التنمية المستدامة

تعريف الإدارة الاستراتيجية وخصائصها

تعريف الإدارة الاستراتيجية وخصائصها

لتحقيق فهم أفضل لـ الإدارة الاستراتيجية فمن الضروري أن نلقي الضوء على مفهوم الاستراتيجية الذي يعد مفهوماً قديماً في التراث الفكري للبشرية، حيث تستمد هذه الكلمة جذورها من الحضارة اليونانية (منذ ما يقرب من 3000 عام) والتي أعطتها الدلالة العسكرية.

فهي نابعة من الكلمة اليونانية (Strategos)، والتي تترجم إلى قيادة الجيش، أو فن الجنرال، أو الخطة العسكرية التي يضعها القادة لدفع الجيوش في الحرب نحو هدف محدد (تدمير الأعداء) من خلال الاستخدام الفعال للموارد.([1])

      وهذا المفهوم الأولي يعكس خاصيتان رئيستان تميزان الإستراتيجية، وهما: وجود هدف يراد الوصول إليه، وخطط عمل يتم إنجازها لتحقيق هذا الهدف، مستفيدين من قدرات القادة في ذلك الوقت والمتمثلة في الخطابات المؤثرة، والقدرة البدنية، والمهارات القيادية والإدارية.

      وبمرور الوقت (وبعد الحرب العالمية الثانية) تطور مفهوم الاستراتيجية وأصبح لها استخدامات في سياقات مختلفة غير السياق العسكري، والتي من بينها العلوم الإنسانية كالسياسة والاقتصاد والعلوم الإدارية، حيث نمت المؤسسات بدرجة كبيرة وتعقدت بيئتها، وكانت في حاجة إلى المباديء التوجيهية لتشكيل هياكلها ونظمها وأساليب العمل لديها،.

وأصبحت الاستراتيجية تمثل أداة هامة ورئيسية لإدارة الأعمال تساعد المنظمات في مواجهة البيئة الأكثر تنافسية والتي تتسم بالاضطراب وعدم الثبات، والتعامل معها على نحو يعظم من قدراتها في الاستفادة من مواردها وإمكاناتها وكفاءاتها الداخلية ويجعلها قادرة على مواجهة تهديدات البيئة الخارجية، ويدعم قدرتها على البقاء والاستمرار والمنافسة.([2])

قد يهمك: المشكلة السكانية وابعادها في مصر

      ويقدم (المغربي، 2006) مفهوماً للاستراتيجية بأنها تعبر عن الخطة الرئيسية الشاملة  Comprehensive Master Plan التي تحدد كيفية تحقيق المنظمة رسالتها Mission وأهدافها Objectives من خلال إحداث التوافق بين قدراتها من جهة ومتطلبات البيئة المحيطة من جهة ثانية.([3])  

      ويذكر (, Scholes, Harlow 2007 Johnson) مفهوماً قريباً من المفهوم السابق للاستراتيجية حيث يرون أنها تعبر عن: اتجاه ونطاق عمل المنظمة على المدى البعيد في بيئة مليئة بالتحديات على نحو يحقق أهدافها ورسالتها الرئيسية، ويعزز قدراتها التنافسية وإمكاناتها الداخلية ويستفيد من الفرص والموارد المتاحة لديها.([4])

      كما يقدم (Bhalla. et al., 2009) مفهوماً للاستراتيجية بأنها مجموعة من التغييرات التنافسية التي يحدثها المديرون في المراكز العليا للوصول إلى الأداء الأمثل للمنظمة على المدى البعيد، وبما يتوافق مع رسالتها وأهدافها العامة، ويعزز موقفها في السوق ويحقق رضاء عملائها.([5])  

      ويضيف كلاً من (السلمي 2009) ([6])، (Barney 2001) ([7]) بعداً آخر للإستراتيجية بأنها: أسلوب إداري تتبعه المنظمة لتعزيز قدرتها على المنافسة، من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة لها لتحقيق أفضل أداء يرضى عنه العملاء.

وفي هذا المفهوم إشارة إلى أن الاستراتيجية نمط إدارى تتخذه المنظمة وينتج عنه سياسات وبرامج وإجراءات لتحقيق أغراضها وأهدافها بعيدة المدى، ويساهم في تحسين أدائها.

