يعد مفهوم الوظائف التنفيذية من المفاهيم الحديثة نسبيا في مجالات عدة في علم النفس، فهو عبارة عن مظلة كبيرة لمجموعة من الوظائف المعرفية المهمة والضرورية التي تتمثل في قدرة الطفل على التحكم في سلوكياته وتصرفاته، ومن خلالها يستطيع التعامل مع المواقف المختلفة.
وقد نشأ مفهوم الوظائف التنفيذية – في الأساس – في أربعينيات القرن التاسع عشر من خلال الجهود الأولية التي بذلها العلماء لفهم وظائف الفص الجبهي عموما والقشرة الدماغية على وجه التحديد [1].
وقد ازداد الانتباه إلى الوظائف التنفيذية – على مدى العقود القليلة الماضية – بالرغم من وجود الاهتمام بمسألة الضعف في هذه الوظائف التنفيذية في الأدبيات البحثية منذ ما يقرب من قرن من الزما.
وأكثر من يعاني من وجود ضعف في الوظائف التنفيذية هم الأطفال ذوي الاضطرابات النمائية واضطرابات الجهاز العصبي، حيث يؤثر هذا الضعف بشكل كبير على بيئة الطفل، ويسبب اضطرابات في العديد من النواحي النفسية والأكاديمية والاجتماعية [2].
وتشير دراسات النمو إلى أن الوظيفة التنفيذية تنمو وتنضج من الميلاد وحتي سن الخامسة والسادسة، فضلا عن ذلك تمثل الوظيفة التنفيذية العمليات المعرفية الأتية [3]:
- السيطرة على الانتباه وخاصة الانتباه الانتقائي والمستمر مع كف الاستجابة.
- المرونة المعرفية وتتضمن الذاكرة العاملة وتغير مسار الانتباه وسلوك مراقبة الذات.
- إعداد الهدف والتخطيط والسلوك الاستراتيجي.
- سرعة تشغيل المعلومات.
ويؤثر الضعف في الوظائف التنفيذية على عملية الانتباه والمهارات الحركية، فالطفل الذي لديه ضعفا أو عجزا في هذه الوظائف يعجز عن الأداء الجيد في اختبارات الانتباه الأساسية مثل تلك التي تتطلب منه أن يركز انتباهه على شاشة الكمبيوتر مثلا لفترة معينة ويجيب عندما يظهر شكلا معين، ومن هنا فإن الوظائف التنفيذية تسهم في تحقيق النجاح في العمل والمدرسة، وتمكن من كبح السلوكيات غير اللائقة، وبدون القدرة على قمع هذه السلوكيات فإنه يمكن القول بأن هناك خللا في الوظائف التنفيذية [4].
مفهوم الوظائف التنفيذية:
یری کریج وأخرون أن الوظائف التنفيذية عبارة عن “مجموعة من العمليات الإدراكية المدعومة من القشرة الجبهية، والتي تقوم بتنسيق وتنظيم عمليات الإدراك الحسي والتنظيم الذاتي والسلوك الموجه ذاتيا نحو الهدف المنشود” [5].
بينما يرى فرناندز باليستروس الوظائف التنفيذية أنها “تلك الوظائف التي تنظم النشاط العقلي الذي يتحكم ويوجه السلوك البشري” [6].
وتعرفها صباح السيد بأنها “مجموعة من القدرات المعرفية ذات المستوى العالي، والتي تتمثل في المبادأة والمراقبة الذاتية والتنظيم والتخطيط والضبط الانفعالي والحديث الذاتي وغيرها من القدرات التي تمكن الفرد من الوصول إلى الهدف” [7].
أهمية الوظائف التنفيذية:
يؤثر الضعف في الوظائف التنفيذية في الجوانب المختلفة من حياة الأفراد، وخصوصا في السنوات المبكرة من حياتهم. ويعد اضطراب فرط النشاط المصحوب بقصور الانتباه من الجوانب الأساسية الناتجة عن خلل الوظائف التنفيذية، مما يهدد الصحة النفسية للفرد، من هنا كان الأفراد الذين ليس لديهم خللا في الوظائف التنفيذية يستمتعون بنوعية حياة، لذلك تبدو الحاجة بوضوح إلى استخدام الوظائف التنفيذية لمواجهة العديد من مثيرات البيئة المحيطة.
وللوظائف التنفيذية مهام رئيسة تتضح في العديد من النقاط التالية [8]:
- تنسيق وتنظيم المعلومات.
- تشكيل وتجميع الأفكار من أجل القيام بعمل معين.
- التخطيط المسبق للفعل.
- السيطرة والتكامل بين الفكرة ونواتجها.
- احتواء الأفكار والاحتفاظ بها في الذاكرة العاملة.
- ضبط الجوانب الانفعالية.
القدرة على حل المشكلات. ومن جهة أخرى يرى (Barkley) أن الوظائف التنفيذية تسهم في تحقيق التوافق بجميع جوانبه النفسية والاجتماعية مع المثيرات الخارجية المحيطة بالفرد، كما أنها تسهم في عمليات التوجيه والتنظيم الذاتي للعديد من الجوانب الانفعالية، وتسهم أيضا في عمليات الضبط المعرفي لأنظمة معالجة المعلومات وتنظيم الأفكار والاستجابات السلوكية على نحو أكثر مرونة، واتساقا مع متطلبات المهام المعرفية المختلفة. كما أنها لها أهميتها في تعديل وتوجيه سلوك الفرد [9].
