علم النفس اللغوي

علاقة علوم اللغة وعلوم اللسان

علاقة علوم اللغة وعلوم اللسان

علاقة اللغة وعلوم اللسان موضوع مركب يتصل بعدة علوم: بعلم الطبيعية لأن اللغة تتركب من أصوات ؛ وبعلم وظائف الأعضاء لأن تلك الأصوات منشأها حركات عضلية تدركها الأذن ؛ وبعلم النفس لأن تلك الحركات العضلية وإصدار الصوت المعين يتميز – في حقيقة الأمر – بدلالة ومعنى بالنسبة إلى صاحبه.

أي أنه لا يكون مجرد حركة عضلية ، وصوت معين يخرجه الفرد ليس إلا ، وإنما يحمل في طياته دلالات نفسية.

إن موضوع علم اللغة هو دراسة اللغة كوسيلة للاتصال بين الجماعات بعضها وبعض ، أي كظاهرة اجتماعية. وعلم اللغة هو جزء من علم الاجتماع واللغة ككل ظاهرة اجتماعية تستند إلى وقائع الماضى.

ومن ثم كان علم اللغة كغيره من العلوم الاجتماعية الأخرى علما تاريخيا . والفرد حين يتحدث – فإنه في حقيقة الأمر – يخرج أصواتاً معينة ، تلك الأصوات لها دلالتها ومعناها ، أي أنها تعبر عن معنى ما يقصده الفرد المتحدث.

وإذا دارت الدراسة حول النطق الصوتى بغض النظر عن المعنى الذي يتضمنه الحديث ، فإنه في هذه الحالة تخص الدراسة علم الأصوات العام Phonology اما إذا دارت الدراسة حول النطق كوظيفة للمعنى الذي يعبر عنه ، فإنه في هذه الحالة، تخص الدراسة علم النحو Syntax  

وإنه مما لاشك فيه ، أن الباحث في علم اللسان لا يلاحظ اللغة نفسها ، بل مظاهرها الخارجية التى هى مظهر وجود تلك اللغة . فاللغة لا تدرك إدراكا مباشرا ، وإنما توجد عندما تتكون عادات متشابهة فى النطق ، وعلاقات متشابكة بين أصوات معينة وبين معان معينة ، لدى عدد من الأفراد.

اللغة كآادة للاتصال:

ولذا ، فاللغة ليست لغة إلا باعتبارها أداة للاتصال بين الأفراد والجماعات ، تستخدم لكى تثير بينهم استجابات محددة .

والمفردات اللغوية والعبارات التي يتحدث بها الأفراد ، لا تنحصر في نطاق القواعد النحوية فحسب ؛ وإنما تحمل مضامين داخل الفرد ، من دلالات ومعان نفسية تختلف باختلاف المواقف والملابسات والظروف التي مر بها الأفراد فى حياتهم .

ومن هنا ، تكمن حقيقة اللغة الداخلية فى مجموعة العلاقات التي توجد داخل وذات كل من يتحدثها بحسب مقتضيات مواقفه الحياتية المتباينة.

الفرق بين الكلام واللغة واللسان

في الواقع أنه يوجد فرق بين مفهوم الكلام ؛ ومفهوم اللغة ؛ ومفهوم اللسان . إذ نقول : ان لسان كل أمة من أمم الأرض يشتمل على عدة لغات ؛ واللغة ـ في حد ذاتها ـ تتألف من كلام كل فرد . فاللسان العربي مثلا ، يتضمن عدداً من اللغات ، كلفة قريش ، ولغة تميم ، ولغة أهل الحجاز .. حيث الاختلاف في الجزئيات والتفاصيل

واللسان هو النموذج الاجتماعي الذي استقرت عليه اللغة ، أى أنه عبارة عن النموذج السوى في السلوك اللغوى ، حيث يحاول كل إنسان أن يكون لسانه أقرب إلى الفصحى . والفصحى هى ذلك النموذج المثالى الذى يحاول كل فرد أن يصله نطقا وكتابة .

ومن ثم فان دراسة لسان قوم ، يتطلب دراسة اللغة كظاهرة اجتماعية وكأداة يتم بوساطتها التفاهم والتعامل بين أبناء الأمة الواحدة ، أو دراسة الكلام ، وهو نوع من السلوك الفردي والذي يتمثل في كل ما يصدر عن الفرد من أقوال ملفوظة أو مكتوبة .

فالكلام واللغة – إذن – جانبان متناظران لظاهرة واحدة ، الأول منهما هو الجانب الفردي من السلوك اللفظي ؛ والثاني هو السلوك الاجتماعي . ودراسة الكلام تتطلب من الباحث دراسة العوامل الشخصية المميزة للفرد في سلوكه اللغوى .

فمثلاً ، هل يستخدم المترادفات بكثرة في كلامه ؟ وهل يستخدم النعوت ؟ وهل ينتقى الجمل والتراكيب اللغوية ذات الطول ؛ أم ذات القصر ؟ ذات البساطة أم ذات التعقيد ؟ إلى غير ذلك من استخدامات لغوية في حديثه تدل على عاداته النطقية – على وجه العموم .

