نظرا لأهمية المشكلات البيئية فلا شك أن الإنسان الأول نشأ في بيئة طبيعية كانت مواردها تزيد كثيرا على ما يتطلبه من احتياجات نمو عندما كان الإنسان يعيش على الصيد، كان هناك أنواع من التعاون بينه وبين العناصر الأخرى للبيئة ، ولم يكن تأثيره واضحا في البيئة ثم حدث بعد ذلك التحول الكبير في البيئة([1]).
لأن البيئة تعرضت منذ القدم لكثير من المشكلات البيئية ومع تقدم وتدخل الإنسان ومحاولته السيطرة على الطبيعة، بدأت تظهر هذه المشكلات بصورة أكثر وضوحا وتتزايد في المجتمع.
ومنذ أوائل الستينات بدأت حملات جادة تتصدى لمشكلات البيئة وتشعبت الدراسات التي تعالج هذه المشكلات أسرع من إمكانات ملاحقتها وأكثر من ذلك فقد تنوعت المشكلات وتشعبت مع تنوع وتشعب النشاطات البشرية التي تتجه للبيئة باستمرار لإشباع العديد من الرغبات والاحتياجات للفرد داخل المجتمع ([2]) .
الاهتمام بالبيئة و المشكلات البيئية
ولقد أصبح الاهتمام بالبيئة من أهم الأولويات التي تتضمنها خطط عمل الحكومات في شتي بقاع الأرض وأصبح الحفاظ على البيئة وحمايتها مطلب عالمي تسعي إليه منظمات الأمم المتحدة والحكومات ومنظمات المجتمع المدني وذلك بعد تفاقم المشكلات البيئية التي تهدد الحياة على كوكب الأرض مثل التصحر والتنوع البيولوجي وتغير المناخ ([3])
ولضمان استمرارية الحياة على الأرض كان لزاما على جميع دول العالم وضع التشريعات البيئية التي من شأنها المحافظة على صحة وسلامة مكونات البيئة من إنسان ونبات وحيوان وأيضا العمل على تشجيع القطاع الصناعي على المضي قدما في التطور والإنتاج مع عدم الإضرار بالبيئة المحيطة ([4]) .
حيث أصبحت البيئة والمشكلات البيئية الايكولوجية ميدان اهتمام علوم متعددة وفي مقدمتها الجغرافيا والاقتصاد والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا والهندسة والتخطيط والعلوم السلوكية والاجتماعية والتربوية وغير ذلك من الأنظمة المعرفية فلابد من التعاون والتكامل بين العلوم المختلفة للعمل على التصدي لهذه المشكلات التي تواجه المجتمع ([5]) .
كما يعد الاهتمام بالبيئة من أهم القضايا التي تواجه الدول والمجتمعات المعاصرة على المستوي المحلي والعالمي وقد أيقنت هذه الدول أن المدخل الرئيس لحل المشكلات البيئية يكمن في تنمية قيم المحافظة على البيئة
وقد أصبحت مشكلة البيئة اليوم إحدى القضايا الهامة التي تفرض نفسها على الناس جميعا من مختلف العروق والطبقات، كما أصبحت مشكلة البيئة واحدة من أهم القضايا في المجتمع التي تؤثر على تنميته وتقدمه ([6]) .
جهود حل المشكلات البيئية وحماية البيئة
كما بذلت العديد من الجهود لحماية البيئة وصيانتها من أخطار وتلوث على المستويات الدولية والمحلية وكان بداية الاهتمام الدولي قائما على المؤتمرات والندوات ثم تلي ذلك قيام برنامج للأمم المتحدة للبيئة
ومن أهم الإنجازات التي قامت بها هيئة الأمم المتحدة في مجال البيئة مؤتمر ستوكهولم للبيئة الإنسانية عام 1972م ، وكذلك مؤتمر نيروبي للتصحر عام 1977م هذا بالإضافة إلى الكثير من المؤتمرات والحلقات والندوات التي عقدت على الصعيدين الدولي والإقليمي
ومن أبرز التوصيات التي انتهي إليها مؤتمر ستوكهولم العمل على دعوة الحكومات إلى بذل الجهود لحماية البيئة، والعمل علي إنشاء شبكة عالمية من محطات رصد التلوث ، والاهتمام الشديد لحماية البيئة من الاستغلال غير الرشيد، وضرورة الاهتمام بالتوعية بالمشكلات البيئية لأفراد المجتمع علي مختلف أعماره وثقافته ([7]) .
وانطلاقا من هذا الاهتمام العالمي بقضايا البيئة حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم (5 يونيو) من كل عام يوما عالميا حيث يعقد مؤتمر دولي في إحدى دول العالم تقوم فيه الحكومات ووحدات المجتمع المحلي والجهات المعنية بالبيئة بتنظيم أنشطة بيئية مختلفة تتعلق بحماية البيئة من الآثار السلبية للإنسان ([8]).
