علم النفس

الوعي الصوتي مفهومه ومكوناته

الوعي الصوتي

قبل تعريف الوعي الصوتي نقدم لذلك بتعريف للوعي ثم تعريف للصوت، وذلك ليكتمل في الذهن تعريف الوعي الصوتي.

عرف محمد ابن منظور (1414ه: ۳۹۹) الوعي لغة بأنه حفظ القلب للشيء، ووعي الشيء والحديث يعيه وغيا وأؤعاه أي حفظه وفهمه وقبله، فهو واع، وفلان أوعى من فلان أي أحفظ وأفهم [1].

أما الصوت فقد عرفه أبو الفتح بن جني (۱۹۸۰: 6) بأنه عرض يخرج من النفس مستطيلا متصلا، حتى يعرض له الحلق والفم والشفتين، مقاطع تثنية عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفا [2].

ووصف أحمد عمر (۱۹۹۱: ۱۱۱) ميكانيكية حدوث ذلك الصوت بأن الإنسان عندما يستعد للكلام العادي، فإنه يستنشق الهواء فيملئ به صدره قليلا، وإذا أخذ في التكلم، فإن عضلات البطن تتقلص قبل النطق بأول مقطع صوتي، ثم تتقلص عضلات القفص الصدري بحركات سريعة، تدفع الهواء إلى أعلى عبر الأعضاء المنتجة للأصوات، وتواصل عضلات البطن تقلصاتها في حركة بطنية مضبوطة [3].

مفهوم الوعي الصوتي:

يمثل الوعي الصوتي علاقة الوحدة الصوتية بالرمز، فمن خلال اكتسابه يستطيع الفرد التعرف على الرمز المكتوب، مما يعني أن هذا الوعي يعتبر متطلبا لتطوير الجانب اللغوي لدى الفرد فإتقانه يحتاج إلى تدريب المتعلم على التحليل والتركيب، حتى يتمكن من التمييز والإنتاج على المستوى الشفهي، ثم تنمو لديه القدرة على التعامل مع الرموز المكتوبة في القراءة، فتتكون لديه القدرة على ربط الكلمات ذات البدايات والنهايات المتشابه (محمود جلال الدين: 2009) [4].

كما أن الوعي الصوتي يمثل إدراك الطفل الأصوات الحروف الهجائية المنطوقة، والكيفية التي تتشكل بها لتكون مقاطع صوتية وكلمات وجمل لكل منها حدود سمعية وصوتية، وإدراك التشابه والاختلاف بينهما.

ويظهر ذلك في القدرة على تقسيم الجمل الشفوية المسموعة أو المقروءة إلى كلمات، والكلمات إلى مقاطع صوتية، والمقاطع إلى أصوات وحروف، وتركيب الأصوات أو المقاطع معا لتكوين كلمات سواء لها معنى أو عديمة المعنى، وتقفية أو سجع الكلمات (الإتيان بكلمات لها نفس النغمة)، والتعرف على أصوات الحروف وموضعها وحركتها في الكلمة سواء كانت فتح أو كسر أو ضم (محمود جلال الدين، ۲۰۱۲) [5].

والتعريف السابق قد تناول الإدراك والوعي بالأحرف والأصوات الكلامية، ثم الطريقة الإجرائية لعملية القياس التجريبي لمدى إدراك الطفل ووعيه بهذه الأصوات وطرق التعامل معها والتلاعب بها، غير أنه لم يشمل استبدال أو عزل أو إضافة الأصوات كأحد طرق الكشف عن الوعي الصوتي لإنتاج اللغة وبخاصة عند العاملين في حقل التربية الخاصة.

وعرفه محمد عبدالجواد (۲۰۱۳: ۵۸۲) بأنه مجموعة من الأنشطة أو المهارات العقلية والتي تشتمل على التعرف على القافية، تطبيق القافية، مهام أصوات البدايات، مهام أصوات النهايات، مهام أصوات الوسط، مهام دمج المقطع الختامي، مهام دمج القوافي الاستهلالية، دمج الفونيمات، تجزئة القوافي الاستهلالية، تجزئة الفونيمات، حذف الفونيم، استبدال صوت البداية، استبدال صوت النهاية، استبدال صوت الوسط [6].

وأوضح أشرف عبد الحميد، وإيهاب الببلاوي (2014: 14) أن الوعي الصوتي هو قدرة الطفل على إدراك آلية إخراج الأصوات اللغوية والكيفية التي تتشكل بها هذه الأصوات مع بعضها لتكوين المقاطع والكلمات والجمل، وقدرته على التنغيم، وتقسيم الجمل إلى كلمات، والكلمات إلى مقاطع، والمقاطع إلى أصوات، إضافة إلى مزج الأصوات لتكوين الكلمات [7].

