تتميز الحياة بكثرة التغيرات والتحولات التي تُشكل ضغوطاً على الإنسان الذي يلجأ إلى التأقلم معها، فمثلاً تتغير الظروف داخل الأسرة وتتغير ظروف العمل وتتوتر العلاقات الاجتماعية وتتعقد الظروف الاقتصادية وتُصاب صحة الانسان بالوعكة أو المرض، وتُشكل هذه التغيرات ضغوطاً على الفرد فيلجأ إلى الاستجابة لها فيُعدل سلوكه.
وتختلف قدرة الأفراد على مواجهة الصعوبات والضغوط الحياتية بحسب قدرتهم على التكيف والانسجام مع هذه المتغيرات، فخاصية المرونة النفسية لدى الفرد تتسق مع قابلية التغير في الطبيعة وتغير الفعل الإنساني والاجتماعي.
ومن ثم فإن هذا الوضع يستلزم مهارة وإبداعاً وتجديداً في الفكر وفي السلوك وفي تقدير نتائج الغير، وهذه المهارة تتضمن التكيف اجتماعياً، التكيف المقترن بروح المعاشرة الاجتماعية، ويتجسد هذا الفكر في العمل الاجتماعي المتجدد(نادية العمري، 2017، 2).
وبرز مفهوم المرونة النفسية “psychological resilience” أثناء إجراء الباحثين لبحوث ودراسات تضمنت عوامل الخطر المعرفية والنفسية والبيئية والبيولوجية التي تعوق النمو الطبيعي، أو العوامل التي تكون مرتبطة بشكل أكبر بنتائج الحياة السلبية، وقد وجد أنه في ظل أسوء الظروف هناك عوامل وقائية تحمي استجابة الفرد للضغوط، ينتج عنها ما يسمي التكيف الإيجابي أو المرونة النفسية ويتضمن ذلك قدرة الفرد على تخطي المواقف الضاغطة والأزمات مستخدماً كل ما يملك من السمات الإيجابية للشخصية.(Masten, 2009, 227-238)
ويرى إبراهيم رشاد(2019، 1) أنه حين يتمتع الطالب بالمرونة النفسية يُصبح قادراً على الاحتفاظ بهدوئه واتزانه النفسي والانفعالي تجاه محن ومصاعب الحياة المختلفة وبالتالي يُصبح قادراً على توظيف مصادر الضغوط النفسية والاجتماعية والبدنية والثقافية في تحقيق طموحه وأهدافه وإشباع دوافعه، الأمر الذي يؤدي به إلى التخلص من الآثار السلبية لهذه الأحداث وتحقيق التوافق الإيجابي الفعال والإحساس بمتعة وجودة الحياة.
تعريف المرونة النفسية:
يذكر كلُ من Earvollino-Ramirez (2007) ، Hofer (2006) أن الأدب النفسي يزخر بالعديد من التعريفات للمرونة النفسية، ولقد انبثق أصل مفهوم المرونة النفسية من التراث النفسي الذي اهتم بفحص الأطفال المحصنين في مواقف الحياة السلبية، ولكن مع مرور الوقت تم استبدال المحصنين بمصطلح المرونة النفسية، وتعني القدرة على التعامل بنجاح مع المواقف الحياتية بالرغم من التعرض للمحن والمصاعب.
وهي عملية دينامية تتضمن تكيفاً إيجابياً مع المواقف التي تعيق تحقيق الأهداف (Luther, Cicchetti, & Becker, 2000, 543-562).
ويُعرف(2002) Newman المرونة النفسية بأنها عملية مستمرة يُظهر من خلالها الفرد سلوكاً تكيفياً إيجابياً في مواجهة المحن، والصدمات ومصادر الضغط النفسي.
وتعرف الرابطة النفسية الأمريكيةAPA (2002) المرونة النفسية بأنها التوافق الجيد والقدرة على تجاوز المحن، الشدائد، الصدمات والضغوطات سواء المتعلقة بالأسرة أو العلاقات مع الآخرين أو ضغوط العمل والضغوط الاقتصادية ومواجهتها، والقدرة على استعادة التوازن وتجاوزها بشكل إيجابي ومواصلة الحياة بفاعلية وتماسك للشخصية.
