علم الاجتماع

الفروق الريفية الحضرية

الفروق الريفية الحضرية

نتيجة لعوامل التغير الثقافية والاجتماعية المؤثرة على كلا المجتمعين الريفي والحضري فلقد ظهرت الفروق الريفية الحضرية واضحة ومميزة  لكل منهما فالبيئة المهنية والجغرافية بالمدينة مختلفة تماما عن تلك الخاصة بالريف.

إذ أننا نجد أن هناك معيارين هامين يربطان كلا المجتمعين مكونان بذلك المجتمع الأكبر ،المعيار الأول هو عامل اللغة والآداب والعلوم والفلسفة والدين والتاريخ والثاني هو أن كلا من المجتمعين الريفي والحضري يشتركان في المؤسسات الخمسة ألا وهى الأسرة والتعليم والدين والسياسة والاقتصاد.

إلا أن هناك معياران رئيسان يؤديان إلي اختلاف النمط الثقافي المميز للحياة الريفية عن ذلك الذي يطبع الحياة الحضرية وهما المهنة وكثافة السكان وسيتم تناول هذين العاملين بالتفصيل في الآتي([1]) :

أولا : مهنة الزراعة :

من أهم احتمالات التمييز بين المجتمعات الريفية والحضرية هو المهنة أو الوظيفة التي بها أفراد كل مجتمع ورغم أن هناك بعض السكان الريفيين الذين يعملون في مهن أخري غير الزراعة إلاأن الزراعة  تعتبر هي المهنة الرئيسة للغالبية العظمي من السكان الريفيين.

وبذلك فهي تضفي علي الحياة الريفية طابعا مميزا عن الحياة الحضرية منها :

  1. البيئة التي يعمل بها الفلاح : هناك اختلاف كبير بين البيئة المحيطة بالفلاح وعمله الزراعي عن تلك المحيطة بغيره من أهل الحضر والمهن الأخرى التي يرتزقون منها , ففي الزراعة يعمل المزارع في الحقل كما يكون علي اتصال مباشر بالبيئة الطبيعية عن أصحاب المهن الأخرى الذين يعملون في مهن بعيدة  عن البيئة الطبيعية
  2. وعلي ذلك نجد الفلاح علي اتصال مباشر مع الأرض والكائنات الحية  وعمله روتيني وموسمي طبقا للتغيرات الحيوية , كما أن عمله مرتبط بالظروف الجوية وما قد تجلبه من خسائر ومضار في بعض الأحيان مما يجعله يؤمن بالقدر والنصيب وبعض المعتقدات والتخاريف
  3. المعارف والمهارات المطلوبة : والمعارف والمهارات التي تحتاجها الزراعة أكبر من المعارف والمهارات التي تحتاجها أي مهن أخري منفردة فالزراعة الفنية التقدمية الناجحة تحتاج إلي معرفة بأنواع الأرض وخصوبتها وطرق إصلاحها
  4. الزراعة طريقة للحياة : من الخصائص الأخرى التي تميز الحياة الريفية أن الزراعة باعتبارها المهنة الرئيسة للغالبية تعتبر طريقة للتكسب, فالأسرة الريفية يجمعها عامل مشترك واحد وهو أن معظم أفرادها يشتغلون في نفس العمل وهو الزراعة , وهذا يجعل ثقافة الأسرة الزراعية واحدة مما يؤدي إلي قوة الرابطة بين أفرادها 0
  5. الغالبية تعمل في الزراعة : كذلك من أثار المهنة علي اختلاف الثقافة الريفية عن الحضرية هو أننا نجد مجموعة كبيرة من الناس في الريف تعمل في نفس المهنة وهى الزراعة , ففي المجتمع الريفي حوالي 65% من سكانه يعملون بالزراعة بينما في الحضر لا نجد نسبة كبيرة من الناس يعملون في مهنة واحدة 0

ثانياً: كثافة السكان:

يميز البعض بين الريف والحضر على أساس الكثافة السكانية دون العدد ومن الملاحظ أن السكان أقل كثافة في الريف عن الحضر وخاصة بالنسبة لنظم الإقامة الريفية بالبلاد الأوروبية والأمريكية  ورغم ازدحام السكان بالقرية الريفية في الدول الزراعية إلا أنها تعتبر أقل كثافة من المدينة .

واختلاف السكان يتبعه اختلاف فى نوع الحياة  ونوع المهن السائدة ونوع الخدمات وغير ذلك من الخصائص التي نوجزها فيما يلي:

