التنمية المستدامة

تعريف التنمية المستدامة ومؤشراتها

تعريف التنمية المستدامة ومؤشراتها

تعد التنمية المستدامة بأنواعها عملية ديناميكية مستمرة تنبع من الكيان وتشمل جميع الاتجاهات، فهي كعملية مطردة تهدف إلى تبديل الهياكل الاجتماعية وتعديل الأدوار والمراكز وتحريك الإمكانات المتعددة الجوانب بعد رصدها وتوجيهها.

وذلك نحو تحقيق هدف التغيير في المعطيات الفكرية والقيمية وبناء دعائم الدولة العصرية وذلك من خلال تكافل القوى البشرية لترجمة الخطط العلمية التنموية إلى مشروعات فاعلة تؤدي مخرجاتها إلى إحداث التغييرات المطلوبة

تعريف التنمية المستدامة:

    ورد  أكثر من ثمانين تعريفا مختلفا التنمية المستدامة وفي الغالب متنافسا وأحيانا متناقضا ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشارا:

التعريف الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة غبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها “التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”

وعًرفت بأنها: ” السعي الدائم لتطوير نوعية الحياة الإنسانية مع الوضع في الاعتبار قدرات النظام البيئي”.

ولقد خرج مؤتمر منظمة الزراعة والاغذية العالمية (FAO) بتعريف أوسع  للتنمية المستدامة بأنها ” إدارة قاعدة الموارد وصونها وتوجيه عملية التغير البيولوجي والمؤسسي على نحو يضمن إشباع الحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة  والمقبلة بصفة مستمرة في كل القطاعات الاقتصادية ، ولا تؤدي إلى تدهور البيئة وتتسم بالفنية والقبول”.

وهي تنمية تراعي حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية للمجال الحيوي لكوكب الأرض، كما أنها تضع الاحتياجات الأساسية للإنسان في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية احتياجات المرء من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياته المادية والاجتماعية. وهي تنمية تشترط ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي.

 أسس التنمية المستدامة :

       يستند مفهوم التنمية المستدامة إلي مجموعة من الأسس أو الضمانات الرامية إلي تحقيق أهدافها وكانت أهمها:

  1. أن تأخذ التنمية المستدامة في الاعتبار الحفاظ علي خصائص ومستوي أداء الموارد الطبيعية الحالي والمستقبلي كأساس لشراكة الأجيال المقبلة في المتاح من تلك الموارد .
  2. لا ترتكز التنمية إزاء هذا المفهوم علي قيمة عائدات النمو الاقتصادي بقدر ارتكازها علي نوعية وكيفية توزيع تلك العائدات ، وما يترتب علي ذلك من تحسين للظروف المعيشية للمواطنين حال الربط بين سياسات التنمية والحفاظ علي البيئة .
  3. يتعين إعادة النظر في أنماط الاستثمار الحالية ، مع تعزيز استخدام وسائل تقنية أكثر توافقا مع البيئة تستهدف الحد من مظاهر الضرر والإخلال بالتوازن البيئي والحفاظ علي استمرارية الموارد الطبيعية .
  4. لا ينبغي الاكتفاء بتعديل أنماط الاستثمار وهياكل الإنتاج ، وإنما يستلزم الأمر أيضا تعديل أنماط الاستهلاك السائدة اجتنابا للإسراف وتبديد الموارد وتلوث البيئة .
  5. لابد أن يشتمل مفهوم العائد من التنمية ليشمل كل ما يعود علي المجتمع بنفع بحيث لا يقتصر ذلك المفهوم علي العائد والتكلفة ، استنادا إلي مردود الآثار البيئية الغير مباشرة وما يترتب عليها من كلفة اجتماعية ، تجسد أوجه القصور في الموارد الطبيعية.
  6. استدامة وتواصل واستمرارية النظم الإنتاجية أساس الوقاية من احتمالات انهيار مقومات التنمية خاصة بالدول النامية التي تعتمد علي نظم تقليدية ترتبط بمقومات البيئة الطبيعية

مؤشرات التنمية المستدامة :

لعله من المفيد الإشارة إلى أبرز المؤشرات الأساسية للتنمية المستدامة المتمثلة في الآتي:

  • التنمية المستدامة عملية وليست حالة، وبالتالي فإنها مستمرة ومتصاعدة، تعبيراً عن تجدد احتياجات المجتمع وتزايدها.
  • التنمية عملية مجتمعية، يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة أو مورد واحد.
  • كما أن التنمية عملية واعية، وهذا يعني أنها ليست عملية عشوائية، وإنما عملية محددة الغايات، ذات إستراتيجية طويلة المدى، وأهداف مرحلية وخطط وبرامج.
  • التنمية عملية موجهة بموجب إرادة تنموية، تعي الغايات المجتمعية وتلتزم بتحقيقها، وتمتلك القدرة على تحقيق الاستخدام الكفء لموارد المجتمع، إنتاجاً وتوزيعاً، بموجب أسلوب حضاري يحافظ على طاقات المجتمع.
  • أهمية إحداث تحولات هيكلية، وهذا يمثل إحدى السمات التي تميّز عملية التنمية الشاملة عن عملية النمو الاقتصادي. وهذه التحولات في الإطار السياسي والاجتماعي، مثلما هي في القدرة والتقنية والبناء المادي للقاعدة الإنتاجية.
  • إيجاد طاقة إنتاجية ذاتية، وهذا يتطلب من عملية التنمية أن تبني قاعدة إنتاجية صلبة وطاقة مجتمعية متجددة. وأن تكون مرتكزات هذا البناء محلية ذاتية، متنوعة، ومتشابكة، ومتكاملة، ونامية، وقادرة على مواجهة التغيّرات في ترتيب أهمية العناصر المكونة لها.
  • تحقيق تزايد منتظم، عبر فترات زمنية طويلة قادراً على الاستمرار.
  • زيادة متوسط إنتاجية الفرد، وهذا يمكن التعبير عنه بالمؤشر الاقتصادي المعروف ” بمتوسط الدخل السنوي للفرد ” إذا ما أخذ بمعناه الصحيح، وإذا ما توفرت له أدوات القياس الصحيحة.
  • تزايد قدرات المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتقنية بما يتوازن مع متوسط النمو النسبي المقارن في المجتمعات الأممية الأخرى.
  • أن ترتبط التنمية المستدامة بإطارها الاجتماعي والسياسي من خلال الحفز والتشجيع ، ويتمثل ذلك في نظام الحوافز القائم على أساس الربط بين الجهد والمكافأة، إضافة إلى تأكيد انتماء الفرد لمجتمعه من خلال تطبيق مبدأ المشاركة بمعناها الواسع، وكذلك جانب العدالة في توزيع ثمرات التنمية وتأكيد ضمانات الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، وللمجتمع نفسه.

فهذه الجوانب، بالإضافة إلى كونها تمثل أهداف التنمية، هي في الوقت نفسه مصدر قوة وسائلها وفاعلية وكفاءة أدائها.

وفي الواقع فإن معظم تقارير الدول التي تم تقديمها لسكرتارية الأمم المتحدة حول تنفيذ الحكومات لخطط التنمية المستدامة تركز على تعداد المشاريع التي تم تنفيذها والاتفاقيات التي تم توقيعها والمصادقة عليها

وكان معظم هذا التقييم نظريا وإنشائيا ويخضع لمزاج المؤسسة التي تعد التقرير، وهي دائما مؤسسة حكومية يهمها التركيز على الايجابيات وعدم وجود تقييم نقدي حقيقي.

ولهذا حاولت لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة الوصول إلى مؤشرات معتمدة للتنمية المستدامة لكنها لم تنتشر على مستوى العالم حتى الآن، كما لم يتم وضع دراسة مقارنة بين الدول في مجال التنمية المستدامة إلا من خلال مؤشرات الاستدامة البيئية للعام 2005 والتي وجدت الكثير من النقد المنهجي.

مجالات تحقيق التنمية المستدامة :

تطلب تطبيق مفهوم التنمية المستدامة في العالم، تحسين الظروف المعيشية لجميع سكان العالم، بالشكل الذي يحافظ على الموارد الطبيعية، وتجنيبها أن تكون عرضة للهدر والاستنزاف غير المبرر. ولتحقيق هذه المعادلة الصعبة، يطلب الأمر التركيز على ثلاث مجالات رئيسة ترتبط بتحقيق مفهوم التنمية المستدامة، وهي:

  • تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة، من خلال خلق ترابط بين الأنظمة والقوانين الاقتصادية العالمية، بما يكفل النمو الاقتصادي المسؤول والطويل الأجل لجميع دول ومجتمعات العالم دون استثناء أو تمييز.
  • المحافظة على الموارد البيئية والطبيعية للأجيال المقبلة، والذي يتطلب البحث المستمر عن إيجاد الحلول الكفيلة للحد من الاستهلاك غير المبرر وغير المرشد للموارد الاقتصادية، هذا إضافة إلى الحد من العوامل الملوثة للبيئة.
  • تحقيق التنمية الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، من خلال إيجاد فرص العمل وتوفير الغذاء والتعليم والرعاية الصحية للجميع، بما في ذلك توفير الماء والطاقة. توالت الجهود العالمية ما بين عام 1972 وعام 2002 للتأكيد على ضرورة إرساء قواعد التنمية المستدامة على مستوى العالم، من خلال عقد ثلاثة مؤتمرات أرض دولية مهمة .