ويُضيف Ugar et al., (2008, 168- 169)أن مفهوم المرونة النفسية يُشير إلى قدرة الطالب على تحقيق ذاته بالرغم من التعرض للضغوط المختلفة، فغالباً ما يُعتبر الطالب الذي يتمتع بالمرونة النفسية أن الضغوط والمشكلات فرصاً للنمو والارتقاء الشخصي، فلا يكون قادراً على مواجهة الأحداث الضاغطة بصورة إيجابية فقط ، بل يعتبرها تحدياً وفرصة لا تُعوض للتعلم والارتقاء الشخصي، فالمرونة النفسية فرصة لتوظيف المصادر النفسية والاجتماعية والبدنية والثقافية للتوافق الإيجابي الفعال مع الضغوط وأحداث الحياة المختلفة مع المحافظة على الهدوء والاتزان النفسي وسرعة التعافي من هذه الضغوط.
كما يوضحDowrick, Kokanovic, Hegarty, Griffiths ,& Gunn (2008) أن المرونة النفسية هي القدرة على التكيف بنجاح وإحداث التغيرات اللازمة لمواجهة التحديات، كما أن مواجهة التحديات تُعتبر أحد مؤشرات المرونة النفسية.
ويرىMasten(2009, 29) أن المرونة النفسية هي القدرة الإيجابية للفرد على التكيف مع الضغوط النفسية، والتي تُمكنه من أداء وظائفه بشكل جيد، وهي ظاهرة تتميز بالنتائج الجيدة والإيجابية، وأن الشخص يُعتبر مرناً وصامداً إذا كان أثناء فترات نموه مراحل تتسم بالتهديد بشكل كبير ولم يتأثر بها.
ويُضيف محمد سعد(2009، 373) أن المرونة عملية دينامية يقوم بها الأفراد وذلك من خلال إظهار قدر من التوافق أو التكيف الإيجابي على الرغم مما يُخبروه ويُكابدوه من صدمات وضغوط هائلة.
ويبينAzlina & Shahrir(2010) أن المرونة النفسية هي قدرة الفرد على التعافي من الأمراض، الاكتئاب والمصائب وقيام الفرد بوظائفه بالرغم من التحديات والظروف الصعبة المحيطة به، وهذا يتطلب من الفرد القدرة على التكيف الفعال الذي يتضمن كلاً من الأفكار والأفعال.
ويعرفهاWindle, Bennert, & Noyes (2011) علي أنها عملية دينامية يستخدم الفرد خلالها مهارات التوافق الإيجابي بالرغم من مروره بالمواقف الضاغطة.
ويضيف( Parsons, Kruijit, & Fox(2016, 296-310أن المرونة النفسية تُعتبر نظام دينامي من أجل تعزيز القدرة علي الصمود أو التعافي من التحديات الصعبة التي تواجه الفرد وتهدد استقراره أو تماسكه أو قابليته للاستمرار.
السمات والخصائص التي تُميز الشخص المرن
مما سبق يتضح أن المرونة النفسية الإيجابية من مؤشرات الصحة النفسية وتتضمن مجموعة من السمات والخصائص التي تُميز الشخص المرن ومنها:
- الجوانب الشخصية: مثل تقدير الفرد لذاته وانجازاته.
- الجوانب الاجتماعية: كالمساندة الاجتماعية والتعاطف مع الآخرين.
- الجوانب الروحية: مثل عدم الفزع عند حدوث المصائب والمحن.
- الجوانب العقلية: مثل سرعة حل المشكلات وإيجاد حلول بديلة غير تقليدية.
ويمكن استخلاص أن المرونة النفسية هي هي قدرة الفرد على إدارة استجاباته الإنفعالية والعقلية بطريقة إيجابية تُمكنه من التكيف الفعال مع محن وصعوبات الحياة المختلفة بهدف تحقيق التوافق المرن مع أحداث الحياة الضاغطة [1].
المراجع