تشغل المشكلة السكانية بال العالم أجمع وتوليها الحكومات والمنظمات الدولية عناية كبيرة خاصة في بلدان العالم الثالث الذي تفاقمت فيه المشكلة إلى أقصى حد.
ويمكن تعريف المشكلة السكانية بأنها الخلل في التوازن بين الموارد والحاجات أو بمعنى آخر بين معدلات التنمية الشاملة ومعدلات النمو السكاني وكلما اتسعت الفجوة بينهما انخفض مستوى المعيشة وتدنى بالنسبة للأسرة والفرد وبالتالي ينحدر المستوى الاجتماعي إلى مزيد من التخلف وعدم القدرة على الانتاج فتفاقمت المشكلة.
ولا بد إذن من إيجاد حلول تحدث توازنا وتوازيا بين النمو السكاني من ناحية والنمو الاقتصادي والاجتماعي من ناحية أخرى لضمان مستوى معيشة مرتفع ولائق للمجتمع.
ولتحقيق هذه المعادلة لا بد أن يكون عدد السكان مناسبا لحجم الموارد الطبيعية المتاحة حتى يمكن استثمارها الاستثمار الأمثل هذا ما يسمى باسم انسب السكان.
ولمزيد من الإيضاح نسوق مثالا: عربه محملة يجرها جواد ويسير بسرعة مناسبة وفجأ سقط الجواد فحاول السائق أن يجر العربه معاونته ولم يستطع الرجلان تحريك العربة وجاء ثالث فأخذت العربة تتحرك ببطء وجاء رابع فاندفعت العربة تتحرك بنفس سرعة الجواد قبل سقوطه.
وجاء خامس يعاون ظنا أن السرعة ستزيد ولكن حدث العكس إذ تزاحم الرجال على العربة فقلت سرعتها أي أن أنسب عدد لدفع العربة بسرعة مناسبة هو أربعة رجال لا أقل ولا أكثر.
ومع أننا نعيش الآن عصر انفجار المعرفة وتقدم العلم والتكنولوجيا مما ضاعف قدرات الطاقة البشرية على استثمار موارد الطبيعة المتاحة غير أن أسس نظرية أنسب السكان ما زالت قائمة.
والمشكلةالسكانية في مصر ما زالت تمثل التحدي الحضاري الحقيقي لأن النمو السكاني السريع الذي عرفته البلاد منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى الآن والذي تضاعفت فيه السكان نحو 20 مرة فقد كان عدد سكان مصر عام 1800 حسب تقدير جومار من رجال الحملة الفرنسية حوالي 2.5مليون نسمة والتقدير الحالي نحو 49مليون.
هذا النمو السكاني هو حجر العثرة الذي تتحطم أمامه جهود التنمية الاقتصادية في العصر الحديث ويمتص كل عائدات التنمية والمشروعات الانتاجية وبالتالي يقف حائلا دون زيادة الدخل القومي ودخل الفرد مما يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة ويعوق تقدم المجتمع
والمشكلة السكانية الحالية في مصر حالياة ذات ثلاث أبعاد:
- بعد النمو السكاني.
- بعد التوزيع السكاني
- الخصائص السكانية
أولا:- بعد النمو السكاني.
يمتد بعد النمو السكاني في مصر في العصر الحديث إلى مطلع القرن التاسع عشر أي مع قيام الدولة الحديثة فقد جاء تقدير جومار على أن عدد السكان في نهاية القرن الثامن عشر نحو 2.5مليون نسمة ولم تحدث زيادة تذكر حتى عام 1831 نظرا للحروب التي خاضها محمد علي وانتشار وانتشار وباء الطاعون.
غير أن الزيادة الملحوظة في عدد السكان بدأت تظهر بعد عام 1833 أي مع نباء القناطر الخيرية وانتشار الري الدائم في أجزاء من الدلتا والتوسع في المحاصيل الصيفية.