اللغة كظاهرة اجتماعية

أما دراسة اللغة كظاهرة اجتماعية ، يحاول فيها الباحث دراسة السمات المشتركة في أحاديث الأفراد للتوصل إلى وجود لغة مشتركة بينهم يتفاهمون بها .

والكلام واللغة ، كل منهما سابق للسان . لأن اللسان لا يستقر إلا بعد أجيال .. فاللسان يتأثر بالكلام واللغة ويؤثر فيهما . فهو يتأثر بهما ، لأنه حصيلة كل ما يصدر عن الأفراد من أقوال – وناتج مجموع الأنماط السلوكية اللغوية ، إذ يتلقى رصيده اللغوى من الأفراد والجماعات .

وأما من حيث أن اللسان يؤثر فيهما ، ذلك لأن المتكلم يحاول دائماً إتقان أساليب التعبير ، إلى أن تصبح اللغة لديه أداة طيعة لفكره وعادة لفظية يستخدمها بطلاقة ويسر.

علم اللغة وعلم النفس

ترجع العلاقة بين علم اللغة وعلم النفس إلى طبيعة اللغة باعتبارها أحد مظاهر السلوك الإنساني . وحيث أن علم النفس يعنى بدراسة السلوك الإنسانى عامة ، فإن دراسة السلوك اللغوى تعتبر حلقة اتصال بين علم اللغة وعلم النفس .

وقد اهتمت المدرسة السلوكية اهتماماً بالغاً بالسلوك اللغوى ، وكان لها أثر واضح في البحث اللغوي الأمريكي في النصف الأول من القرن العشرين . ولكن البحث في قضايا اللغة من وجهة نظر اللغويين يختلف كثيراً عنه من وجهة نظر علماء النفس .

فالفرق بين وشاسع بين كل منهم إذ يهتم علم اللغة بدراسة العبارات اللغوية المنطوقة عند صدورها من الجهاز الصوتي لدى المتحدث وأثناء مرورها فى الهواء وعند تلقى الجهاز السمعى للمخاطب لها .

ويدلنا هذا على أن العمليات العقلية التي تسبق صدور العبارات اللغوية المنطوقة لا تدخل ضمن مجال علم اللغة كما أن ما يربط الجهاز العصبى والجهاز النطقى من علاقة لدى المتحدث لا يدخل ضمن مجال البحث اللغوى .

وهكذا يهتم اللغويون باللغة عند صدورها ، بمعنى تلك الظاهرة الصوتية التي تصدر عن المتحدث وتتخذ شكل موجات صوتية فتصل المتلقى . وذلك هو مجال البحث في علم اللغة . بينما لا يهتمون بتلك العمليات العقلية التي تسبق ذلك ، حيث تعتبر موضوعا من موضوعات البحث في علم النفس .

بالإضافة إلى تلك العمليات النفسية التي تحدث داخل الفرد المخاطب ، عندما تصل اللغة جهازه السمعى ثم تنقل إلى جهازه العصبي. كما يوجد فرق جوهرى بين منهج اللغويين وعلماء النفس بالنسبة إلى الظواهر اللغوية ، حيث يتجه علماء النفس إلى اكتشاف قوانين عامة تفسر السلوك الإنساني ، من خلال دراسة الظواهر العامة مثل : التعلم والإدراك والقدرات .

بينما لم ينصب اهتمامهم على محتوى السلوك نفسه ، إذ لم يهتموا بالمادة التي تعلم في موضوعات التعلم ، بقدر تركيزهم على عملية التعلم ذاتها . إلا أن بعض الباحثين – في السنوات الأخيرة – اهتموا بدراسة اللغة لا من حيث أنها استجابات لغوية فحسب ؛ وإنما من حيث البنية اللغوية المتضمنة في تلك الاستجابات ، أيضاً .

الدراسات المعاصرة حول موضوع اللغة وعلوم اللسان

ومن ثم ، فإن الدراسات المعاصرة التي دارت حول موضوع اللغة عند الطفل تختلف عن تلك الدراسات السابقة فى هذا المجال والتى – في الواقع – كانت تسير بطريقة اللغويين ، أي بتحليل لغة الطفل من جوانبها الصوتية والنحوية والدلالية.

إذن ، فإن مجال الدراسة النفسية للغة هو : كيفية تحويل المتحدث للاستجابة إلى رموز لغوية To Encode وهذه عملية عقلية ، ينتج عنها إصدار الجهاز الصوتى للغة.

وعندما تصل اللغة إلى المخاطب أو المتلقى ، ويقوم بترجمة وتحويل هذه الرموز اللغوية في ذهنه إلى المعنى المراد To decode ، تتم عملية عقلية أخرى .

وهكذا ، تتكون المعانى النفسية لدى الفرد بالنسبة إلى الأشياء والموضوعات والأحداث حيث يستقبلها وبالتالي تحدث عملية متوسطة داخلية تؤدى إلى استجابات المعنى . أما تلك الرموز الصوتية لتى تنتقل من المتحدث إلى المتلقى خلال الهواء ، فهي مجال البحث في علم اللغة.

السابق
علم اللغة ومجالاته المختلفة
التالي
علاقة علم اللغة بالعلوم الأخرى