اجتماع عام

علم الاجتماع مفهومه ودلالاته

مفهوم علم الاجتماع

لقد تناول المفكرون الاجتماعيون مفهوم علم الاجتماع بالتحليل من زوايا مختلفة ولعل تقديم تعريف لكل منهم يعطي في النهاية مفهوما متكاملا عن خصائص علم الاجتماع.

وذلك من حيث وجوده كعلم ونشأته وتاريخه في الماضي والحاضر وذلك بهدف الكشف عن القوانين التي تحكم الحياة الاجتماعية في بنائها ووظيفتها وتطورها وعن القوانين الخاصة التي تحكم كل جانب من جوانبها علي حده .

هذا وقد أسهم كل من أوسيبوف وميلتون بارون وبسكوف وبارسونز وماكس فيير ولندبرج وأوجبرن وماكيفر، وجيدنجز، وروس وغيرهم في تقديم تعريفات مختلفة لمفهوم علم الاجتماع وذلك كما يلي:

بعض تعريفات علم الاجتماع:

تعريفات علم الاجتماع
تعريفات علم الاجتماع
  • حيث عرفه أوسيبوف: بأنه العلم الذي يدرس البناء الاجتماعي للمجتمع وما يحويه من علاقات داخل الطبقات الاجتماعية، وكذلك النظم الاجتماعية التي تنظم هذه العلاقات إلي جانب دراسة تطور وتفاعل الانساق والتنظيمات داخل المجتمع.
  • كما عرفه جونسون: علي أنه العلم الذي يدرس الجماعة من حيث نماذج تنظيمها الداخلي والعمليات التي تميل إلي استمرار أو تغيير هذه الصورة التنظيمية للعلاقات الاجتماعية.
  • وعرفه ميلتون بارون: علي أنه اجتماعي يدرس أنماط التفاعل الاجتماعي وتأثير الانساق الاجتماعية علي الاستجابات العقلية والانفعالية والسلوكية والإنسانية.
  • وعرفه بوسكوف: علي أنه العلم الذي يدرس التفاعل الإنساني ويهدف إلي الوصول إلي تعميمات عن العلاقات بين الوقائع الاجتماعية.
  • وعرفه تالكوت بارسونز: علي أنه علم دراسة المجموعات البشرية والعلاقات الاجتماعية والنظم الاجتماعية ووظائفهما في الحياة الاجتماعية.
  • وعرفه ماكس فيبر: علي أنه العلم الذي يسعي إلي فهم الفعل الاجتماعي وتفسيره لكي يصل إلي تفسير سببي لمساره ونتائجه.
  • وعرفه لندبرج: علي أنه عبارة عن نسق من التعميمات المترابطة عن السلوك الاجتماعي للناس يتم التوصل إليه باستخدام المنهج العلمي.
  • وعرفه أوجبرون ونيمكوف: علي أنه الدارسة العلمية للحياة الاجتماعية.
  • وعرفه روبرت ماكيفر: علم الاجتماع علي أنه العلم الذي يدرس العلاقات الاجتماعية.
  • وعرفه هنري جيدنجز: علي أنه الدراسة العلمية للمجتمع.
  • وعرفه إدوارد روس: علي أنه العلم الذي يدرس الظواهر الاجتماعية.

استنتاجات التعريف:

هذه بعض النماذج لتعريف بعض العلماء لعلم الاجتماع والتي اتفقت فيما بينها علي أن علم الاجتماع يمثل أحد العلوم الإنسانية الذي يدرس المجتمع في ظواهره المختلفة ونظمه ونيته والعلاقات بين أفراده دراسة علمية وصفية تحليلية.

وهو علم يدرس الظواهر الكائنة بالفعل أو التي كانت موجودة في الماضي ويهدف إلي استنتاج القواعد والقوانين التي تفسر الحياة الاجتماعية تفسيرًا شاملا وتخضع لها الوقائع الاجتماعية.