  وقد انتقل الاهتمام  بالإستراتيجية إلى المنظمات التي لا تهدف للربح نظراً لتوسع تلك المنظمات وتشابك أعمالها، كما زاد الاهتمام بتأثير العوامل البيئية والمسئولية الاجتماعية على تلك المنظمات إلى الحد الذي استدعي إستبدال مصطلح سياسة الأعمال بمصطلح أكثر شمولاً هو الإدارة الإستراتيجية .

لذا فالإدارة الإستراتيجية في المنظمات التي لا تهدف إلى الربح تتضمن اهتمامات ” سياسات الأعمال ” مع تركيز بيئي واستراتيجي أكبر لمواجهة التحديات التي تتعرض لها هذه المنظمات في ظل بيئة مضطربة بشكل متسارع كآلية مناسبة لتعظيم قدرتها على مواجهة المتغيرات المحيطة.([8])

وعليه لم يعد مقبولاً أن تدار المنظمات في ظل المنافسة والبيئة المتغيرة إلا بعقل إستراتيجي يمكّنها من التكيف بشكل أكبر([9])، مما دعا لاعتبار الإدارة الإستراتيجية مجالاً من مجالات الدراسة التي نالت اهتماماً أكاديمياً واسعاً في العقود الأخيرة من القرن العشرين([10]).

     وقد ظهرت الإدارة الاستراتيجية في الخمسينيات من القرن الماضي كمحاولة إدارية لمواجهة التعقيدات في بيئة الأعمال، وسعياً لتحقيق التكيف على نحو أفضل مع الأوضاع البيئية ومع المستفيدين والمنافسين، وكانت نشأتها متأثرة بكل من علوم الاجتماع والاقتصاد، باعتبارها تطوراً لنظريات التنظيم، وفي الستينيات حصلت على مزيد من الاهتمام وتطورت مفاهيمها، وفي السبعينيات أصبح هناك توجهاً لدمج الاستراتيجية والتنظيم والبيئة في أسلوب إداري واحد.([11])

وتعد الإدارة الإستراتيجية ثمرة لتطور التخطيط الإستراتيجي، وتوسيعاً لنطاقه، وتفصيلاً في مضمونه وتحليله البيئي، فهي أنشطة وعمليات أكثر من مجرد وضع خطة إستراتيجية أو حتى تنفيذها، إنها تعني إدارة التغيير الإستراتيجي والرقابة الإستراتيجية وإدارة الثقافة التنظيمية وإدارة البيئة وإدارة الفعل الإستراتيجي المؤثر.([12])

استنتاجات تعريف الإدارة الاستراتيجية

ويمكن القول أن التخطيط الإستراتيجي يعد مكوناً واحداً فقط من الإدارة الإستراتيجية بالإضافة إلى التنفيذ الإستراتيجي والرقابة الاستراتيجية، وحيث أن هدف التخطيط الإستراتيجي النهائي هو وضع الخطة الإستراتيجية؛ فإن الإدارة الإستراتيجية تذهب إلى أبعد من ذلك لتطوير آليات تنفيذ الإستراتيجية وتنفيذها على أرض الواقع وتقييمها.

وهذه المفاهيم لها أهميتها وجدواها بالنسبة للمنظمات وتحديداً في حال ربطها بالأداء، حيث أشارت العديد من الدراسات إلى أن المنظمات التي تتبنى الإدارة الإستراتيجية تتفوق في أدائها وإنجازها على المنظمات التي لا تطبقها. ([13])

      ويقدم (Porth 2002) مفهوماً للإدارة الاستراتيجية بأنها: عملية تمكن القيادات من صياغة وتنفيذ وتقييم القرارات التي تمكن المنظمات من تحديد رسالتها وخلق القيمة لدى عملائها، وتركز على الإجابة على مجموعة من الأسئلة الأساسية عن المنظمة ومنها:

  • ما أعمال المنظمة ؟
  • وماذا تريد أن تصبح ؟
  • ومن عملاؤها ؟
  • وما القيمة التي تعمل على خلقها لهم ؟

وهي بهذا تساعد في تحديد المسار المستقبلي للمنظمة، وتتكون من خمس مراحل هي: خلق رؤية المنظمة ورسالتها، إجراء تحليل للوضع الحالي للمنظمة (البيئة الداخلية والخارجية), وضع الأهداف ورسم استراتيجية المنظمة, تنفيذ الإستراتيجية, تقييم مدي نجاح الاستراتيجية, ويتم التركيز علي خلق القيمة للمنظمة وعملائها.([14])

ويرى (2007 Morden ) أن الإدارة الاستراتيجية تعبر عن المسلك الذي تتخذه إدارة المنظمة للتعامل مع المستقبل، فهى تحدد الغرض المستقبلي الذي تسعى له، وتوفر إطاراً لاتخاذ القرارات المستقبلية حول العملاء والجمهور والمنافسين وموقعها في السوق والقيادة والمخاطر التي ستواجهها والتمويل اللازم لتنفيذ عملياتها والنظم والتقنيات.

