يعد هذا الموضوع الدرس الأول من سلسلة دروس “إعداد خطة البحث” وهو اختيار مشكلة البحث حيث تعد الخطوة الأولى في إعداد خطة البحث للتسجيل لدرجة الماجستير أو الدكتوراه، حيث إن مناهج البحث العلمي تسير على خطىً متشابهة في هذا الموضوع، وفيما يلي بعض النقاط التي يمكن أن تعين الباحث على اختيار مشكلة البحث في تخصصه.
أولا: ما هي مشكلة البحث؟
تعرف مشكلة البحث من خلال الأدبيات البحثية في مناهج البحث العلمي بأنها: جملة في صيغة سؤال تستفسر عن العلاقة القائمة بين متغيرين أو أكثر وجواب هذا السؤال هو الهدف من البحث العلمي
أي أن الخطوة الأولى في الدراسة العلمية هي تحديد مشكلة البحث التي يهدف الباحث إلى دراستها والتعرف على أبعادها بصورة دقيقة وإظهار الصورة الكاملة التي تتجلى فيها المشكلة، ولابد أن تكون هناك مبررات علمية يسوقها الباحث لدراسة مشكلة بعينها حتى تكون دراستها إضافة علمية جديدة.
فمشكلة البحث هي سؤال لم يجب عليه أحد الباحثين من قبل، ويعمل الباحث على الإجابة علية من خلال مجموعة من الخطوات الإجرائية المحددة بدقة ليصل إلى مجموعة من النتائج البحثية التي تجيب على هذا السؤال أو تحل المشكلة.
ثانيا: مصادر الحصول على مشكلة البحث:
من اين أحصل على مشكلة بحثية؟
سؤال يتردد كثيرا من قبل الباحثين وبخاصة في مرحلة “الماجستير” حيث إنهم لا يملكون الخبرة الكافية في تخصصاتهم أو لم يكونوا قاعدة معرفية تمكنهم من تحديد مشكلة بحثية يستهدفونها في بحوثهم
ولكن عزيزي الباحث الأمر ليس بتلك الصعوبة، فعالم اليوم سريع التغير وكل يوم هناك جديد في التخصصات العلمية دون استثناء، وهو ما يمكن أن يوفر لك الكثير من مصادر الحصول على مشكلة البحث.
وإليك مجموعة من المصادر التي يمكنك من خلالها تحديد أو استهداف مشكلة بحثية يمكنك دراستها والتسجيل لدرجتك العلمية فيها.
- الإحساس المباشر بمشكلة البحث في مقر عملك أو في مجال عملك: ليس هناك اقوى من مشكلة بحثية قائمة بالفعل في مجال من المجالات، فمثلا “معلم يلاحظ أن هناك صعوبة في تحصيل التلاميذ للمفاهيم العلمية” ومعلمة رياض أطفال “لاحظت وجود بعض الأطفال الغير متفاعلين مع زملائهم بسبب قصور في الانتباه” ومحاسب في شركة معينة “لاحظ أن تقارير المراجعة الورقية التي تصدرها لجنة المراجعة لا تؤدي الهدف منها بشكل جيد” إلى غير ذلك من المشكلات التي تلاحظ بشكل مباشر ومنها يمكن للباحث أن يطرح تساؤلا لحل تلك المشكلات ويضع خطة لحلها وتكون موضوع رسالة الماجستير أو الدكتوراه.
- توصيات المؤتمرات العلمية والندوات: غالبا ما تقوم الشركات والمؤسسات بعمل مؤتمرات سنوية للوقوف على آخر التطورات في مجال عملها، وهذه المؤتمرات والندوات يحضرها خبراء ومتخصصين في كل مجال ويطرحون موضوعات للنقاش، وفي النهاية يخرجون بعدد من التوصيات والاتجاهات التي يجب أن يتم بحثها وتطويرها وهي تعد موضوعات بحثية جديرة بالدراسة والبحث.
- المقترحات البحثية في البحوث والدراسات السابقة: حيث يضع كل باحث أنهى بحثا أو رسالة علمية في تخصص من التخصصات في رسالته مجموعة من المقترحات البحثية في ضوء نتائج بحثه، والتي يمكن للباحثين في المجال الاستعانة بها وبحثها كتكملة لما بدأه الباحث.
- مقترحات المشرفين أو خبراء التخصص: فغالبا ما يكون لدى هؤلاء الخبراء أو الاساتذة نظرة أعمق واشمل للتخصص ويمكنهم اقتراح مشكلات وموضوعات بحثية يرونها جديرة بالدراسة والبحث، فلا تترد في سؤالهم والاستفادة من خبراتهم.
- كل ما سبق يمكنك من خلاله عزيزي الباحث تحديد واختيار مشكلة البحث بشكل مقنع وعليك أن تقرأ جيدا حول تلك المشكلة حتى يمكنك تحديدها بسهولة وبصورة علمية قابلة للدراسة والبحث.