ولذا كانت الوظائف التنفيذية وسيلة لا يمكن الاستغناء عنها، ولا يمكن للفرد أن يحقق أهدافه ونجاحاته – في مختلف تصرفاته – بدونها، فهي تساعد الفرد على التحكم والتخطي للعقبات التي تواجهه>
وتتضح أهمية الوظائف التنفيذية من خلال النظر إليها من الناحيتين النظرية والتطبيقية، وما ينتج عن ذلك من إفادة. فمن الناحية النظرية فإن أهمية الوظائف التنفيذية تظهر في ظل تنوع وتعدد مجالات البحوث النفسية والسلوكية والكلينيكية والمعرفية والعصبية من خلال تعدد التفسيرات الخاصة بها ويختلف ذلك باختلاف رؤية هذه المجالات.
فمثلا يرى المجال العصبي الوظائف المعرفية في ضوء اعتبارها من وسائل التنظيم المعرفي للدماغ، في حين يراها المجال المعرفي في ضوء النظم المعرفية المحددة الاستراتيجيات الفرد للتعامل مع البيئة، ومن الناحية التطبيقية فإن أهمية الوظائف التنفيذية في مجال البحوث الكلينيكية يظهر من خلال بيان قدرتها على إعطاء نتائج وتفسيرات الأسباب السلوكات المضطربة النفسية منها والعقلية.
كما أنها تسهم في الإمداد بقدر لابأس به من التحكم في عمليات تقييم السلوك، وفهم الاختلافات المرتبطة بالأداءات لدى الأفراد ذوي الاضطرابات؛ وبناء عليها يمكن تنظيم البناء السلوكي والمعرفي للمضطربين عقليا ونفسيا وسلوكيا [10].
فللوظائف التنفيذية أهمية كبيرة في حياة الأفراد، وتبدأ هذه الأهمية في مرحلة رياض الأطفال، ويتضح الاهتمام بالوظائف التنفيذية من خلال اهتمام المختصين والقائمين على الرعاية، وذلك بمراقبة سلوكات الأطفال في المراحل العمرية المبكرة، وملاحظة الضعف أو القصور الذي قد ينشأ لديهم عند التعامل في المواقف الحياتية المختلفة.
حيث إن الاهتمام بالتدخل المبكر لملاحظة السلوكيات الصادرة من الأطفال أمر لا غنى عنه، بحيث يتم رصد هذه السلوكيات ومحاولة معالجتها بعد التعرف على أسبابها، وهذا ما يساعد على التحكم في السلوكيات وتوجيهها بالطريقة الصحيحة.
المراجع
- ↑ Barkley, R.. (2015). Attention-Deficit Hyperactivity Disorder. A handbook for diagnosis and treatment, (5th ed). New York, Guilford Press.
- ↑ Anderson, V., & Catroppa, C. (2005). Recovery of executive skills following paediatric traumatic brain injury (TBI): a 2 year follow-up. Brain Injury, 196, 459-470.
- ↑ مریم مهذول محمد (۲۰۱۵). الوظيفة التنفيذية وعلاقتها بالحساسية للمشكلات لدى الطلبة المتميزين والاعتياديين: دراسة مقارنة. مجلة كلية الآداب – جامعة بغداد، (۱۱۳)، ۵۳۷-۵۷۰.
- ↑ أحمد فوزي جنيدي (۲۰۱۷). الوظائف التنفيذية وعلاقتها بالدافعية للإنجاز والتحصيل الأكاديمي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية ذوي صعوبات التعلم. مجلة دراسات عربية في التربية وعلم النفس، .۱۹۳-۱۰۹ ،(۹۰)
- ↑ Craig, F., Margari, F., Legrottaglie, A. R., Palumbi, R., De Giambattista, C., & Margari, L. (2016). A review of executive function deficits in autism spectrum disorder and attention-deficit/hyperactivity disorder. Neuropsychiatric disease and treatment, 12, 1191- 1202
- ↑ Fernández-Ballesteros, R. (Ed.). (2017). Encyclopedia of psychological assessment. SAGE Publications Limited. Publishing Company: SAGE Publications Ltd. London. http://dx.doi.org/10.4135/9780857025753.n84.
- ↑ صباح السيد سعد (۲۰۲۰). الكفاءة الذاتية الأكاديمية والوظائف التنفيذية: دراسة عاملية. مجلة كلية التربية ببنها ،، (۱۲۳)، 564- 586.
- ↑ Doty, R. (2007). Executive function university of florida cognitive and memory disorder clinics,box 100236, mcknight brain institute,cainesvill, 1-13.
- ↑ عمر السيد حمادة (۲۰۱۶). فاعلية برنامج تدريبي للوظائف التنفيذية لخفض السلوك العدواني لدى الأطفال ذوي الإعاقة العقلية القابلين للتعلم. مجلة التربية الخاصة والتأهيل، ، (۱۰)، 44 – .۸۷
- ↑ Perner J. & Lang, B. (2000).Theory of mind and executive function: Is there a developmental relationship? In: BaronCohen S, Tager-Flusberg H, Cohen DJ, editors Understanding other minds: Perspectives from developmental cognitive neuroscience. 2nd ed. New York NY: Oxford University Press.