اجتماع عام

تعريف الرعاية الاجتماعية وتاريخ تطورها

تعريف الرعاية الاجتماعية وتاريخ تطورها

عرفت الإنسانية أساليب مختلفة من خدمات الرعاية الاجتماعية، ومظاهر متعددة للجهود الإنسانية عبر العصور  ، استهدفت تقديم العديد من الخدمات عموما وفي ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بصفة خاصة .

ولقد مرت الرعاية الاجتماعية بعدة مراحل بدءا من الرعاية القبلية ، ثم مرحلة الإحسان  ثم مرحلة المنظمات التطوعية ، ثم مرحلة دولة الرعاية الاجتماعية  حيث ظهر مفهوم دولة الرعاية  في النظم الرأسمالية ، لاسيما تلك النظم التى حققت من ناحية تقدماً اقتصادياً ملموساً.

وأخذت من ناحية أخرى بالأفكار أو المبادئ الاشتراكية ثم مرحلة مجتمع الرعاية الاجتماعية والتحولات الجذرية في الرعاية الاجتماعية حيث  التحول من مفهوم الصدقة إلى الحقوق الأساسية للمواطن وتحول مفهوم الرعاية الاجتماعية من الوظيفة المؤقتة أو الاحتياطية أو الثانوية  إلى الوظيفة الثابتة أو الإنمائية أو المؤسسية، والتحول من الحد الأدنى إلى استهداف هذا النظام أقصى إشباع ممكن للحاجات الإنسانية.

ولقد أصبحت الرعاية الاجتماعية نظاماً أساسياً لا غنى عنه لأي مجتمع بعد إنشاء منظمات الأمم المتحدة منذ العام 1945م  و تحديدا بعد إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 م – وإن كانت سبقته جهود متناثرة للرعاية الاجتماعية .

ووفقا لنصوص  المواد من (22 – 26 ) نجد أنها حددت مجالات أكثر تفصيلا للرعاية الاجتماعية  واتجاهات ملزمة وأخرى  شبه ملزمة تباينت بتباين المجتمعات وأيديولوجياتها ، والظروف التاريخية .

ونظرا لاعتماد التنمية في تحقيق أهدافها على الإنسان باعتباره محورا لها ؛  فإن ثمة ارتباطا قويا بين كلٍ من التخطيط للتنمية بمختلف أبعادها وبين التخطيط للرعاية الاجتماعية إذ بناءا على فعالية سياسات الرعاية الاجتماعية وانعكاسها على أداء النسق الاجتماعي العام  تتحدد مدى كفاءة الجهود التنموية .

مفهوم الرعاية الاجتماعية :

اختلفت الآراء ووجهات النظر حول تحديد المقصود بالرعاية الاجتماعية ، باختلاف تفسيرها للمعاني الدالة على كلمة ” الرعاية ” سواءأ بين مفكري الغرب أو المفكرين العرب ، وتمثل العوامل الثقافية والاقتصادية والسياسية – تبعا ً لذلك – فضلا ً عن النسق القيمي والإيديولوجي  لمختلف الانتماءات الفكرية المتغيرات الأساسية في تحديد مفهوم الرعاية الاجتماعية.

لذا يربط البعض خطأ ً بين كل من الرعاية الاجتماعية أو الخدمات الاجتماعية ، إلا إن التقنين العلمي لكل من هذه المترادفات قد ميز بينها  محدداً لكل منها معاني خاصة كما يعينها العلماء والعاملون في الحقل الاجتماعي .

ومنذ انبثاق مفهوم الرعاية الاجتماعية في أروقة المنظمات الدولية و إنشاء ” الأمم المتحدة ” 1945م وهيئاتها مثل: اليونسكو، واليونيسيف، والفاو وغيرها فقد كانت الدوافع الملحة والمتعددة لتعريفها دولياً.

إذ عرفتها هيئة الأمم المتحدة بأنها ” نسق متكامل من المنظمات والهيئات والمؤسسات والبرامج التي تهدف إلى دعم أو تحسين الظروف الاقتصادية أو الصحية أو القدرات الشخصية – للسكان – فردا ً أو جماعة أو مجتمعاً ” ، أو هي ” أنشطة منظمة تهدف إلى تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمكونات الشخصية للإنسان وذلك لكل المواطنين أو لجزء منهم

ويعرفها ” والتر فريد لاندر” بأنها ” ذلك النسق المنظم من الخدمات الاجتماعية والمنظمات المصممة بهدف تزويد الأفراد والجماعات بالمساعدات التي تهدف إلى تحقيق مستويات مناسبة للصحة والمعيشة ولدعم العلاقات الاجتماعية والصحية بينهم.

بما يمكنهم من تنمية قدراتهم الكاملة وتطوير مستوى حياتهم بانسجام متناسق مع حاجاتهم ومجتمعاتهم ” ، وقد أشار هذا التعريف إلى كلٍ من برامج الرعاية الاجتماعية ومنظماتها ، وأهم أهدافها وغاياتها.

