يعد مفهوم الحب في علم النفس من اشد المفاهيم تأثيرا على الانسان وتحديدا لأنماط شخصيته وسلوكه في أغلب نواحي الحياة حتى أصبح موضوعا مشتركا بين مجموعة من العلوم المختلفة يحقق لكل منا تناوله وفقا لطبيعته نظرة عميقة وشاملة لذاته الإنسانية ككل والذي يؤكد على أن الحب هو من أرقى وأسمى سمات الشخصية التي يمتلكها الأنسان فضلا من الله تعالی والتي هي أكبر من ما قد قيل منها وقد كتب فمن خلال الحب تتحقق استمرارية الوجود وديمومته ويتحقق التقارب بين البشر ليبعد عنهم الانعزال والاغتراب والعداء وبالحب يتجه الأنسان نحو مستقبله محققا ما عليه من واجبات اتجاه الحياه وتطورها خدمة لذاته وللإنسانية.
والحب هو جانب مهم من جوانب نمو الشخصية لذا فإنه على الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل المساهمة في توفير ما يتطلبه ترسيخ وأنماء هذا الجانب في شخصية الموجود البشري وخاصة في سنوات نموه المبكر من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية الصحيحة كتوفير الحب والعطف والحنان الطفل لما لها من تأثير على شخصيته في مراحل عمره اللاحقة والتي تتشكل بناء على تلك المرحلة وما ينبت فيها من مشاعر.
وأظهرت العديد من الدراسات والبحوث العلمية التي تناولت الحب في علم النفس أن سمات الشخصية في مرحلة المراهقة والرشد تعكس خبرات الطفولة وأساليب التنشئة الاجتماعية التي تلقاها الطفل من أفراد أسرته كالوالدين أو من المدرسة خلال تعامله مع المعلمين والافران والقوانين المدرسية وكذلك البيئة الاجتماعية التي هي خارج هاتين البيئتين [1]
فالبيئة التي تحيط بألفرد غنية بالخبرات الإنسانية التي تتألف فيها ذاته مع الأخر وهذا يعني أن الحب هو عيش خبرة شخص أخر والتوحد معه والاهتمام به حتى يصبح الشخص المحبوب لا غنى عنه سعيا منه لتوفير المعنى والسعادة والتواصل مع الحياة بشكل أصيل أقصى وأعلى هدف في الوجود البشري وأن خلاص الأنسان أنما يكون من خلال الحب وفي هذا يقول فرانكل (الحب أو أن يحب) [2].
مفهوم الحب:
الحب لغة:
أورد قاموس ويبتر أن هناك تعريفات مختلفة للحب تتراوح كلها بين (المودة، الاحتضان) وتنتهي بحب الله، ويركز المعنى على تعريف الحب بأن المودة القوية للأخرين وبالذات الناشئة من القرابة أو الروابط الشخصية.
الحب في علم النفس:
يعرف الحب في علم النفس والتحليل النفسي بأنه مشاعر الود والانجذاب التي يكنها فرد نحو آخر مع الاستمتاع بالتواجد معه وإشباع غريزة الحب الطبيعية في الإنسان [3].
وهو أعظم عوامل الحياة لما له من قوة كامنة في قلب الإنسان تدفعه إلى السمو والرفعة قولا وفعلا والحب عدل و مساواة بين الكبير والصغير والذكر والأنثى.
أنواع الحب في علم النفس وأقسامه:
يري ابن حزم أن الحب أنواع أفضلها محبة الله عز وجل، ثم محبة القرابة فمحبة الأصدقاء ويجمع كل هذه الأنواع الاتفاق في المزاج أو الآراء، والحب القائم على غرض يناله المحب من المحبوب.
في حين يذكر مارتن سيلجمان [4] أن للحب ثلاثة أنواع:
- حب الأطفال لوالديهم وهو الحب الذي يمنحنا التقبل والراحة و المساعدة والذي يدعم الثقة لدينا ويوجهنا.
- حب الآباء لأبنائهم: يتمثل في حبنا للآخر الذي نعتمد عليه في إشباع الحاجات المادية والمعنوية.
- الحب بين الرجل والمرأة : هو عاطفة قوية بين ذكر وأنثي فيها يتصور الفرد المحبوب على أنها شخص كامل الأوصاف فيصفي على قواه وفضائله قيما مثالية ويتغافل عن عيوبه.
والنوع الأخير للحب وهو الأكثر انتشارا في الدراسات النفسية ونحن عادة ما نقع في هذه العاطفة، أو تعيش في حالة حب، ولكننا لم نسأل أنفسنا ما هو هذا الحب؟ فعلماء النفس والاجتماع يصفون الحب بأنه عاطفة يتعلمها ويمارسها الإنسان في حياته ويؤكدون على أن معظمنا يقضي حياته في محاولة العثور على الحب في حياته.