ومن خلال التعريفات السابقة التي قدمها علماء الاجتماع لمفهوم ” علم الاجتماع” يمكننا التوصل إلي مفهوم عام لعلم الاجتماع أو مفهوم شامل يحاول أن يجمع بين ما قدمته التعريفات السابقة لهذا المفهوم.

رؤية لمفهوم علم الاجتماع في ضوء التعريفات السابقة

يشير مفهوم علم الاجتماع إلي ذلك العلم الذي يدرس أنماط التفاعل الحادث بين الناس الذين يعيشون معاً في بيئة واحدة أو بيئات مختلفة والناس الذين يعيشون معاً في صور تفاعل دائم يكونون ما يسمي بالمجتمع فالمجتمع يشكل الموضوع الأساسي لعلم الاجتماع. 

غير أنه يجب التنويه إلي أنه ليس كل جماعة مكونة الناس يطلق عليها مفهوم ” المجتمع” الذي يشكل موضوع الدراسة في علم الاجتماع وإنما تنصب دراسة علم الاجتماع علي المجتمع الذي يتميز بالخصائص التالية :

  • أن يكون مجتمعاً مستقراً أي أنه مرتبط ببيئة معينة حتي ولو كان متنقلا خلال هذه البيئة أو في عمليات حراك دائم وعدم استقرار في المكان. 
  • أن يكون مجتمعاً دائماً بمعني أنه يتمتع بدوام نسبي أي له تاريخ زمني وذلك حتي يمكن أن تنشأ في داخل هذا المجتمع مجموعة من العلاقات تربط بين الناس بعضهم ببعض وتتضمن استمرار حياتهم المشتركة.
  • ولذلك لا تعتبر الجماعات الطارئة أو المؤقتة مثل المارة في الطريق أو المشاهدين لحفلة أو فيلم سينمائي أو المستمعين لمحاضرة ممثلة المجتمع الذي هو الموضوع الرئيسي لعلم الاجتماع.
  • أن يكون مجتمعاً تلقائياً أي أن الناس يجتمعون من تلقاء أنفسهم بقصد الرغبة في المعيشة المشتركة دون أن يفرض عليهم أحد ذلك الاجتماع ولا أن يقيدهم أحد بقيود تضطرهم إلي البقاء معاً رغم أنوفهم فالسجن لا يعد مجتمعا تلقائياً ولا المعتقل.
  • أن يكون مجتمعاً طبيعياً أي أن الناس يعيشون في المجتمع علي سجيتهم ويمارسون نشاطهم وفق طبائعهم الخاصة دون تكليف أو إجبار.
  • ومن اجتماع الناس معا في جماعات يضمها المجتمع الكبير تنشأ مجموعة من العلاقات تربط الناس بعضهم ببعض وتجعلهم يشعرون بالانتماء إلي مجتمع معين ذي شخصية متميزة. 

مفهوم المجتمع :

يشير مفهوم المجتمع إلي تركيب أو تأليف لمجموعة من الأفراد، ويتميز هذا التركيب أو التأليف بنمط معين من العلاقات التي تربط هذه المجموعة من الأفراد وتجعلهم كلاً واحداً متماسكا متجها إلي غاية واحدة هي بقاء هذه المجموعة من الأفراد في المنطقة الجغرافية المحدودة التي تعيش فيها.

وهذا المجموع من الأفراد يتميز بأنه كل متفاعل وليس أفراداً متجمعة بهدف التجمع وهذا الكل قد تضعف فيه الذوات الفردية من ناحية فرديتها ولكنها تقوي من ناحية وجودها الاجتماعي الذي يمنحها الوجود والحياة وكل المقومات الاقتصادية والحضارية.

ومن ثم فإن للمجتمع سلطان علي الأفراد منذ خروجهم أجنة من بطون أمهاتهم ويتميز هذا السلطان في عملية إدخال الأفراد في قوالب النظم الاجتماعية التي كونها المجتمع لنفسه.