والحقيقة أن النمو السكاني السريع في مصر خلال القرن التاسع عشر كان يواكب التوسع في مشروعات الري والنهضة الزراعية فقد وصل عدد السكان إلى 4.5مليون نسمة عام 1846 ثم إلى 5.5مليون نسمة عام 1877
ومع أن هذه الأرقام تدل على أن هناك زيادة مطردة في السكان فلم يكن هناك إحساس بوجود مشكلة سكانية بل على العكس كان هناك إحساس عام بنقص عدد الأيدي العاملة في مجال الزراعة واستمر التوسع الأفقي والرأسي في الزارعة من ناحية والنمو السكاني السريع من ناحية أخرى.
ووصل عددهم إلى 11.2مليون نسمة في مطلع القرن العشرين عام 1907 وإلى 19مليون في منتصف القرن عام 1947 وغلى 45 مليون عام 1982 حسب ما أعلن الجهاز المركزي لتعبئة والإحصاء ويقدر عدد الكسان عام 1985 بنحو 48 مليون كما يتوقع خبراء السكان أن يصل عدد سكان مصر في نهاية هذا القرن إلى حوالي 70مليون بافتراد استمرار معدلات النمو الحالي
وواضح من تطور النمو السكاني في مصر من واقع الأرقام التي ورد ذكرها ان معدلات المواليد مرتفعة جدا بل هي أعلى المعدلات في العالم وتراوحت في معظم الأحوال بين 40، 45 في الألف وقد زادت هذه المعدلات بعد الحرب العالمية الثانية فوصلت الى 45.7 في الألف في عام 1951.
ثم بدات في الهبوط تدريجيا في الفترة الأخرية لما تبذله الدولة من جهود ملحوظة في مجالات التوعية بالمشكلة السكانية وكذا الخمات الصحية والإعلامية فوصلت إلى 36 في الألف عام 1984 ثم انخففضت الى 27 عام 1996[1]
ويرجع ارتفاع معدل المواليد في مصر الى ارتفاع نسبة الزواج المبكر وارتفاع نسبة الطلاق وظاهرة تعدد الزوجات خاصة في الريف والأحياء الشعبية في الحضر ثم حرص المراة المصرية عموما على كثرة الإنجاب لتكتسب مكانة وأمنا لدى زوجها.
بالإضافة إلى انتشار الجهل والأمية
وسلوك القدريةوالتواكل وفي الريف المصري كان وما زال الطفل المصري عمالة رخيصة مطلوبة.
وهناك انخفاض تدريجي في معدلات الوفيات وقد بدأ ذلك واضحا منذ عام 1950 بين الأطفال نتيجة التحسن الملموس في الخدمات الطبية والتحصين الإجباري للأطفال ضد أمراض المعدية المميتة والسيطرة على معظمها واستخدام مضادات الحيوية في معالجة الحميات وغيرها من الأمراض المتوطنة.
والنتيجةالحتمية المترتبة على زيادة معدلات المواليد وانخفاض نسبة الوفيات في الاربعين عاما الأخيرة أي ما بعد الحرب العالمية الثانية أن قصرت فترات تضاعف السكان في مصر وأصبحت مصر من أكير بلاد العالم من حيث سرعة النمو السكاني.
وينعكس هذا النمو السكاني السريع على تركيب المجتمع من حيث فئات السن إذ أصبح الهرم السكاني يرتكز على قاعدة عريضة من صغار السن تحت سن 15سنة وتمثل هذه القاعدة 40% من مجموع السكان.
وهذه نسة عالية جدا غير منتجة وتحتاج إلى شريحة أخرى من المجتمع تعولها خاصة في الحضر أم القطاع المنتج بين سن 15، 50سنة فيمثلون 50% من مجموع السكان وهذا معناه أن على هذا القطاع أن يعول النص الآخر من المجتمع.
وبتحليل هذه الأرقام يتضح أن نصف عدد سكان مصر غير متج وإذا اضفنا أن كثيرا من النساء لا تنتج لانشغالهن بانجاب الأطفال فإن نسبة غير القادرين على الانتاج يزيزد كثيرا عن 50% وهذا يختلف كثيرا عن البلاد المتقدمة فالقادرون على العمل في السويد مثلا يصلون إلى 9% وفي الولايات المتحدة 7%.