حيث تظهر ملامح الاهتمام بمعظم المشكلات البيئية في المجتمع المصري منذ نهاية القرن التاسع عشر، حينما صدرت بعض التعليمات الخاصة بجمع القمامة وطرق التخلص منها وكان ذلك عام 1898م.
وتوالت الخطي الحثيثة للاهتمام بالبيئة إلى عقد الثمانينات حيث البداية الحقيقية لجهود حماية البيئة والتي كان من أهم مظاهرها إنشاء جهاز شئون البيئة في عام 1982م ، وصدور عدة قوانين كان آخرها القانون رقم 4 لسنة 1994م الذى ينظم شئون البيئة ، وإنشاء وزارة البيئة في سبتمبر 1997م.
وعلى صعيد العمل الأهلي والشعبي أشهرت العديد من جمعيات المحافظة على البيئة في مختلف محافظات مصر وذلك من أجل حماية البيئة ([9]) .
وعلى الرغم من تعرض البيئة للكثير من المشكلات البيئية كان لابد من الاهتمام بالبيئة من جانب المنظمات الحكومية والمنظمات الأهلية، لأن الاهتمام بالبيئة من القضايا التي تواجه الدول والمجتمعات المعاصرة على المستوي المحلي والعالمي.
وأبلغ دليل على ذلك الاهتمام العالمي المتزايد بمشكلات البيئة والقيام بعقد سلسلة من المؤتمرات والاتفاقيات على المستويات الدولية والإقليمية لبحث شئون البيئة ووسائل حمايتها والمحافظة عليها .
التنمية البيئية و المشكلات البيئية في مصر
كما يسعي المجتمع المصري إلى إحداث التنمية البيئية على المستوي القومي والمحلي، من خلال إكساب المواطنين الوعي بأهمية البيئة والمحافظة عليها وحمايتها والمساهمة في تكوين اتجاه إيجابي نحو البيئة والمشكلات المحيطة بها والاستثمار الجيد للموارد والإمكانيات المحلية لإحداث التنمية البيئية داخل المجتمع.
كما شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في اهتمام العلماء والمخططين والاجتماعيين بمشكلات البيئة والتغيرات التي تطرأ عليها وأساليب التعامل معها بطرق جيدة تحد من زيادة هذه المشكلات في المجتمع ([10]) .
حيث تقوم جهات متعددة برقابة ومتابعة الإجراءات الخاصة بحماية البيئة في مصر ومن هذه الجهات ما هو منوط له مهام محددة في القوانين والقرارات المختلفة، كما تتنوع نشاط هذه الجهات فمنها ما هو مكلف بأعمال تنفيذية ومنها ما يقوم بالبحوث والدراسات العلمية والفنية في مجال المحافظة على البيئة وحمايتها.
وعلى الرغم من تباين هذه الجهات سواء من حيث طبيعة أنشطتها وحدودها أو تبعيتها إلا أنها تشترك جميعها في وحدة الهدف ألا وهو حماية البيئة في مصر.
وهذه الجهات تتمثل في جهاز شئون البيئة وأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ومراكز ومعاهد البحوث المتخصصة مثل مراكز ومعاهد البحوث التابعة لرئيس الأكاديمية ومعهد الدراسات والبحوث الأفريقية، والجهات الحكومية وتتمثل في وزارة الصحة والري والصناعة والإسكان والمجتمعات العمرانية والداخلية والزراعة والبترول والثروة المعدنية.
وأيضا والنشاط على المستوي المحلي مثل مكاتب شئون البيئة بالمحافظات، والتنظيم البيئي من خلال الجامعات والمكتب العربي للشباب والبيئة، والنشاط الغير حكومي في البيئة مثل الجمعيات الأهلية والمكتب العربي للشباب والبيئة كل هذه الجهات تعمل على حماية البيئة والمحافظة عليها في المجتمع المصري وذلك من أجل عملية التنمية في المجتمع ([11]) .
لذلك شهدت السنوات العديدة الماضية تغيرات أساسية في اهتمام المنظمات الحكومية وغير الحكومية بقضايا ومشكلات البيئة والتنمية ، ولم يعد هذا الأمر قاصرا على الدول المتقدمة والصناعية فقط.
كما احتلت قضايا البيئة الصدارة في مقدمة المشكلات الدولية والعالمية التي تحتاج إلى الدراسة والتحليل العميق لحلها، وعقدت المؤتمرات والندوات وتحركت الكثير من المنظمات الدولية والحكومية والأهلية في العالم بأكمله لمواجهة هذه المشكلات.
التي تؤثر على الإنسان والتنمية في المجتمع والتخفيف من آثارها السلبية على الأفراد والجماعات والمجتمعات سعيا منها نحو بيئة أفضل تحافظ على سلامة الإنسان في المجتمع.
