي تعيق انطلاق هذه القدرات من ناحية، ومن ناحية أخرى توفير العوامل الميسرة لمظاهر الإبتكار، ومن العوامل التي تعطل الإبتكار عند الطلاب ما يلي:
- إعداد الطلاب في المدارس بهدف التفوق وذلك عن طريق رفع مستوياتهم المعرفية مقابل اهمال تكيفهم وتوافقهم مع الإحباط والفشل ومواجهة الحياة.
- الامتحانات المدرسية عائق للتفكير المبدع والعمل الخلاق حيث أنها تقيس التحصيل في المعلومات المعارف المقررة في الكتاب المدرسي.
- ضغط الطلاب العاديين على الطلاب المبدعين من أجل المسايرة للجماعة والإذعان للعقل الجمعي.
- مواجهة المعلمين لتساؤلات واستكشاف وحب الاستطلاع عند الطلاب بالرفض والعقاب مما يؤدي إلى كبت الأفكار الإبداعية.
- تحديد المعلم مسبقًا للمواقف التعليمية والالتزام بوقت محدد ونظام معين داخل حجرة الدراسة.
- مكافأة السلوك الذي يبدي الطاعة والمسايرة لرأي المعلم أو لطريقته في التعبير.
- سيادة الجو التسلطي.
أما عن المعوقات التي تتعلق بتنمية التفكير الابتكاري لدى المعلم فهي:
- التمييز وعدم المساواة في المعاملة بين الطلاب.
- عدم تمكن المعلم من المادة العلمية في كثير من الأحيان.
- القسوة في المعاملة وإثارة سخرية الطلاب على المخطئ.
- عدم تعود المعلم نفسة على روح الابتكار والبحث والتنقيب عن المعرفة.
- كثيرًا ما يعاقب المعلم الطلاب على التساؤل والاكتشاف.
- عدم اقتناع المعلم بعملية التفكير الإبداعي.
- في كثير من الأحيان لا يفهم المعلم أهمية الدافعية في تشجيع التلاميذ وتحفيزهم على التقدم.
- عدم اهتمام المعلم بالفروق الفردية ومعاملة الطلاب غالبًا على أنهم سواء.
- نادرًا ما يهتم المعلم بأوقات فراغ طلابه.
- تقيد المعلم بالمادة الدراسية ونادرًا ما يشترك في أي نشاط أو عمل خارج المادة.
- عدم اهتمامه بمشكلات تلاميذه والبيئة.
- قصور في تدريب المعلمين القدامى على الطرق الحديثة في التدريس والمشجعة على التجديد والابتكار.
أما بالنسبة للعوامل الميسرة ل تنمية التفكير الابتكاري فهي:
- تشجيع المعلم للتفكير الإبتكاري واعتباره أمرًا يتفوق على حفظ المعلومات وتلقينها.
- تنظيم المناهج ووضعها على أساس تدريس المفاهيم وليس تدريس الحقائق فقط، مما يتيح الفرصة للعمليات العقلية العليا وتنمية المستويات المعرفية فيما فوق الفهم.
- السماح للطلاب بعمل مشاريع خاصة بهم تحت إشراف المعلم مباشرة وذلك حتي ينمي الطالب أفكاره وخيالة.
- استخدام طرق وأساليب تنمي التفكير الإبداعي ومهاراته وتعتمد على البحث عن المعرفة، وهنا يختلف دور المعلم من ملقن للحقائق إلى مرشد ومساعد في البحث عنها.
- إعداد الطلاب للتكيف مع الجماعة مع عدم التضحية بقدرته على الإبداع.
- جعل الامتحانات وأعمال التقويم خبرة وتدفع لمزيد من التعلم.
- تهيئة المناخ الملائم والميسر لمظاهر الإبداع داخل حجرة الدراسة.
- تقديم قدر كاف من المعلومات التي توضح طبيعة الابتكار ومراحل العملية الابتكارية.
- إكساب الطلاب الثقة بالنفس وتقدير ما يظهره من إبداعات.
- تنمية سمة التحمل والمثابرة على استكشاف الأشياء الجديدة والأفكار غير المألوفة.
- تعليم الطلاب استخدام أساليب الحل الإبداعي للمشكلات.
- إثابة وتكريم المواهب الإبداعية.
- تدريب المعلمين على كيفية اكتساب المعرفة وليس على الناتج المعرفي ذاته من أجل اكتساب المهارات التي تمكنهم من الإبداع [1].
المراجع
- ↑ محمد حمد الطيطي (2004). تنمية قدرات التفكير الإبتكاري. عمان. دار المسيرة. الأردن.