ثانيا: بعد التوزيع السكاني:
أن خريطة توزيع السكان في مصر توحي لأول وهلة أنها بلد فريد في العالم أجمع فلا توجد دولة واحة غير مصر يتركز فيها معظم السكان في شريط ضيق على امتداد نهر النيل وفي دلتاه بينما تتخلخل الكثافة السكانية بشدة وبشكل ملحوظ إذا ابتعدنا عن هذا الوادي.
ان مساحة مصر تساوي مليون كيلو متر مربع بينما مساحة وادي النيل ودلتاه حيث التربة الطينية الخصبة تساوي 33ألف كيو متر فقط منها 22ألف كيلو متر في الدلتا و11الف كم في الوادي وهذه المساحة تساوي 1/30 أو 3.5% من مساحة الدولة وفي هذه الرقعة المحددة يتركز 98% من مجموع السكان.
وقد يبدو أن هذا شيء غير طبيعي ولكن خصوبة التربة في ارض الوادي والدلتا التي جلبها النهر خلال الزمن الجيولوجي الرابع من الحبشة ووفرة مياه النهر كانت من العوامل الأساسية التي دفعت المصريين إلى الاحتشاد والتزاحم على أرض الوادي والدلتا على ضيق هذه الأرض.
وكان من الطبيعي أن يهجروا الصحاري المجاورة شرقا أو غربا لفقر موارد المياه ولم يرتادوها إلا حيث توجد عيون الماء الباطني أو من أجل التعدين.
النتيجة
والنتيجة المقابلة أن مجموع سكان الصحاري في مصر التي تمثر 29/30 أ,و 96.5% من مساحة البلاد لا يتعدى 2% فقط وهؤلاء مبعثرون في هذه الفيافي الواسعة وعلى قلتهم تختلف كثافتهم من كان لأخر.
ففي الصحراء الغربية يتواجدون في المنخفضات الصحراوية اي الواحات بجوار عيون الماء وبقدر ما تتواجد هذه العيون بقدر ما يجتمع السكان ولا قيمة للارض في الواحدة مهما بلغت خصوبتها إنما القيمة كل القيمة لكمية المياه التي تخرج من العيون والآبار.
ويتوجد السكان كذلك بكثافة منخفضة على طول الساحل الشمالي الغربي حيث القليل من الامطار في الشتاء والربيع التي تسمح أحيانا بزراعة الشعير او نمو المراعي لتربية الاغنام وتساهم البار الرومانية على طول الساحل بتوفي مياه الشرب خلال فصل الصيف.
وفي الصحراء الشرقية ينتشر البدو في وديانها لفقر هذه الصحراء بموارد المياه كما يتجمع آخرون حول ابار البترول أو مناطق تعدين الفوسفات.
وكذا الحال في سيناء ففي الشمال قليل من الأمطار أو مياه الآبار في بطون الكثبان الرملية أو ما يأتي إلى وادي العريش من مياه السيول وفي جنبو سيناء يتواجد السكان في مناطق تعدين البترول أو في بطون الوديان.
هذه صور للتضاد البشري من حيث الكثافة بين الوادي والدتا من ناحية وبين الصحاري المصرية من ناحية أخرى.
ويعنينا بالطبع أن تركز على الكثافة السكانية في الودي والدلتا لأنها من أعلى الكثافات في العالم حتى مقارنة بالثكاة في الدول الصناعية اذ تصل في المتوسط إلى 800في الكيلو وترتفع في بعض مناطق الريف في جنوب الدلتا إلى أكثر من 1000في الكيلو متر المربع.
وباستثناء المدن الكبيرة مثل القاهرة والجيزة والاسكندرية أو المدن الاخرى المنتشرة في الوادي ومنطقة القناة فان الكثافة السكانية في الريف المصري سواء في الودي او الدلتا تختلف من مكان لآخر.