ويعرفها” وينفردبيل ” Winifred bell ” بأنها ” تلك القوانين والبرامج والمساعدات والخدمات التي تدعم توفير الوسائل والإجراءات أو التدابير لمقابلة الحاجات الاجتماعية المعروفة وإشباعها كأساس لرفاهية المواطنين وتحقيق أداء أفضل للنسق الاجتماعي العام بالمجتمع .

وهذا يشتمل على قائمة طويلة من المساعدات : لتأمين دخل الفرد ، والخدمات التعليمية ، والتنموية والطبية والتأهيلية والإسكان ، والتشغيل والخدمات الترفيهية والخدمات الوقائية والإرشادية.

وعلى الرغم من أهمية التعريفات السابقة في طريق صياغة مفهوم محدد للرعاية الاجتماعية إلا أنها اقتصرت على الجوانب التنموية للرعاية الاجتماعية دون غيرها من الجوانب العلاجية والوقائية ، فضلا ً عن عدم توضيح علاقة الدولة أو الأهالي بالرعاية الاجتماعية.

ولقد عرفت دائرة معارف الخدمة الاجتماعية ( 1971) الرعاية الاجتماعية بأنها اصطلاح يشير بصفة عامة إلى ” جميع الأنشطة المنظمة للمؤسسات الأهلية والحكومية ، التي تستهدف الوقاية من المشكلات الاجتماعية المعروفة ، أو تخفيف وطأتها ، أو الإسهام في حلها .

أو التي تستهدف تحسين أحوال الأفراد والجماعات المحلية ” ويعد هذا التعريف من أشمل التعريفات المطروحة للرعاية الاجتماعية إذ تضمن الجوانب العلاجية والوقائية والإنشائية ، كما أخذ في الاعتبار الجهود الأهلية ولم يتوقف عند حدود الخدمات والبرامج الحكومية وحدها.

لذا فإنه ينظر إلى الرعاية الاجتماعية- التنموية –   باعتبارها ” نسقاً منظماً من الخدمات الاجتماعية يستهدف تحقيق التنمية الاجتماعية من خلال مساعدة الأفراد والجماعات لتنمية قدراتهم وتحسين حياتهم لتتماشى وطبيعة حاجاتهم و حياة المجتمع “.

التنمية الاجتماعية

فالمراد من التنمية الاجتماعية أن ينمو المجتمع عن طريق طاقات كامنة لابد وأن تستثمر إلى أقصاها بمساعدتها على أن تنمو بتوفير خدمات معينة ، فالطاقات البشرية تحتاج إلى خدمات صحية وإلى رعاية اجتماعية وإلي تعليم وإلى إسكان وإلى مرافق في القرية أو في المدينة.

والرعاية الاجتماعية قد تعبر أحياناً عن مسئولية مشتركة بين كل من الحكومة والأهالي إذ تعرف بأنها ” تلك الجهود والبرامج والأنشطة والخدمات المشتركة بين المؤسسات الحكومية والأهلية لتنمية واستثمار قدرات الإنسان وإمكانيات المجتمع أفضل استثمار ممكن لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وصولا ً لتحقيق حياة أفضل قدر الإمكان “.

كما أن الرعاية الاجتماعية قد تعبر أحيانا ً – أخرى – على حد تعبير Sara Banks: 1995-  – عن مسئولية الدولة في تنظيم وتمويل نطاقا ً معينا ً من الخدمات الاجتماعية لتشمل : التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والإسكان ، إلى جانب الخدمات العامة ومنها : الخدمات الأمنية والدفاع الحربي ، والطرق ، وغيرها من خدمات عامة تفيد بشكل أساسي كل مجتمع.

ومن ثم فقد يتحمل الأفراد “الأهالي” منتظمين في تشكيلات كالجمعيات الخيرية وغيرها من مؤسسات وهيئات اجتماعية أخرى عبء تنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية كلها أو بعضها وتسمى في هذه الحالة بـ ” الرعاية الاجتماعية الأهلية Non Governmental social welfare (NGO,s SWE)  .

كما أنها قد تكون من مسئولية الجهاز الحكومي لتوفير الخدمات المختلفة لكافة الناس ، وهذه الحالة يطلق عليها في نطاق الدولة أو المجتمع ” دولة الرعاية      ”    Welfare state ” .

ويميل الكثيرون إلى اعتبار الرعاية الاجتماعية Social care  هي الرفاهية كما يميلون إلى استخدام مصطلح Welfare . بدلا ً من مصطلح الرعاية ، وبذلك فهي تعبر عن وضع الأشخاص في علاقة بباءة فعالة مع الموارد الاجتماعية التي يكونون في حاجة إليها .

إذ تعرف بأنها ” هذا الكل من الجهود والبرامج والخدمات العلاجية والوقائية والإنشائية المنظمة التي تتولاها  المؤسسات الحكومية والأهلية والدولية لمواجهة حاجات الأفراد الضرورية الحالية والمستقبلية ليتحقق لأفراد هذا المجمع النمو والرخاء الإنساني والوصول بهم إلى حياة أفضل.