ويعرفه صالح عبد المقصود (2015: ۲45) بأنه التمكن من معرفة مواضع إنتاج الأصوات اللغوية، وكيفية إخراج هذه الأصوات، والتمكن من إدراك ومعالجة أصوات الكلمات المنطوقة من خلال الفونيم الصوتي الواحد أو الكلمات أو المقاطع الصوتية للكلام المسموع والتي تتفق فيها هذه الأصوات مع بعضها لتكوين الكلمات والألفاظ والمقاطع مع إدراك وجه التشابه والاختلاف بين هذه الأصوات سواء جاءت هذه الأصوات منفردة أو في كلمة [8].

وتناول (Goldsteina,& Olszewdkia2015, 103) تعريف الوعي الصوتي بأنه قدرة الطفل على فهم مجرى الحديث، وأنه يمكن تجزئته إلى وحدات صوتية أصغر كالكلمات، والمقاطع، والفونيمات. ويلاحظ على هذا التعريف أنه بدأ بأحد المستويات العليا للغة (القراءة) وهو فهم مجری الحديث وسياقه، غير أن فهم الحديث لا يعني مطلقا الوعي الصوتي، ففهم مجرى الحديث یعنی فهم المقصود العام من الكلام، كما أن التعريف تضمن مستويات الوعي الصوتي بصورة مجملة بداية من الكلمات ثم المقاطع ثم الفونيمات [9].

وعرف محمد خصاونه وأخرون (۲۰۱۸ ب: ۰۱۲) الوعي الصوتي بأنه امتلاك القدرة على معرفة أماكن إنتاج الأصوات اللغوية، وكيفية إخراج هذه الأصوات والكيفية التي تتشكل بها هذه الأصوات مع بعضها لتكوين الكلمات، والجمل والألفاظ مع القدرة على إدراك التشابه والاختلاف بين هذه الأصوات، سواء جاءت هذه الأصوات منفردة، أو في الكلمات أو في التعبيرات اللغوية المختلفة [8].

والتعريفات السابقة وإن كانت قد اهتمت بقدرة الطفل على معرفة كيفية تشكل الأصوات وتكوين الجمل والكلمات ومعرفة التشابه والاختلاف فيما بينها، إلا أنها قد جعلت لزاما على الطفل في وعيه الصوتي معرفة أماكن إنتاج الأصوات اللغوية في عصر تكنولوجيا التعليم.

وهذا جانب قد يصعب على الأطفال زارعي القوقعة معرفته في مرحلة خضوعهم للتدريب اللغوي أو التمكن منه، خاصة وأن التركيز عليه قد لا يفيد الطفل كثيرا بقدر ما يفيده التركيز على مدى إدراكه البصري والسمعي للأصوات والحروف الهجائية وطرق تشكلها، كما أن الطفل ليس مطلوبا منه أن يعرف أماكن انتاج الأصوات لأن هذ القدرة يصعب قياسها تجريبيا مع الأطفال زارعي القوقعة، ويكون التركيز على مدى معرفته بالنطق الصحيح للأصوات والكلمات وإدراكه لها.

أهمية الوعي الصوتي:

يعد الوعي الصوتي عنصرا حاسما في عمليات المعالجة الصوتية، والتي تتنبأ بنتائج محو الأمية اللغوية لدى الأطفال أو قدرتهم على اكتساب اللغة، حيث تمكن مهارات الوعي الصوتي الأطفال من التفكير في التركيب السليم للكلمات و تسهیل قدرتهم على فك ترميز الكلمات وتحليل الكلمات أثناء الإملاء، حيث إن معرفة الطفل بالمفردات وقدرة الذاكرة العاملة لديه ترتبط ارتباطا وثيقا بمهارات الوعي.

كما أن النمو الصوتي حسب ما توصل إليه (2008, 216 ,Niels et al) يتم عن طريق عمليتين أطلق عليهما البناء والاختفاء، وتتمثل عملية البناء في اكتساب الطفل للأصوات الكلامية بصورة متدرجة حتى تكتمل قائمة الأصوات اللغوية للطفل بصورة كلية، أما عملية الاختفاء فتتمثل في زوال العمليات الصوتية (تلقائيا أو علاجيا) والتي تشمل الحذف أو الإبدال… الخ، والتي يستخدمها الطفل من أجل تبسيط نطق الكلمات أثناء عملية اكتسابه للغة

[10].

يضاف إلى ذلك تأكيد عادل عبدالله (2005: ۷۷) على أن مهارة الوعي الصوتي لها أهميتها القصوى في زيادة قدرة الطفل على فهم أن مجرى الحديث اللغوي يمكن أن تجزأته الوحدات صوتية (فونيمية) أصغر كتقسيم الجمل كلمات والكلمات لمقاطع ثم فونيمات، كما أن العاديين من الأطفال والذين لا يعانون من أي صعوبات يستطيعون تطوير الوعي الصوتي بشكل طبيعي خلال سنوات ما قبل المدرسة

[11]

.