فالمجتمع هو الذي يعطي كل مقومات وجود الفرد منذ ميلادهم حتي آخر العمر، فهو الذي يحدد اسمه ولغته، ودينه، وتقاليده وقيمه الاجتماعية وأخلاقه ومهنته التي يعمل بها وأدواته التي يستعملها ووسائل الإنتاج ونظمه وعلاقاته وطرق النقل والاتصال ونمط السلطة الحاكمة وعلاقتها بالمحكومين.

ويعمل المجتمع علي إدماج الأفراد في وحدة كلية متماسكة تعمل بإرادة واحدة ذلك عن طريق توحيد القالب الاجتماعي العام الذي يصب فيه جميع الأفراد.

ولكن ليس معني ذلك أن يكون جميعهم نسخة واحدة لا يتميز فيها فرد وإنما يترك المجتمع للأفراد حرية التعبير عن مواهبهم وبذلك تظهر في المجتمع الابتكارات بأنواعها وأنماطها المختلفة كما يحدث التطور العام للمجتمع من جهة أخري.

فالمجتمع يعمل علي توحيد الطابع العام دون أن يطمس الطابع الخاص للأفراد أي أنه يؤكد الجماعية دون أن يقضي علي الفردية، فالمجتمع لا يفيد حرية التفكير والتعبير عن الرأي الخاص إلا في حدود ما تواضع عليه المجتمع من قوانين أو نظم أو أعراف أو عادات أو تقاليد. .. الخ.

ويري بعض علماء علم الاجتماع أن المجتمع يتكون من مجموعة الأفراد في بيئة معينة، ولكن مجموع الأفراد لا ينبغي أن ينظر إليه علي أنه مجرد جمع إضافي للأفراد، وحسبما يكون العدد يتكون المجتمع لأن مجموعة الأفراد داخل المجتمع لا ينظر إليه إطلاقا من خلال جمع أو إضافة الأعداد الحسابية بل هو شيء مختلف تماما عن مجرد الجمع الإضافي أو مجدد الأعداد الحسابية.

فالمجموع الاجتماعي يختلف اختلافاً تاماً عن الجمع أو المجموع الفيزيقي ففي الجمع الفيزيقي يتم إضافة الأشياء بعضها إلي بعض عن طريق الرص أو الإضافة أما المجموع الاجتماعي فهو جمع متفاعل تفاعلاً تاماً.

استنتاج لمفهوم المجتمع:

ومن ثم فإن دراسة علم الاجتماع تنصب علي الجماعات باعتبارها المصدر الأول لجميع الظواهر الاجتماعية، فالجماعة بهذا المعني هي الحقيقة الاجتماعية الموجودة التي تفرض وجودها علي الفرد نفسه وتجعله يتأثر بكل ظواهرها تأثيراً ينعكس في تفكيره بحيث يأتي هذا التفكير معبراً عن تأثير الجماعة.

والمجتمع بالمعني العام يعبر عن ذلك الإطار العام الذي يحدد العلاقات التي تنشأ بين الأفراد الذي يعيشون داخل نطاقه في هيئة وحدات أو جماعات،  ويري بعض المفكرين أن هذه العلاقات يجب أن تكون :

  • مستقرة منظمة.
  • قائمة بصفة مباشرة.

غير أن هاتين الصفتين لنمط العلاقات التي تسود بين الأفراد ليس من الضروري أن تنطبق علي جميع أنماط العلاقات السائدة والموجودة بالفعل.

فثمة علاقات قد توجد بين الأفراد غير أنها لم يكتب لها الاستقرار النهائي بعد، وذلك مثل بعض العلاقات الطبقية والمهنية.

وثمة علاقات أخري قد تنمو بين الأفراد ولكن ليس بصفة مباشرة إنما قد تنمو مثل هذه العلاقات في الخفاء وبعيداً عن أعين الناس، ومع ذلك فإن هذا لا يمنع من وصفها بأنها علاقات موجودة وكائنة بالفعل، غير أنها توجد في الخفاء خشية أن يشعر بها الجميع.

السابق
القلق اللغوي مفهومه وسماته
التالي
القياس النفسي – مفهومه وأنواعه

اترك تعليقاً