علم النفس اللغوي

علم اللغة ومجالاته المختلفة

علم اللغة ومجالاته المختلفة

علم اللغة من العلوم المهمة فقد اختص الله سبحانه وتعالى الانسان دون سائر المخلوقات بخصائص مميزة، حيث حباه بالعقل ومنحه اللسان الناطق وعلمه بالقلم، وأناط به مسئولية الخلافة في الأرض.

 ولقد حاول الفلاسفة على مر العصور وصف الانسان بخاصية تميزه عن غيره من المخلوقات – فوصفوه تارة بأنه ” كائن عقلاني” أو حيوان ناطق عاقل، ووصفوه تارة أخرى بأنه ” حيوان سياسي” كما وصفوه أيضا بأنه ” حقيقة مفكرة ” و ” عنصر حر” الخ.. .

وعلى الرغم من أن كل هذه الأوصاف تنطبق على الانسان وتميزه عن غيره من المخلوقات، إلا أن ما ذهب اليه الفيلسوف الفرنسي Cassirer (1973) من أن الانسان حيوان رمزي تعتبر خاصية مميزة فعلا للانسان وتفرق بينه وبين الأنواع الأخرى

فمن الثابت أن التفكير الرمزي والسلوك الرمزي هما أبرز المعالم التي تميز حياة الانسان – ويعتبر الكلام  هو لغة الرمز الأولى، فعن طريق الكلمة يستطيع الانسان أن يكشف عن حقيقته لنفسه وللآخرين ويستطيع أن يندمج في الحياة الاجتماعية، وأن يتبادل الخبرات والأفكار والآراء، وأن يضفي النظام والوعي على تراثه الفكري

كما يستطيع أن يسترجع الماضي ويتفاعل مع الحاضر ويتوقع المستقبل ويعقد المقارنة بينهما، وإلى غير ذلك من مميزات تميز الحياة الانسانية.

ولعل تلك الخاصية التي تميز الحياة الانسانية (الانسان حيوان رمزي) تنطبق تماما مع ما نسب إلى أرسطو قديما من قوله بأن ” “الانسان حيوان ناطق”، ولعل المقصود بذلك أن الانسان وحده القادر على استخدام اللغة (منطوقة ومكتوبة) وترجمة أفكاره ومشاعره إلى ألفاظ وعبارات مفهومة لدى أبناء جنسه على اختلاف بيئاتهم.

وعلى هذا:

فإن قدرة الانسان على صنع الكلمات وصياغته للرموز التي تمثل ظواهر عالمه الخارجي وعالمه الداخلى على السواء هي أهم الخصائص التي تميزه عن بقية الكائنات – ففي محاولته فهم البيئة التي يعيش فيها وحل ألغازها يصوغ الانسان أنساقاً  رمزية أو لغات يمكنه عن طريقها بناء هذه العملية ونقلها إلى الآخرين

فالكلمات تمد الانسان بقوالب يصب فيها أفكاره ومفاهيمه وتصوراته، مثلما تزوده برموز تعبر عن معتقداته وقيمه، وعلى العكس من بعض الرموز الأخرى التي لا تتضمن سوى معانِ محددة وثابتة كالأرقام والأعداد

فإن الكلمات تحتمل كثيرا من التأويلات التي تختلف من شخص لآخر، مثلما تختلف الظروف والأوضاع، وهذا ما يعطي الكلمات خطورتها وأهميتها في عملية التواصل الانساني.

ماهية علم اللغة Linguistics:

ورد ذلك المصطلح لدي أجدادنا اللغويين القدماء، كما ورد في مصنفات اللغويين الغربيين والمحدثين، ومن ثم سوف نوضح ماهية استخدامه في البيئة اللغوية العربية أولا ثم في البيئة اللغوية الغربية لنستطيع تحديد هذا المصطلح في استعمالاتها المعاصرة.

أ- ماهية علم اللغه من منظور علماء العربية:

يري عصام نور الدين 1990م أن العالم اللغوي (أبن فارس) المتوقي سنه 395هـ هو أول من تنبه لاستعمال مصطلح علم اللغة، ومن ثم فيعرفه على أنه (معرفة معاني الأفعال والأسماء والحروف وضرورة معرفة الوظائف التركيبية) دون أن يحدد ذلك بالدقة العلمية التي نلجأ إليها اليوم، ونطلبها من الباحثين، ولابد للدارس من اللجوء إلى الاستنتاج والتأويل.

ويعرفة أبو حيان التوحيدي 745هـ على أنه “معرفة معاني الأسماء والأفعال والحروف، وتؤخذ هذه المعارف من كتب النحاه”.

ويعرفه أبن خلدون 1886م “هو صناعة جميع الألفاظ اللغوية بشكل عام، وجميع الألفاظ المتدرجة تحت موضوع واحد بشكل خاص، أو المتصلة بالمترادف والدخيل والمشترك فيما يمكن أن نسميه بعلم المعجمات”.

ويعرفه محمود فهمي حجازي 1973م على أنه (دراسة اللغة على نحو علمي) ويعرفه صيني 1978م على أنه (العلم الذي يبحث في ضروب اللغة وفي فوائدها التطبيقية والعملية).

ويعرفه عبد المجيد منصور 1980م على أنه (العلم الذي لا يهتم بدراسة لغة معينة، بل يدرس ظواهر الكلام عند الإنسان المتحضر والبدائي في العصور القديمة أو الحديثة).