فيما قسم ستندال الفرنسي أنواع الحب في علم النفس إلى أربعة أنواع رئيسية [5]:
- الحب الهيامي الذي تتصرف فيه كل قوى الحبيب نحو حبيبته.
- النوع التفاخري الذي يتظاهر فيه الرجل بحب المرأة ويفتخر بعلاقته بها.
- الحب الهوائي بلا قيد ولا حساب.
- الحب الشهواني الذي يجعل صاحبه بمنزلة سائر الحيوانات.
وقيل إن أنواع الحب تنحصر بما يأتي [6]:
- الحب للذات وهو أساس كل حب، ومنه المبدأ وإليه المصير، فإن كل إنسان بحب ذاته فوق كل شيء حتى الحيوان والنبات، فإن لكل فرد ميلا لاكتساب كل شيء لنفسه، وهو حب الذات.
- حبنا للبنين والأقارب، وهو يمتاز عن حب الذات، ولكنه يليه في المرتبة، فإن الإنسان يحب ذاته أولا، ثم أولاده فأقاربه.
- حب الأصدقاء والمعارف والجيران
- حبك للوطن والملة والمذاهب.
- الحب العام وهو ميل الإنسان الطبيعي إلى الاجتماع والاستئناس ببني جنسه.
- الحب الجنسي وهو الميل المتبادل بين الإناث والذكور، وهو ضرب آخر لا يقاس بغيره من ضروب الحب.
ويمكن اعتبار حب الذات أصل هذه الأنواع أو النوع الذي تفرغت عنه فإن حب الإنسان نفسه يحمله على حبه أبناءه وأهله وأصدقاءه ووطنه ودولته ، فالإنسان يحب الذات يطلب ويفتش عن كل لذة ومنفعة لنفسه ثم يطلب ذلك الأقرب الناس إليه ، فيتكون نظام العائلات ، فإذا تألفت العائلة أصبحت جسما واحدا، يجتذب الخير له بقطع النظر عن استقلال أفراده.
فيتكون من تألف العائلات وسائر الجماعات جسم آخر ، الأمة أو الملة أو الطائفة من أي مذهب ، ويكون لكل أمة أو طائفة دواع مشتركة بين أفرادها يطلبون بها النفع لهم جميعا باعتبار المجموع بقطع النظر عن العائلات أو الأفراد.
ويحصل بين الدول أو الأمم صداقة أو محبة هي غير أنواع الحب الأخرى. أما الحب الجنسي فهو العشق بين الرجل والمرأة وبه غاية بقاء النوع البشري ولولا الغريزة الجنسية بين المرأة والرجل لانقرض بنو الإنسان من على هذه الأرض، ولذا كان العشق سببا عظيمة من أقوى أنواع الحب تأثرا في البشر، حيث العشق يتدخل في كل ظاهرة من ظواهر الحياة البشرية في العلوم والآداب والفنون الجميلة وغيرها.
والناس في هذه الحالة خاضعون لسلطان العشق في كل حركة من حركات حياتهم. والفرق بين عشق الإنسان وحب الحيوان أن حب الحيوان غريزة، يتوق أي ذكر لأي أني وأي أني لأي ذكر، وأما عشق الإنسان فهو تتوق الرجل لامرأة معينة وبالعكس، فالحب إذن غريزة عامة، والعشق غريزة منتخبة مختارة. ولا بد لهذا الحب من ثلاثة ضلوع: طرفان الرجل والمرأة، كل منهما مكمل للآخر، والثالث هو الألفة.
وهذا الحب لهيب ذو نور ساطع، أشعته الغريزة التناسلية والإعجاب بالجمال، والعطف، والتضحية، والاحترام والاثرة. إن الغريزة التناسلية تعد أقوى عناصر الحب وأعمها، وقد تكون عناصر الحب الستة الأخرى ضعيفة قليلا أو كثيرة في الشعوب البدائية. ويعد الإعجاب بالجمال عاملا قويا من العوامل العشقية، وبينه وبين الغريزة التناسلية، وتلعب الألفة الحبية دورها العظيم، إذ هي قوة دافعة من قبل العاشق، والجمال قوة جاذبة من قبل المعشوق.
أنواع أخرى من لحب في علم النفس:
والفضيلة عنصر من عناصر العشق، بحيث أنها إذا انتفت عاد الحب بهيمية محضة لا يرتكز إلا على الغريزة الحيوانية. وترفع التضحية العشق، إلى القمة. وهي التمادي في الحب إلى أن يتجاوز حب النفس، فهي شذوذ طبيعي، ولكنها حق في شريعة الحب، فيضي العاشق بلذته أو بمنفعته إذا كان في هذه التضحية لذة أو منفعة لمعشوقه.