المنظمات المعنية بشئون البيئة
كما أن مصر من بين الدول التي شهدت تطورا ملحوظا في مجال المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بشئون البيئة وذلك من أجل سلامة المجتمع من المشكلات البيئية ([12]) .
كما أن المشكلات البيئية تعد نتاج لتفاعل الإنسان مع البيئة كما أنها مشكلة سلوك، فالإنسان هو الذى يستنفذ موارد البيئة ويستخدمها استخداما غير رشيد وهو الذى يلوثها وهو الذى يبتكر الأدوات أو التكنولوجيا التي تضر بيئته ومن ثم يضر نفسه، وبالتالي فإن الجهود التي تستهدف حماية البيئة والحفاظ عليها تؤكد على أهمية تعديل سلوكيات الإنسان ([13]) .
ولما كانت الخدمة الاجتماعية تسعي إلى تحقيق هدف عام وهو مساعدة الأفراد والجماعات والمجتمعات على تحسين أحوالهم سواء ما يتعلق منها بإشباع الاحتياجات أو مواجهة المشكلات أو تنمية القدرات والمساعدة على أداء الوظائف والإدراك الواعي لمعوقات البناء والنمو.
فإنه يمكنها أن تسهم إسهاما فعالا ومباشرا في تعديل السلوك الإنساني وإنماء الوعي البيئي والحد من المشكلات البيئية.
لذا يمكن للخدمة الاجتماعية كمهنة أن تعمل على تقديم الكثير من الجهود والمساعدة لحماية البيئة وذلك لأن المشكلات البيئية لا تنتهي في حدود جغرافية معينة ولكن يمتد أثرها وخطرها من بيئة ريفية إلى حضرية أو العكس أو من بيئة إلى أخري ([14]).
وتؤكد الفقرات السابقة على كيفية التعامل مع المشكلات البيئية بطرق سليمة تحد من زيادتها لأن المجتمع المصري يسعى إلى تضافر جهود كل من الجهات الحكومية والأهلية والمواطن العادي سواء كان في صور قوانين أو برامج لحماية البيئة لن تحقق النجاح ّإذا لم تدعم من جانب الأفراد والمؤسسات في المجتمع.
كما تؤكد على أهمية دور الخدمة الاجتماعية من خلال طرقها المهنية المختلفة في المجالات المتعددة في زيادة نشر الوعي البيئي بين أفراد وجماعات المجتمع ومن هذه الطرق طريقة تنظيم المجتمع التي تهدف إلى زيادة التنسيق والتعاون بين المؤسسات المعنية بالبيئة من خلال المشاركة الإيجابية .
[1])) محمد السيد عامر : دراسات في مجالات الخدمة الاجتماعية ،المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بكفر الشيخ ، المكتب الجامعي الحديث ، 2007م ، ص 509 .
[2])) رشيد الحمد ، محمد سعيد صباريني : البيئة ومشكلاتها ، الكويت ، عالم المعرفة ، الطبعة الثانية ، 1984م ، ص 9 .
[3])) اللائحة التنفيذية للهيئة العامة للبيئة ، الكويت ، 2005م .
[4]) Pat Young ; Mastering social welfare;London Macmillan press; 2000;p. 97.
[5])) محمد نجيب توفيق حسن : الخدمة الاجتماعية في مجال حماية البيئة من التلوث ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1987م ، ص ص 37- 38 .
[6])) سعيد محمد الحفار : بيئة من أجل البقاء ، قطر ، الدوحة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 2007م ، ص 19 .
[7])) محمد عامر أبو المجد : دور الخدمة الاجتماعية في حماية البيئة ، القاهرة ، دار المعرفة الجامعية ، 1996م ، ص ص 149، 150.
[8])) احمد عبد الرحمن الجندي وآخرون: الدراسات الاجتماعية ومواجهة قضايا البيئة ، القاهرة للنشر ، 2002م ، ص 81 .
[9])) جمال شحاتة حبيب وآخرون: الخدمة الاجتماعية وحماية البيئة ، القاهرة ، جامعة حلوان ، 1997م ، ص 147.
[10])) محمد محمد جاب الله عمارة : مرجع سبق ذكره، ص 1860 .
[11])) جهاز شئون البيئة : التقرير الوطن عن البيئة في مصر موجز عن الأنشطة الحالية والرؤية المستقبلية ، القاهرة ، المطبعة العالمية ، 1985م ، ص ص 43، 44 .
[12])) سلوى عبد الله عبد الجواد : مرجع سبق ذكره ، ص 6377 .
[13])) محمود محمد عرفان : مرجع سبق ذكره، ص 606 .
[14])) محمد عامر أبو المجد : دور الخدمة الاجتماعية في حماية البيئة ، مرجع سبق ذكره ، ص 222 .