ب- ماهية ( علم اللغه ) من منظور اللغويين الأجانب:

يعرفه ليونز Lyons 1972م على أنه (الدراسة العملية للغة، وهو العلم الذي يتناول اللغة موضوعا له) ويري دي سوسير 1959م أن (موضوع علم اللغة الصحيح والوحيد هو اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها)

مما سبق يتضح أن علم اللغة قد انتقل من دراسة اللغة دراسة تاريخية إلي دراسة غير تاريخية، أي تزامنيه، دون أن يعني ذلك إهمال الإشارات العابرة إلي القيم الثقافية أو التاريخية لهذا النص المسموع أو ذاك، ودون أن يعني دراسة اللغة من أجل هدف أخر كدراسة الثقافة أو الآدب أو الحضارة أو إعادة تشكيل النصوص .

أي رأي أنه لا يدرس اللغة باعتبارها وسيلة لغاية أخري، مما جعل علماء اللغة يحصرون عملهم فيما يمكن السيطرة عليه بغية عزلة، وتفكيكه إلي وحداته الصغرى وإعادة تركيبة لاستخراج الأحكام العلمية العامة الصحيحة التي لا تخضع للأهواء، والعواطف، والأهداف السياسية أو الاجتماعية أو غير ذلك.

استنتاج

وفي ضوء التحليل السابق يمكن تعريف مصطلح ( علم اللغة ) من منظور علماء الغرب اللغويين: يدرس “علم اللغة” اللغة المنطوقة بوصفها أصواتاً، ويقسمها إلى مستويات: صوتية، وصرفية، وتركيبية (نحوية)، ودلالية، وذلك عبر عزلة مادة الدرس الصوتية، وتفكيكها إلى وحداتها الصغرى غير القابلة للتقسيم، وإعادة تركيبها، واستخراج الأحكام العلمية العامة الصحيحة دون أي هدف أخر.

بل تدرس علم اللغة في ذاته ومن أجل ذاتها – دراسة تزامنية – وإن كانت لا تهمل الإشارات التاريخية والثقافية الأخري، – ووصفية – بحيث تحصل على وصف علمي دقيق للغة كما هي لا كما يجب أن تكون.

وفي حذا الصدد ينبغي أن نتذكر ماهية علم اللغة لدي اللغويين العرب القدامى حيث لم يتجاوز عندهم دراسة الألفاظ مصنفة في موضوعات جزئية، وبيان مدلول مفردات الكلم.

وينبغي أيضا أن نميز بين ماهية فقه اللغة (الفيلولوجيا) لدي اللغويين الأجانب، واللغويين العرب لندرك التمايز بين فقه اللغة، علم اللغة كما أسلفنا من قبل.

ويري اللغويين الغربيون أن علم اللغة يدرس اللغة المكتوبة دراسة تاريخية تهدف إلى دراسة الحضارات الغابرة انطلاقا من الوثائق المكتوبة التي تركها السلف للخلف مما يسمح بفهم المجتمعات القديمة

فهو إذا علم مساعد للتاريخ، ويعتمد علي نقد النصوص نقدا داخليا وخارجيا، ويتمثل ذلك في دراسة لغة النصوص القديمة في اللغة الفرعونية وذلك في إطار برنامج (أوراق البردي) في الإذاعة المصرية.

مجالات علم اللغة :

يدرس علم اللغة الأصول والخصائص الجوهرية التي تربط بين اللغات جميعها على الرغم من اختلافها، ومن ثم فإن موضوع علم اللغة هو اللغة من حيث أنها وظيفة إنسانية اجتماعية، تتمثل في صورة نظم إنسانية اجتماعية، يطلق عليها اللغات.

وفي الواقع أن مجالات علم اللغة عديدة ومتنوعة:

  1. منها ما يبحث في ألفاظ لغة ما من حيث بنائها ومشتقاتها، وتركيبها وإعرابها، وأوجه استخدامها حقيقة أو مجازا لمقاصد في التعبير، وتتمثل في علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع، فضلا على استنتاج القواعد العامة من جميع الظواهر التاريخية الخاصة كوضع قواعد النحو مثلا.
  2. ومنها ما يبحث في تاريخ وتنوع تلك الألفاظ ودلالاتها، وما طرأ عليها من تغيير، وبالتالي ترد ألفاظ كل لغة إلى أصولها وموضوعها.
  3. وصف تاريخ جميع اللغات المعروفة ويعني ذلك تتبع تاريخ الأسر اللغوية، وإعادة بناء اللغة الأم لكل أسرة على قدر المستطاع مثل دراسة تاريخ اللغة السامية وما تشعب عنها من لغات عديدة (14 لغة). كما ذكرنا من قبل.
  4. ومنها ما يبحث في كيفية توصل الإنسان إلى هذه الأصول (أصول اللغات) وكيف نطق بها.  

ويري عبد الحميد منصور 1980م أن مجالات علم اللغة تتمثل فيما يأتي:

يهتم بدراسة كل ما يتعلق باللغة من أصوات منطوقة أو مسموعة (دراسة النظام الصوتي Phonology، أو ألفاظ أو تراكيب وتتمثل في علم الصرف Morphology ونظام الجملة النحو Syntax أو دلاله (علم الدلالة Semantics).

  • دراسة العوامل المؤثرة في تلك المجالات اللغوية، سواء كانت هذه العوامل فسيولوجية أو فيزيائية أو بيولوجية أو اجتماعية أو نفسية.

السابق
دراسات تناولت التخاطب لدى أطفال التوحد
التالي
علاقة علوم اللغة وعلوم اللسان

التعليقات معطلة.