  1. العلاقات الاجتماعية : حيث نجدها فى الريف أعمق وأقوى على أساس شخصي بعكس الحال في المدن  وان كانت أوسع إلا أنها علاقات سطحية غير شخصية.
  2. المؤسسات والمنظمات الاجتماعية: وهى عادة ما تكون صغيرة الحجم وعدد المشتركين فيها قليل نسبياً وخدماتها عامة وغير متخصصة فمثلا المدارس فى المناطق الريفية عادة ما تكون إمكانياتها فقيرة وغالبا ما يكون مدرسوها أقل تأهيلاً  وتخصصا عن أقرانهم بالمدينة ، ونفس الوضع بالنسبة للمؤسسات الاجتماعية  والاقتصادية الأخرى مثل الجوامع والكنائس والمستشفيات والجمعيات التعاونية.
  3. التخصص: من الملاحظ أنه بارتفاع الكثافة السكانية يزيد التخصص وعلى العكس من ذلك فبانخفاض كثافة السكان يقل أو ينعدم التخصص إذ نجد أن الشخص الواحد يعمل في أعمال مختلفة ، أما في حالة انخفاض الكثافة السكانية فإن الحرفة الواحدة لا تفي بدخل شخص معين إذا أراد التخصص فيها ولذا فهو يعمل فى أعمال أخرى لزيادة دخله.
  4. مركز الشخص الاجتماعي : لكثافة السكان أثر علي تحديد مركز الفرد الاجتماعي فهو كثيرا ما يحدد الصفات الشخصية للفرد وكذا مهنته , فنتيجة لقلة الكثافة السكانية في الريف فان السكان يعرفون بعضهم البعض معرفة شخصية لكثرة اختلاطهم ببعض ونتيجة لذلك فان المراكز الاجتماعية للأفراد في مثل هذه المناطق قليلة الكثافة السكانية تحددها الي درجة كبيرة الصفات الشخصية  للفرد , لأن معظم السكان في مثل هذا المجتمع يعرفون عن قرب الصفات الشخصية وأثرها علي المركز الاجتماعي للفرد , فمثلا نجد للصفات الشخصية أهمية كبري في تحديد القادة الريفيين 0
  5. قوي الضبط الاجتماعي : أن قوي الضبط الاجتماعي السائد في الريف هي ما يمكن وصفه بالنوع غير الرسمي الذي يعتمد أساسا علي العرف والعادات والتقاليد ، وهذه عادة ما تكون ذات قوة كبيرة نظرا لقلة الكثافة السكانية وكذا فان العلاقات القائمة بين أفراد المجتمع علاقات متينة وشخصية في معظمها بينما نجد أنه بزيادة الكثافة السكانية تصبح العادات والتقاليد قليلة الاهمية وذات أثر ضعيف علي سلوك الأفراد بالمجتمع كما نجد واضحا في المجتمع الحضري حيث سيادة النوع الرسمي من قوي الضبط الاجتماعي وذلك بتطبيق القانون والنظام والشرطة والمحاكم هي التي تفصل فيما يعرض عليها من خلافات ومنازعات وجرائم , ومما يوضح ذلك ما نلمسه في قلة نسبة المنحرفين في المجتمع الريفي عن الحضري 0
  6. مستوي المعيشة : توجد علاقة كبيرة بين كثافة السكان والمستوي  المادي للمعيشة , فكلما زادت كثافة السكان في منطقة من المناطق كلما أمكن إلي حد كبير توفير بعض الإمكانيات المادية للمجتمع المحلي كالمدارس والمستشفيات والكهرباء والمياه النقية لأن زيادة عدد المنتفعين بهذه المشروعات يقلل من تكاليفها ويمكن من قيامها خاصة في المجتمعات الرأسمالية حيث نجد شركات مستقلة تقوم بمثل هذه المشروعات 0
  7. التباين الاجتماعي : بينما يتميز مجتمع المدينة بوجود تباين اجتماعي كبير بين الجماعات المكونة له من حيث تعددها وتعقدها نجد مجتمع القرية يمتاز بوجود نوع من التجانس بين أهله والجماعات المكونة له 0
  8. التفاعل الاجتماعي : من الواضح أن عدد الاتصالات أعظم بكثير في الحضر عنها في الريف وأساس ذلك طبيعة النظام المهني وتعدد المهن فى المدينة , علاوة علي الاتصال غير المباشر عن طريق الراديو والتليفزيون والجرائد، فمعظم طرق الاتصال بين أهل الريف تتم عن طريق أفراد الأسرة الواحدة

وأهم الاختلافات تنحصر فيما يلي

  1.  منطقة الاتصال بالنسبة للقروي أضيق بكثير من مثيله الحضري , سواء كان الاتصال بغيره من الجماعات او المنظمات 
  2.     معظم الاتصالات بالنسبة للريف مباشرة ووجها لوجه , فرجل المدينة له اتصالات عديدة وإن كانت غير مباشرة وثانوية
  3.   الاتصالات في الريف شخصية بينما نجدها في معظمها غير شخصية في الحضر
  4.   الاتصالات في الريف قوية ودائمة شخصية  بينما هي سطحية ودائمة في الحضر
  5. التماسك الاجتماعي: هناك اختلاف رئيس بين سكان الريف وسكان الحضر من حيث قوة الرابطة التي يتميز بها سكان الريف عن الحضر ففي المجتمع الريفي يوجد وحدة مبنية علي أساس التشابه بين الناس نتيجة وجود صفات مشتركة وأهداف وخبرات واحدة , بينما في المجتمع الحضري الوحدة قائمة علي أساس الاختلافات الناجمة عن تقسيم العمل والتخصص والاعتماد المتبادل بين الأفراد

[1])اعتمد في هذا الجزء بتصرف على:

– السيد رشاد غنيم : دراسات في علم الاجتماع الريفي ط 1, الإسكندرية , دار المعرفة الجامعية 2008م

-غريب سيد أحمد : علم الاجتماع الريفي , الإسكندرية , دار المعرفة الجامعية ,2000,

– سوسن عثمان عبد اللطيف:مرجع سبق ذكره ،ص ص150-151

– عدلى على أبو طاحون:علم الاجتماع الريفي،الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث،1997 ص ص44-47

-مريم أحمد مصطفى :التنمية بين النظرية وواقع الالم الثالث ،دار المعرفة الاسكندرية،2001ص ص 63- 65

السابق
خصائص الاقتصاد الريفي وقضايا التحديث
التالي
أنشطة مناسبة لأطفال متلازمة داون

اترك تعليقاً