علم الاجتماع

خصائص الاقتصاد الريفي وقضايا التحديث

خصائص الاقتصاد الريفي وقضايا التحديث

أصبح الحديث عن الاقتصاد الريفي والقطاع الزراعي في المجتمع الريفي أكثر أهمية عن أي وقت مضى، ولعل هناك مقولة أساسية في مجال النمو الحضري مؤداها: لولا نمو القرية ما كانت المدينة.

ولا تعني هذه المقولة أن جميع المدن كانت قرى صغيرة ثم نمت وتطورت إلى أن أصبحت مدينة، ولكنها تشير بالدرجة الأولى إلى أن نمو المدينة يرتبط ارتباطا شديداً ومباشراً بطبيعة الإنتاج الزراعي.

فحيثما كان الانتاج الزراعي في حالة فائض ووفرة فإنه يمكن الاستغناء عن جانب من القوة البشرية المستخدمة في الانتاج الزراعي والتي كان يستغرقها هذا الانتاج في مجتمع القرية.

ومن ثم يمكن الاستفادة من هذه القوة في إنتاج سلع وأدوات أخرى من تلك التي تمثل طبيعة النشاط الاقتصادي بالمدينة والتي تميز طبيعة الحياة الاقتصادية وطبيعتها.

ومن جهة ثانية فانه كلما تميز الإنتاج الزراعي بالتحديث فإن ذلك سوف يساعد على زيادة كمية المنتج الزراعي وجودته، ويؤدي ذلك إلى تنشيط الحياة الاقتصادية بالقرية، مما ينعكس أثره على المدينة التي تعتمد في حياتها على الأنشطة التجارية المختلفة لهذا الانتاج الزراعي التي تكلفت به القرية وأخرجته للوجود.

ما هو الاقتصاد الريفي؟

ويمكن أن نضرب لذلك مثالاً بسيطاً فحينا استطاعت القرية انتاج كميات كبيرة من المحصول الزراعي (البطاطس) وكان ذلك الإنتاج فائضاً عن حاجة الاستهلاك المحلي فإنه ترتب عن ذلك أن قامت مصانع متعددة لإعادة تصنيع ذلك المنتج الزراعي في صور متعددة.

وقامت صناعات متعددة أيضاً على أثر هذا الفائض من ذلك الإنتاج مثل التغليف والتعبئة وصناعة الأكياس الغذائية المعروفة، لينشا نشاطاً جديداً في مجال تجارة هذا المنتج تحت مسمي (الشيبسي)

حيث قامت المصانع باستخدام ذلك المنتج لتصنيعه وإعداده وتصديره للمدينة وتحقق بذلك نشاطا تجاريا ضخما في المدينة بسبب التطور في ذلك المجال.

ويقاس على المثال السابق العديد من الأمثلة الأخرى التي تبرز أن تحديث القطاع الزراعي وإنتاجيته في المجتمع الريفي ساعد كثيرا على نمو المدن وتطورها من خلال تطور أنشطتها الاقتصادية في المجالات الصناعية والتجارية المختلفة.

ومن جهة ثالثة يرى علماء الاجتماع أنه كلما ازدادت الانتاجية الحدية للعامل الزراعي ازدادت إمكانية إعالة أعداد متزايدة من السكان بالمناطق الحضرية، وذلك إذا نظرنا من منظور إتاحة فرص أكبر للعمل في قطاع المدن وكذلك توفير الموارد الغذائية اللازمة لإعالة سكان المدن.

غير أن هذه الإنتاجية الحدية لا يمكن أن يتحقق الغرض منها إلا من خلال عملية تحديث القطاع الزراعي بما يحقق هذه المطالب.

التطورات الاقتصادية العالمية:

إن التغيرات الاقتصادية التي تحدث على المستوى العالمي والتي نشأ منها نمو الأسواق العالمية وتطور أساليب التبادل التجاري عن طريق تحسن أساليب النقل وتطور أساليب الاتصال أدت إلى نمو وتطور المدن بصورة لم تكن واضحة من قبل.

فإذا كانت المدينة تعتمد اعتمادا أساسياً على التجارة الداخلية والخارجية بأشكالها المختلفة فإن الزيادة المستمرة  والمضطردة في أعداد وكفاءة وسائل النقل بأنماطها المتعددة من وسائل النقل البحري والجوي والبري كان لها أكبر الأثر في تطور نمو المدينة.

وقد أدى التطور الكبير الذي أصاب طبيعة الأنشطة الاقتصادية والتغير السريع الذي لحق بأساليب التجارة والنقل إلى إعادة النظر في شكل المدن، وتطلب الأمر في كثير من الأحيان إعادة تخطيط المدينة على أسس حديثة.

وذلك من حيث نظم المرور والنقل داخل المدينة وإنشاء المراكز التجارية بالقرب من مصادر النقل لتسهيل العمليات التجارية المختلفة بين المدن المختلفة وداخل الأحياء المختلفة بالمدينة الواحدة.