ولكن هناك مجموعة من المعايير والشروط التي يجب مراعاتها عند اختيار مشكلة البحث، ومن هذه المعايير والشروط.
ما معايير اختيار مشكلة البحث؟
- أن ترتبط المشكلة بتخصص الباحث العلمي: من الضرورى أن تقع مشكلة البحث في نطاق تخصص الباحث؛ فالأطبَّاء على سبيل المثال هم أكثر الباحثين على مُعالجة المشكلات المُرتبطة بالأمراض والأوبئة والفيروسات مثلا على اختلاف أنواعها، مع اختلاف التخصصات الدقيقة كالقلب والشرايين والأطفال… وغيرها، كما أن المعلمين هم اقدر الناس على ملاحظة وحل المشكلات التعليمية الخاصة بالطلاب.
- أن تكون المشكلة ذات أهمية وليست مشكلة سطحية غير مؤثرة: حيث ينبغي على الباحث أن يتصدى لمشكلة ذات أهمية، وتهم قطاعًا كبيرًا من مجتمع البحث، مع الابتعاد عن المشكلات السطحية التي لا طائل من دراستها وبحثها، وعلى سبيل المثال في حالة تناول باحث مشكلة إدمان المخدرات عند طلاب الجامعة؛ فإن تلك المشكلة لها أهمية كبيرة فهي تمس فئة الشباب الذي هم عماد المجتمعات، أما بالنسبة لتناول مشكلة تتعلق بانتشار بيع الورد التالف في محلات الزينة، فإن الأخيرة سطحية، ولا تُغني ولا تُسمن من جوع.
- قدرة الباحث على بحث المشكلة ووضع حلول لها: حيث إن قدرة الباحث وإمكاناته البحثية تحدد بشكل كبير قدرته على دراسة مشكلة معينة، وهنا ينصح الخبراء الباحثين في مرحلة الماجستير باختيار مشكلة بحثية محدودة نسبيا أما في مرحلة الدكتوراه فلابد ان تكون مشكلة قوية وعميقة وتضيف لفلسفة التخصص.
- أن تكون المشكلة فريدة في تناولها: حيث يمنع دراسة مشكلة سبقت دراستها في معظم الأحيان – طبعا فيما عدا الدراسات التطورية التي تختلف مع الوقت – فلا داعي مثلا لدراسة مشكلات إدمان الانترنت لدى أطفال المرحلة الابتدائية طالما أن هناك باحث آخر قام بدراستها وبحثها.
- كون المشكلة ضمن اهتمامات الباحث: حيث إن رغبة الباحث في تناوله مشكلة معينة في تعد أساس اختيار ومبرر أساسي للمشكلة البحثية، ولكل باحث ميوله، ونجد في ذلك كثير من طلاب الدراسات العُليا ممن يدور في مُخيِّلتهم موضوعات معينة، وذلك قبل الدخول في مرحلة اختيار مشكلة البحث والتسجيل للدرجة العلمية.
- أن تتناسب المشكلة مع الإمكانيات المادية المُتاحة: من بين معايير اختيار مشكلة البحث الأساسية أن يتناسب ذلك مع ما يمتلكه الباحث من أموال، أو ما تُقرُّه جهات الدراسة من اعتمادات مالية للباحثين، حيث غن هناك بعض الدراسات التي تتطلب ميزانية كبيرة لدراستها وبحثها ومن هنا يجب على الباحث تحديد الموارد المتاحة وإمكاناته المادية لدراسة المشكلة وإنهائها بالشكل المطلوب.
- أن يتوافر للمشكلة مصادر ومراجع ودراسات سابقة: يجب التنبيه على أنه ينبغي أن يتوافر للمشكلة التي يختارها الباحث مصادر ومراجع ودراسات سابقة، حيث تُعتبر المصادر والمراجع بمثابة أوعية مهمة للحصول على المعلومات والبيانات، وبالنسبة للدراسات السابقة؛ فيسوقها الباحث بقصد نقدها، وتوضيح الإيجابيات والسلبيات وبشكل موضوعي، مع توضيح الفارق بينها وبين ما صاغه من بحث أو رسالة علمية.
- تحديد إمكانية الوصول لمجتمع البحث: فمثلا هناك باحث يدرس بعض المشكلات النفسية لدى تجار المخدرات، أو لدى السجناء، فإن لم يتسطع الباحث تحديد سبل الوصول لمجتمع البحث وسحب عينة ممثلة له بشكل دقيق فيجب عليه أن يعدل عن دراسة تلك المشكلة واختيار مشكلة بحثية أخرى.
إلى هنا نكون قد انتهينا من الموضوع الأول والذي يعد أساس البحث العلمي وهو اختيار مشكلة البحث وتحديد الموضوعات البحثية ومصادر الحصول على المشكلة البحثية ومعايير اختيارها.
التنبيهات : أخلاقیات الباحث العلمي الجيد | معلومة تربوية