وقد وصفت إدارة الرعاية الاجتماعية بالأمم المتحدة هذه الجهود بأنها تلك الجهود التي تبذل للعمل الاجتماعي المنظم والذي يهدف إلى حل أو التخفيف من حدة مشكلات الصحة والتعليم والعمالية وتوفير خدمات المجتمع المحلي والأسرة ورفاهية الطفل والدفاع الاجتماعي وتأهيل العجزة وتخطيط الإسكان.

وبناءا ً على ذلك فإن الرعاية الاجتماعية تعد مفهوما ً شاملا ً ومتسعا ً ، إلا أنها غالبا ً ما تحدد باعتبارها أنشطة منظمة وتدخلات مهنية لمواجهة المشكلات الاجتماعية التي تم التعرف عليها أو لتحسين أحوال فئات السكان المعرضين للخطر At Risk population  كما تهتم أيضا ً بالشكل المناسب للعلاقات القائمة بالمجتمع.

وهو ما يتبناه نيلسون ريد ( P. Nelson Reid ،1995) حيث  عرفها   بأنها ” مصطلح شامل وغير دقيق، يتضمن  “الأنشطة والتدخلات المنظمة ” أو بعض العناصر الأخرى التي تشير إلى السياسات والبرامج الرامية إلى التصدي للمشاكل الاجتماعية المعترف بها أو لتحسين رفاه أولئك المعرضين للخطر”  ، ومن الواضح أن هذا التعريف قد تأثر بطبيعة النموذج الرأسمالي للرعاية الاجتماعية والذي يهتم بالمنظور العلاجي للرعاية الاجتماعية ومفهوم دولة الرعاية.

استنتاجات التعريف:

وباستقراء التعريفات السابقة يتضح أن الرعاية الاجتماعية ما هي إلا ” ضرب من ضروب التنظيم الاجتماعي بالمجتمع باعتباره جهودا ً لبرامج وخدمات وأنشطة معينة تعتمد أساساً على التخطيط والتنفيذ وفقاً لإيديولوجية المجتمع وتشريعاته وقوانينه والسياسة الاجتماعية كما أنها  في إطار المجتمع المعاصر – تنظيمية.

فهي ليست خدمات متناثرة رهنا ً بجهود فردية تطوعية بل هي نسق متكامل أوجده المجتمع لجميع أفراده كما أنها ليست ثابتة بل هي عملية ديناميكية تعتمد علي تطوير برامجها وخدماتها وأنشطتها المختلفة في ضوء المشكلات الاجتماعية المستحدثة، والحاجات الإنسانية المتجددة

وفي ضوء التغذية المرتدة لما تسفر عنه عمليات التقويم المستمر لبرامجها وخدماتها المختلفة بما يغير من وضع الخدمات القائمة ويخطط لإيجاد برامج لخدمات مستقبلية .

وتجدر الإشارة هنا إلا أن ثمة مفهومين رئيسين للرعاية الاجتماعية هما:

الرعاية الاجتماعية بمعناها الضيق:

وينطوي على أن الرعاية الاجتماعية إنما تتضمن تلك الوظائف المجتمعية التي لا تستهدف الربح حكومية كانت أو تطوعية والتي تهدف بشكل واضح إلى تخفيف الكرب والفقر أو تحسين أحوال منكوبي المجتمع .

المفهوم الواسع للرعاية الاجتماعية:

وهو كما أوضحته الجمعية القومية الأمريكية للأخصائيين الاجتماعيين بأنها مفهوم ” يشير بشكل عام إلي مجال كامل من الأنشطة المنظمة للمؤسسات التطوعية والحكومية التي تهدف إلى منع أو تخفيف المشكلات الاجتماعية القائمة أو الإسهام في حلها وإلى زيادة رفاهية الأفراد والجماعات والمجتمعات ويشترك في هذه الأنشطة طوائف مهنية كثيرة مثل الأطباء وهيئات التمريض ورجال القانون والتربية والمهندسين ورجال الدين والأخصائيون الاجتماعيون.                                            

لذا تعرف الرعاية الاجتماعية بمعناها الواسع بأنها ” الأنشطة المنظمة مجتمعياً والتي تسعي إلى المحافظة على رفاهية الناس وتحسين مستواها ، وهذا المفهوم المتسع للرعاية ينغمس فيه عدد من المهن وليس قاصراً على مهنة الخدمة الاجتماعية بل يشمل مجالات منها ” الصحة والتعليم والترويح والأمن العام وغيرها كما تشمل كلا ًمن القطاعات الحكومية والقطاعات التطوعية والأهلية.

السابق
تعريف قيم التعايش مع الآخر
التالي
خصائص الرعاية الاجتماعية كنظام اجتماعي

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. التنبيهات : المداخل العلمية لدراسة المنظمات الاجتماعية | معلومة تربوية

اترك تعليقاً