وتتفاوت هذه التضحية بقدر ما يسمو الهوى الشعري ، وقد تبلغ إلى حد التضحية بالنفس أو الحياة ، وهذه التضحية هي معنى اشتراك الحبيبين أو الزوجين في السراء والضراء ، ولا تكون إلا إذا تناهى العشق .ومعنى ذلك أن الحب يصور للمحب أن الكون كله مجتمع في محبوبه أو أن محبوبه شامل لكل الكون ، أي أن المحب بري في محبوبه كل الجمال والمجد والعظمة ، ويجد فيه كل لذة وسعادة وكل أمنية.
فالحبيب هو كل شيء للمحب ، و بهذا التصور يعتقد المحب أن محبوبه أعظم منه و أسمى فيعبده ، ومتى جعل المحب يقلل من احترام محبوبه، كان حبه يفتر وبرد . وكان هذا الفتور نذيرا بحل الوحدة الخيبة وتلاشي قوة الألفة، وكلما اشتدت الألفة بين الحبيبين، كان كل منهما يجد نفسه مالكا للآخر ومستأثرا به كله لا يريد أن يفلته مهما تألبت عليه العوامل العاملة لحل هذه الألفة.
وأما العشق الروحاني فيرتفع بقدر تمدن الأنسان و ارتقاء عقليته واتساع مدى عواطفه حتى تتفوق على شعاع الغريزة التناسلية ، ويكاد ذلك العشق يخفيها ، فيرتفع الحب في نفس الإنسان من حضيض المادة إلى سماء الروح ، حتى يصبح العاشق مبتغيا تمتعا نفسيا لا جسديا ، فيحسما حبه شعريا .والغالب أن هذه الوله الشعري تندلع لهباته حيث يتعذر بقاء العاشق بمعشوقه بسبب الآداب الاجتماعية ، وهو تمادي الشوق.
وفي هذا اللقاء الخيالي تبقى النعرة التناسلية في سجن ، وتنطلق القوة التصورية العقلية في فضاء خيالها، وتتمادى في التصور حتى تخرج طيف الحبيب من شكله الحقيقي وتسبه بالشكل الذي تخترعه رغائب النفس وأما فيها فيتمثل الحبيب في صورة ليس أنتم وأكمل منها.
هذا هو الحب الشعري الروحاني الذي يتلذذ به المحب ، ويترفع عن النعرة البهيمية ، فينشأ منه إله الشعر ويستقوي ، ويصبح كل عاشق شاعرا بحكم الحب ، ولكن ليس كل شاعر ناظمة لأن النظم ليس إلا تعبيرا عن ذلك الشعر المتجلي في مخيلة العاشق.
والغالب أنه مني زالت الأسباب التي قضت بالعشق الخيالي الشعري هذا ينفتح الطريق للغريزة التناسلية ، فإذا خلا الجو للحبيبين لم يبق إلا المانع الشرعي بينهما ، فلا تقوى الحشمة وحدها أن تقمع هذه الغريزة التناسلية .ويختلف الهوى العذري عن الصداقة بوجود النعرة الجنسية بين الاثنين.
أما المحبة بين رجلين أو بين امرأتين ، والمحبة بين الأخوة و بين البنين والوالدين فخالية من تلك النعرة ، وأما الحب بين رجل وامرأة فلا يكون عذريا ، إلا إذا كان الرجل ينظر إلى المرأة مجردة من خواصها الانثوية ، وهي كذلك تنظر إليه مجردة من خواصه الذكورية .
المراجع
- ↑ عبد العزيز عدوان (۱۹۹۳): الشخصية المتصنعة، دار النهضة العربية ،القاهرة ص122
- ↑ باترسون، ترجمة حامد عبد العزيز الفني (1990) نظريات الإرشاد والعلاج النفسي , الكويت, دار القلم، ص 460
- ↑ عبد الستار احمد الجواري (2006). الحب العذري نشأته وتطوره المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت
- ↑ مارتن سليجمان: ترجمة صفاء الأعسر و علاء الدین گفاقي و عزيزة السيد وفيصل يونس وفادية علوان وسهير غباشي (2005) السعادة الحقيقة استخدام الحديث في علم النفس الإيجابي لتبين ما الديك الحياة أكثر إنجازا. , القاهرة، دار العين
- ↑ Kim, J., & Hatfield, E. (2004). Love types and subjective well-being: A cross-cultural study. Social Behavior and Personality: an international journal, 32(2), 173-182
- ↑ Berscheid, E. (2010). Love in the fourth dimension. Annual review of psychology, 61, 1-25.