الأسباب
ويرجع ذلك لعدة عوامل منها درجة خصوبة التربة ووفرة مياه الري أو القرب من العاصمة وعلى هذا الاساس ترتفع الكثافة الى اعلى معدل في جنوب ووسط الدلتا خاصة في محافظات المنوفية والقليوبية ثم محافظة الجيزة في شمال الوادي.
وتقل الكثافة في شمال الدلتا وفي أطرفاها الشرقية والغربية نتيجة الاقتراب من الصحراء وابعد عن موارد مياه النهر وفي الوادي تنخفض الكثافة شرقا وغربا كلما ابتعدنا عن مجري النهر او جنوبا اذ تعتبر محافظات قنا واسوان من اقل محافظات الصعيد كثافة لضيق الوادي وانحسا مساحة الاراضي الزراعية.
وتشذ القاعدة فترتفع الكثافة في محافظة سوهاج خاصة في مراكز جرجا ونجع حماد يوتنخفض في المنيا لاسباب تاريخية حيث كانت محافظة الاقطاعيات بالاضافة إلى استاع مساحة الوادي في هذه المحافظة
ولا يفوتنا ان نسجل ان الريف المصري يمثل اعلى كثافة سكان بالمقارنة باي سكان فيا لعالم وهذه ظاهرة سكانية تستحق الدراسة.
اما المدن المصرية فهي الاخرى ظاهرة فريدة فمدينة القاهرة العاصمة قد نمت نموا سرطانيا بعد الحرب العالمية الثانية فقد كان عدد سكان القاهرة عام 1950 نحو 2 مليون نسمة وصلت حاليا الى 10 مليون تقريبا وتصل عند الظهيرة الى 12 مليون نسمة.
اما مدينة الاسكندرية فقد نمت في نفس الفترة من نصف مليون الى 3 مليون وواضح ان من اسباب هذا النمو السرطاني ان القاهرة والاسكندرية هما اهم مناطق الجذب السكاني البشري في مصر.
فبالاضافة الى النمو الطبيعي والسريع لابناء هذه المدن فان تيار الهجرة الداخلية قد اشتد من محافظات الطرد سواء من الصعيد ومن اسيوط وقنا واسوان حيث وفد منها الى القاهرة عمال البناء ومن سوهاج تجار الخضر والفاكهة ومن المنوفية بالدلتا عمال الخدمات.
والجميع وفدوا يبحثون عن فرص العمل ومن اجل حياة الفضل في الحضر بالاضافة إلى كردون المصانع التي قامت حول القاهرة من الشمال والشمال الشرقي والجنوب والغرب قد جذبت آلاف الايدي العاملة من الدلتا والوادي.
واذ كانت القاهرة قد احتكرت الحكومة المركزية والخدمات الحضارية تعليمية او صحية أو ترفيهية فان كل العربي ويتوقع خبراء الاسكان ان تصل إلى 20مليون في نهاية هذا القرن.
وهناك احياء في كل من القاهرة ولااسكندرية مثل باب الشعرية وروض الفرج وبولاق الدكرور والجمرك في الاسكندرية تمثل اعلى كثافة سكانية على مستوى الحضر في العالم
وهناك مدن اخرى تعتبر مدن جذب في مصر وهي مدن القناة السويس والاسماعيلية وبورسعيد وبالطبع فان الخدمات الملاحية التي تقدمها القناة والخدمات الجانبية وراء هذا النمو السريع لهذه المدن الثلاث مما خلق منطقة كثافة سكانية على طول القناة.
هذا ويلاحظ ان الدولة تنتهج سياسة جديدة من اجل اعادة توزيع الكثافة السكانية وذلك بانشاء المجتمعات الجديدةفي الصحراء كالمدن الجديدة او محاولة الكشف عن موارد جديدة للمياه الباطنية في الواحات من اجل التوسع الزراعي.
ثالثا: بعد الخصائص السكانية وتشمل:
1—التعليم
2- الصحة
3- الاسكان
4- العمل
5- الغذاء
6- الدخل القومي
[1] – ج.م.ع – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 1998
التعليقات معطلة.