معوقات التنمية المستدامة :

نبهت جميع مؤتمرات قمة الأرض إلى محدودية وندرة الموارد الطبيعية والاقتصادية على مستوى العالم، وأن الاستمرار في استخدامها غير المرشد قد يعرضها للاستنزاف، وبالتالي إلى عدم القدرة على الوفاء باحتياجات الأجيال المقبلة

ومن هذا المنطلق أكدت تلك المؤتمرات ضرورة خلق علاقة أخلاقية تربط بين الإنسان والبيئة، يتحقق عنها صون للبيئة، إضافة إلى ذلك قد نبهت إلى ضرورة التعامل مع الموارد الطبيعية والاقتصادية بكفاءة عالية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، من خلال ضمان الفرص المتكافئة في مجالات التعليم والصحة والتنمية، بما في ذلك اجتثاث الفقر.

رغم الجهود العالمية والمحاولات الجادة لتحقيق مطلب التنمية المستدامة في جميع دول ومجتمعات العالم، إلا أنه لا تزال تلك المحاولات قاصرة إلى حد كبير، وذلك لعدد من الأسباب، التي لعل من بين أهمها وأبرزها:

  • الزيادة المطردة في عدد سكان العالم، إذ تشير الإحصائيات إلى أن ما يزيد على ستة مليارات شخص يسكنون هذه الأرض، أو ما يمثل نحو نسبة 140 في المائة خلال الـ 50 عاما الماضية، كما يتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم بحلول عام 2050 تسعة مليارات نسمة، مما سيضاعف من تعقيدات التنمية المستدامة.
  • انتشار الفقر المدقع في العالم، إذ تشير الإحصائيات إلى أن خمس سكان العالم مضطرون للعيش على أقل من دولار واحد في اليوم، هذا إضافة إلى أن نحو 1.1 مليار شخص لا تتوافر لديهم مياه الشرب المأمونة، وأن مياه الشرب الملوثة وعدم كفاية الإمدادات من الماء يتسببان في نحو 10 في المائة من جميع الأمراض في البلدان النامية.
  • عدم الاستقرار في كثير من مناطق العالم و الناتج عن غياب السلام والأمن .
    مشكلة الفقر في بعض دول العالم والتي تزداد حدة مع الأمية وارتفاع عدد السكان والبطالة وتراكم الديون وفوائدها والاستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية.
  • استمرار الهجرة من الأرياف إلى المناطق الحضرية وانتشار ظاهرة المناطق العشوائية، وتفاقم الضغوط على الأنظمة الإيكولوجية وعلى المرافق والخدمات الحضرية، وتلوث الهواء وتراكم النفايات.
  • تعرض مناطق من العالم بصفة عامة لظروف مناخية قاسية ، وخاصة انخفاض معدلات الأمطار عن المعدل العام السنوي ، وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف ومعدلات البخر والنتح ، مما أدى إلى تكرار ظاهرة الجفاف وزيادة التصحر.
  • محدودية الموارد الطبيعية وسوء استغلالها بما فيها النقص الحاد في الموارد المائية وتلوثها وندرة الأراضي الصالحة للاستغلال في النشاطات الزراعية المختلفة ، وتدهور نوعيتهما، ونقص الطاقة غير المتجددة في بعض أقطار العالم .
  • عدم موائمة بعض التقنيات والتجارب المستوردة من الدول المتقدمة مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في بعض دول العالم النامي ، ونقص الكفاءات الوطنية القادرة على التعامل معها.
    التعامل مع تحديات ومعوقات تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، يتطلب وفق التقارير الدولية المعنية بشؤون التنمية المستدامة، وكذلك آراء المختصين، التخفيف من حدة الفقر في بلدان العالم، وبالأخص في المجتمعات الريفية، التي يعيش فيها معظم الفقراء
  • هذا إضافة إلى ضرورة تحسين قدرة جميع البلدان، وبالذات البلدان النامية المرتبطة بالتصدي لتحديات العولمة والاعتماد على بناء القدرات الذاتية، بما في ذلك التشجيع على أنماط استهلاك وإنتاج مسؤولة للحد الفاقد ومن الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية والاقتصادية
  • وكذلك القضاء على المشكلات الصحية، وبالذات الأمراض والأوبئة المستعصية، مثال مرض الكوليرا الذي عادة ما ينتشر في البلدان الفقيرة بسبب سوء الرعاية الصحية المتوافرة لديهم، إضافة إلى انتشار المياه الملوثة والمستنقعات.
السابق
تصميم نشاط ألعاب لأطفال التوحد
التالي
إمكانية تحقيق التنمية المستدامة

التعليقات معطلة.