أما الأطفال الذين يعانون من صعوبات ومشکلات في الإدراك والوعي الصوتي فإنهم يعدون من المعرضين لخطر صعوبات القراءة وذلك بعد التحاقهم بالمدرسة الابتدائية. كما أن بعض الأطفال عادة ما يعانون من قصور في تحليل التركيب الصوتي للغة المنطوقة سواء أكان ذلك على مستوى الكلمة أم على مستوى الجملة.

ولمعالجة هذه الصعوبات لا بد من تطوير برامج تدريبية لهم، خاصة وأن الطفل الذي يعاني من صعوبة في الوعي الصوتي لا يدرك معنى الصوت مما يؤثر على فهمه وتحصيله الدراسي وقدرته على الاتصال مع الأخرين (محمد خصاونه وأخرون، ۲۰۱۸ب: 510)

فكلما ازدادت كفاءة الطفل في تحليل الكلمات إلى أصوات مفردة كان مستواه في القراءة | أفضل، فالطفل يتطلب منه أن يكون قادرة على أن يميز بين أصوات الحروف المسموعة في الكلمة الواحدة، وكذلك قدرته على تحديد عدد الحروف التي تتكون منها الكلمة وكذلك القدرة على دمج مقاطع الكلمة مع بعضها البعض دون إضافة أو حذف أو إبدال أو تشويه …. الخ، وهذا ما يسمى بالوعي الصوتي (عبدالعزيز أمين، ۲۰۱۸: ۳۳۱) [12]

.

المراجع

  1. محمد بن مكرم بن علي بن منظور (1414ه). لسان العرب، ط3، بيروت – لبنان، دار صادر.
  2. أبو الفتح عثمان بن جني (۱۹۸۰). سر صناعة الإعراب ، تحقیق حسن هنداوي، دمشق، دار القلم.
  3. أحمد مختار عمر (۱۹۹۱). دراسة الصوت اللغوي، القاهرة، عالم الكتب.
  4. محمود جلال الدين سليمان (۲۰۰۹). دور التدريب على الوعي الصوتي في علاج صعوبات القراءة، المؤتمر العلمي السادس من حق كل طفل أن يكون قارئا متميزا، جامعة عين شمس، الفترة من ۱۲-۱۳ يوليو، الجمعية المصرية للقراءة والمعرفة، المجلد۱، .۱۸۳-۱۳۳
  5. محمود جلال الدین سلیمان (۲۰۱۲). الوعي الصوتي وعلاج صعوبات القراءة: منظور لغوي تطبيقي، القاهرة، عالم الكتب.
  6. محمد عبدالجواد محمود (۲۰۱۳). أثر تدريبات الوعي الفونولوجي في تحسين الذاكرة العاملة الفونولوجية، والتعرف على الكلمة لدى الأطفال ذوي الإعاقة العقلية البسيطة. مجلة كلية التربية للبحوث التربوية والنفسية والاجتماعية، كلية التربية – جامعة الأزهر .۹۱۱-۵۷۰ ،(156) 6
  7. أشرف محمد عبد الحميد، وإيهاب عبدالعزيز الببلاوي (۲۰۱۶). فعالية التدريب على مهارات الوعي الصوتي في خفض بعض إضطرابات النطق لدى الأطفال زارعي القوقعة الإلكترونية. مجلة التربية الخاصة، (۸)، ۳۰۸- ۳۹۲.
  8. تفاصيل المرجع
  9. تصالح عبد المقصود السواح (۲۰۱۰). فعالية برنامج تدريبي لتنمية مهارات الوعي الفونولوجي البصري وأثره في تحسين اللغة التعبيرية لدى الأطفال ذوي الإعاقة الفكرية، مجلة التربية الخاصة، كلية التربية، جامعة الزقازيق، (۱۲)، 240-۳۰۰.
  10. LUUL. Niels Janssen, F.-Xavier Alario and Alfonso Caramazza (2008): A Word Order Constraint on Phonological Activation, Psychological Science, 19, (3) 216-220.
  11. عادل عبدالله محمد (۲۰۰۹). فاعلية برنامج تدريبي لأطفال الروضة في الحد من بعض الآثار السلبية المترتبة على قصور مهاراتهم قبل الأكاديمية كمؤشر لصعوبات التعلم، المؤتمر العلمي الثالث (الإنماء النفسي والتربوي للانسان العربي في ضوء جودة الحياة)، كلية التربية، جامعة الزقازيق، ۱، ۱۰-۹۰.
  12. عبدالعزيز أمين عبدالغني (۲۰۱۸). برنامج للتدخل المبكر لتنمية الوعي الفونولوجي لدى الأطفال زارعي القوقعة، مجلة الإرشاد النفسي جامعة عين شمس، (54)، ۳۲۰-345.
السابق
منحى STEM التعليمي المفهوم والنشأة
التالي
من هم ذوي الاحتياجات الخاصة وأنواعهم

اترك تعليقاً