ولقد فرضت تلك الضرورات نفسها على معظم المدن في مختلف المجتمعات على مستوى العالم، فآلات النقل السريع والاهتمام بأساليب الاتصال السريع لتسهيل حركة الأنشطة التجارية أصبحت أموراً حيوية لتسهيل التحرك السريع للأعداد الكبيرة من السكان داخل هذه المدن ومواجهة متطلبات سكان هذه المدن وغيرها من المدن.

تطور وسائل الاتصال وأثرها على الاقتصاد الريفي:

كان للتطور الكبير الذي لحق بوسائل الاتصال المختلفة أثرا كبيرا في تطور نمو المدن وذلك فيما أطلق عليه ثورة الاتصال، سواء أكان هذا الاتصال خاص بالنواحي العلمية والمعرفية أو الاتصال الخاص بالوسائل التكنولوجية الحديثة التي ساعدت على نمو التجارة وتنشيط الأوضاع الاقتصادية في المجتمعات المختلفة.

ومن المسلم به أن عملية الاتصال لا تتجه إلى العشوائية وإنما تسعى لتحقيق عدد من الأهداف للتأكيد على مفهوم عملية الاتصال وأثرها في تطوير المدن وظهور المدينة الحديثة، ومن أهم هذه الأهداف ما يلي:

  1. نقل المعرفة والمعلومات حتى يتم التعاون بين الجماعات والأفراد لإنجاز الأعمال.
  2. متابعة وتوجيه الأفراد والتنسيق بين نوعية أعمالهم لبذل مزيد من الجهد في العمل وليكون العمل في أحسن صورة مما يساعد على حسن التكامل الوظيفي وبصفة خاصة في مجتمعا المدن.
  3. الاتصال يحقق التفاهم المتبادل بين القيادات في المجتمع والجماهير بما يتيح نموا أفضل لوسائل المعيشة وتطوراً كبيراً في حياة المدينة.
  4. يتيح الاتصال الترابط بين أجزاء المجتمع الواحد وكذلك الترابط بين المجتمعات المختلفة مما يحقق أهداف النمو والتقدم لذلك المجتمع.

ويتميز الاتصال في العصر الحديث بالسرعة والوضوح واختصار المسافات بين بلاد العالم المختلفة، مما ساعد على إمكانية إعادة النظر في المدن القديمة وتخطيط المدن الجديدة بما يتفق وحاجات العصر الحديث.

ومن ثم فإن تطور وسائل الاتصال كانت من أكثر العوامل تأثيرا في ظاهرة التحضر في المجتمعات الحديثة.

التغيرات الديموجرافية:

لقد حدثت العديد من التغيرات الديموجرافية نتيجة لقيام المجتمع الصناعي الحديث، وكان من نتيجة وجود المجتمع الصناعي أن تحسنت مستويات المعيشة ومستوى الصحة العامة مما ساعد على انخفاض ملحوظ في نسبة الوفيات بالمقارنة بالعصور السابقة.

ومن وجهة ثانية حدثت زيادة ملحوظة بالنسبة لأعداد المواليد وقد نتج عن ذلك الوضع زيادة سكانية غير متوازنة مع الزيادة في الموارد المتاح استثمارها، وبخاصة في كثير من دول العالم الثالث.

وقد ترتب على ما سبق أن زادت الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية سعياً لإيجاد فرص عمل جديدة لمواجهة متطلبات الزيادة في أعضاء الأسرة الواحدة الذين أصبحوا أكثر عدداً من قدرة الأرض الزراعية على تحمل إعالتهم جميعاً فكان ثمة اتجاهات للهجرة من المجتمعات الريفية إلى الحضرية كأحد الحلول الممكنة لمواجهة هذه المشكلة.

ومن جهة أخرى فقد اتجهت الكثير من الدول إلى اتخاذ إجراءات للحد من تدهور نوعية الحياة بها، وساد منطق مؤداه أنه: طالما أن الزيادة السكانية تفوق في سرعتها قدرة أكثر هذه الدول على زيادة مواردها وأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية أصبحت حتمية لا مفر منها.

فقد تمثلت إجراءات هذه الدول في التوسع لإنشاء المدن الجديدة ليكون لديها القدرة على استيعاب هذه الزيادة السكانية المتضاعفة وأصبح الأمل لدى كثير من هذه الدول الاتجاه لمضاعفة هذه المدن لمواجهة الزيادة المضطردة في أعداد السكان.

ومن ثم زيادة مناطق التحضر كان نتيجة طبيعية للتغيرات الديموجرافية التي لحقت بكثير من دول العالم، ولو لم يشهد العالم هذه الزيادة الكبيرة في أعداد السكان لما كانت هناك حاجة للتوسع في إنشاء هذه المدن الجديدة.

السابق
أهم مشكلات المجتمع الريفي
التالي
الفروق الريفية الحضرية

اترك تعليقاً