وما تستطيع المنظمة أن تحققه، وما لا يمكنها القيام به، وكيف يمكن للمنظمة أن تضيف قيمة لعملائها، وهذا يتطلب امتلاك رؤية مستقبلية ومقدرة على اتخاذ القرار ومعرفة الكيفية التي ينبغي أن يستند عليها تطوير المنظمة في المستقبل. ([15])

      أما (Dess, Lumpkin and Eisner 2007) فيروا أنها تعبر عن عملية وطريقة فريدة ترشد الإجراءات في كل تنظيم, وتتكون من تحليل واتخاذ القرارات والإجراءات المتخذة في المؤسسات بغرض إنشاء والمحافظة علي المزايا التنافسية، ([16])

وهذا يظهر عنصرين هامين أولهما: أن الإدارة الاستراتيجية تتكون من ثلاث عمليات مستمرة هي التحليل, وإتخاذ القرارات, وتحديد الإجراءات وثانيهما: أن جوهر هذا المفهوم هو معرفة أسباب أن بعض المنظمات لديها أداء أفضل ومزايا تنافسية دون البعض الآخر.

     وفي إطار ربط مفهوم الإدارة الاستراتيجية بالأداء فإن (شاتوك 2008) يعرفها بأنها: علم وفن صياغة وتنفيذ وتقييم القرارات المتعلقة بالأداء والتي تمكن مؤسسة ما من تحقيق رسالتها وأهدافها.([17])

      وفي نفس السياق يقدم (برناد 2009) مفهوماً للإدارة الاستراتيجية لمستويات الأداء بأنها: منهج مؤسسي يعمل علي تحديد الاستراتيجيات وتنفيذيها وتقييمها وتحسينها بإستمرار.([18]) ويشير هذا المفهوم إلى الإجراءات التي تساعد المؤسسات في وضع إستراتيجية متوافقة مع متطلبات البيئتين الداخلية والخارجية، وتمكن العاملين من إكتساب أفكار إستراتيجية تتيح لهم فرصة النجاح في مرحلة التنفيذ الاستراتيجي واتخاذ قرار بشكل أفضل.

    مفاهيم الإدارة الاستراتيجية

وتتضمن مفاهيم الإدارة الاستراتيجية كونها سلسلة من الخطوات التي تقوم بها الإدارة العليا بما يحقق المهام التالية:([19])

  • تطوير رؤية المنظمة ورسالتها.
  • تحليل الفرص والتهديدات أو القيود الموجودة في البيئة الخارجية.
  • تحليل نقاط القوة والضعف في البيئة الداخلية.
  • صياغة استراتيجيات المنظمة (على مستوى الأعمال، الوحدات التنظيمية، المستوى الوظيفي)، والتي تسمح للمؤسسة بالجمع بين نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات.
  • تنفيذ الاستراتيجية المختارة بكفاءة وفعالية من خلال تخصيص الموارد، والهياكل التنظيمية، وأنظمة الحفز.
  • إنجاز أنشطة التحكم والرقابة الاستراتيجية للتأكد من تحقيق الأهداف العامة للمنظمة.

     واستناداً إلي ما تقدم فإن الإدارة الاستراتيجية تعبر عن العمليات التي يمكن من خلالها أن تحدد الإدارة العليا التوجهات المستقبلية والأداء للمنظمة، وهذا يتطلب الصياغة المحكمة، والتنفيذ الملائم، والتقويم المستمر للاستراتيجية، ويتضمن المفهوم الإجرائي للإدارة الإستراتيجية المحاور الرئيسية الآتية:

  • أن هذا المدخل الإداري يعبر عن منظومة متكاملة تتضمن ثلاث مراحل استراتيجية رئيسة هي مرحلة الصياغة، ومرحلة التطبيق، ومرحلة الرقابة والتقويم.
  • الاعتماد على وجود رؤية Vision مستقبلية للمنظمة تعبر عن الوجهة التي تتجه إليها المنظمة على المدى البعيد، ورسالة Mission تعكس غرضها الرئيس أو سبب وجودها وفلسفتها، وأهداف استراتيجية Strategic Objectives تحول الرؤية والرسالة إلى مخرجات أداء واضحة يتعين على المنظمة تحقيقها.
  • الاهتمام  بتنفيذ تحليلاً استراتيجياً لكلاً من الظروف الخارجية للمنظمة ( البيئة الخارجية )، وكذا الظروف الداخلية (البيئة الداخلية)، وتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات الموجودة فيها، ومقابلة ذلك بمجموعة من البدائل الاستراتيجية المناسبة.
  • تنفيذ الإستراتيجية المناسبة بكفاءة وفعالية وتهيئة القرارات والموارد اللازمة لذلك.
  • الاهتمام بالأنشطة الرقابية وتقويم الأداء، على نحو قد يساهم في تعديل أو استبدال الرؤية أو الرسالة أو الأهداف الاستراتيجية أو تغيير الظروف البيئية.
  • السعي نحو تحسين مستويات الأداء وتحقيق جودته.

([1]) Dan Kiply (2009), The Scalability of H. Igor Ansoff’s Strategic Management Principles for Small and Medium Sized Firms, Journal of Management Research, Vol. 1, No. 1, Macrothink Institution, p 6

([2])  Mainardes E., Ferreira J., Andrade S.(2009) Concepts Perception of Strategy and Strategic Management: University Case Study, Chinese Business Review, Vol. 8, No.7, p. 50

[3])) عبد الحميد المغربي ( 2006). الإدارة – الأصول العلمية والتوجهات المستقبلية، المنصورة، المكتبة العصرية، ص ص 324-325.

([4])  Johnson, G., Scholes, K., Harlow, R. (2007). Exploring Corporate Strategy,8th ed. UK. Pearson Education, p. 14

([5])Bhalla A., Lampel J, Henderson S., Watkins D. (2009, January). Exploring Alternative Strategic Management Paradigms in High-growth Ethnic and Non-ethnic Family Firms. Small Business Economics, 32(1), p. 78.

[6])) علي السلمي ( 2009). الإدارة الاستراتيجية خطط قبل أن يخطط لك، النشرة 40، الجمعية العربيةللإدارة، ص3.

([7])  Barney, J. B. (2001). Resource-Based Theories of Competitive Advantage: A Ten Years Retrospective on the Resource Based View. Journal of Management, 27(1), p. 644

([8]) Adegbesan, J., (2009). On the Origins of Competitive Advantage: Strategic Factor Markets and Heterogeneous Resources Complementarity, Academy of Management Review, Vol. 34, No. 3, pp 463–465..

[9])) كاظم الركابي (2004). الإدارة الاستراتيجية: العولمة والمنافسة ، عمان، دار وائل ، ص 45.

[10])) ثابت إدريس، جمال الدين المرسي (2002 ). الإدارة الاستراتيجية: مفاهيم ونماذج تطبيقية، الاسكندرية، الدار الجامعية ، ص56.

([11])  Mainardes E., Ferreira J., Andrade S.(2009) Op Cit, p. 54

[12])) المجمع العربي للمحاسبين القانونين (2001). إدارة واستراتيجية العمليات، عمان، مطابع الشمس، ص50.

([13])  Fred R. David (2011). Op Cit, p. 6.

([14]) Porth, S. (2002). Strategic Management: A Cross-Functional Approach. New Jersey, Prentice Hall. p. 11

([15])  Tony Morden (2007). Op Cit, pp. 14-15.

([16])  Dess, G. G, Lumpkin, G. T. & Eisner, A. B. (2007). Strategic management (3rd ed.). New York: McGraw-Hill. p. 21

[17])) مايكل شاتوك (2008). إدارة الجامعات بنجاح, ترجمة خالد العمري, القاهرة , دار الفاروق للنشر والتوزيع، ص51

[18])) مار برناد (2009). الإدارة الإستراتيجية لمستويات الأداء, ترجمة خالد العامري, الجيزة, دار الفاروق للإستثمارات الثقافية, ص 11.

([19])  Mainardes Emerson, Ferreira João, Andrade Silveli(2009), Op cit, p. 56

السابق
التفكير الاستدلالي – مفهومه وخصائصه
التالي
أهمية الإدارة الاستراتيجية في المنظمات