كثيرا ما يتساءل الناس، وحتى بعض الباحثين في العلوم الاجتماعية الأخرى، عن ماهية علم النفس الاجتماعي وموضوعاته، وبماذا يتميز هذا العلم عن غيره من العلوم الاجتماعية وبخاصة علم النفس أو علم الاجتماع. ولا يمكن طرح هذه الأسئلة والإجابة عنها دون الدخول في نقاش مثير للجدل، بين علماء النفس الاجتماعيين أنفسهم، عما إذا كان موضوع هذا العلم هو الفرد أم المجتمع [1].
وككل العلوم الاجتماعية وتخصصاتها، إن تقديم تعريف لأي منها هو مهمة معقدة، وفي حالة علم النفس الاجتماعي تتزايد هذه الصعوبة بسبب تداخل مجالات بحثه الواسعة مع اختصاصات أخرى، وسرعة تغيره الكبيرة، وتباين وجهات النظر التي تحاول تعريفه.
وبحسب فريزر وزملائه يمكن تعريف علم النفس الاجتماعي بأربع طرق كل منها تعكس وجهة نظر معينة (Conception) تضع في الاعتبار بعض العوامل التي تختلف من تعريف لآخر.
التعريف الأول:
يعتبر أن علم النفس الاجتماعي هو ما يفعله المتخصصون في هذا العلم، فمثلا يعرف روجر براون Roger Brown علم النفس الاجتماعي بأنه مجموعة من الموضوعات التي لم يستطع معالجتها متخصصون آخرون [2].
وبالرغم من بساطة هذا التعريف وعدم تعقيده يبقى ناقصا ولا يعطي علم النفس الاجتماعي حقه؛ فهذا العلم أكثر من مجرد قائمة من الموضوعات المطروحة للبحث. إضافة إلى أن هذا التعريف يكرس النظرة النمطية عن علم النفس الاجتماعي بأنه مجرد منطقة رمادية لا حدود لها بين العلوم الاجتماعية.
التعريف الثاني:
أما الثاني فيركز على عملية تأثر الفرد بالآخرين، حيث علم النفس الاجتماعي، بحسب أنصار هذا التعريف، هو الدراسة العلمية لعملية تأثر الفرد بالآخرين، هذا التأثر له طريقان: إما أن يكون مكتسبا عن طريق البيئة أو جينا أي تأثر من طريق الوراثة.
غير أن هذا التعريف أيضا ليس كافيا، لأنه سيكولوجي إلى حد كبير ويهتم بالفرد فقط كمتلق محکوم بالبيئة أو بالوراثة، كما أنه يمكن أن يتيح الفرصة التفسير بعض سلوك الأفراد بعزوها فقط إلى الغرائز أو العوامل البيولوجية.
وغالبا ما يسعى هذا المنحى إلى تفسير الظواهر الاجتماعية (كالتعصب والتمييز والعداء والعنف…) بالرجوع إلى عوامل فردية سيكولوجية بحتة.
التعريف الثالث:
في التعريف الثالث يركز الباحثون على عملية التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، فموضوع علم النفس الاجتماعي هو العلاقات البينفردية والتفاعلات الثنائية التي تحدث في إطار الجماعات الصغيرة، فيعرف البورت علم النفس الاجتماعي بأنه: التحقيق العلمي حول كيفية تأثر أفكار الأفراد، ومشاعرهم، وسلوكياتهم بوجود الآخرين الفعلي، أو المتخيل، أو الضمني [3].
وهذا التعريف يتجنب التركيز على الفرد فحسب، حيث إنه يؤكد ضرورة فهم تفاعلاته مع بيئته أيضا (الأصدقاء، العائلة، زملاء العمل وغيرهم) لفهمه، فسلوك الفرد يتأثر بأفعال وخصائص الآخرين إضافة إلى خصائصه هو المعرفية والبيولوجية.
وبالرغم من أن وجهة النظر هذه تؤكد التفاعلات الاجتماعية (Social Interactions) لكنها تهمل السياق المجتمعي الأكبر، ففهم التفاعلات الاجتماعية وفهم دور الخصائص الفردية وخصائص الآخرين في السلوك لا يمكن أن يتما بدون وضعهما في سياقهما العام.
ولفهم الفرد وتفاعلاته يجب فهم ثقافته وسياقه الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي والسياسي، وهذا ما يحاول التركيز عليه التعريف الرابع الذي يؤكد أنصاره أن أعلم النفس الاجتماعي هو دراسة العلاقات المتبادلة بين الفرد وعملية التفاعل الاجتماعي والمجتمع الذي يعيش فيه.
إذا عناصر هذا التعريف الأخير هي: الفرد، والتفاعل الاجتماعي، والمجتمع، وعلم النفس الاجتماعي يدرس التأثير المتبادل بين هذه العناصر الثلاثة.
استنتاج تعريفات علم النفس الاجتماعي:
بعد عرض وجهات النظر أعلاه، يمكننا القول إن علم النفس الاجتماعي حقل بحثي جدید نسبيا يربط بين علوم الفرد وعلوم الجماعة وتخضع مسلماته وخياراته البحثية ومقارباته المنهجية للمساءلة باستمرار، لذلك حتى الآن لا يوجد إجماع بين العلماء على تعريف موحد له ولعناصره الأساسية ولحدوده البحثية، فحتى هذه اللحظة ما زال هذا العلم في طور ترسيم هذه الحدود وهي تختلف، كما هو واضح أعلاه، من تعريف لآخر ومن وجهة نظر لأخرى.
المراجع
- ↑ Roussiаu, Nicolas (2000). «Introduction.in: Nicolas Roussiau (ed.). Psychologie sociale Paris: In Press éditions.
- ↑ فریزر، کولن وأخرون (2012). تقديم علم النفس الاجتماعي، ترجمة فارس حلمي عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة
- ↑ صعب، ريم و آرین ه. آیانیان (2017). مراجعة نقدية لأبحاث علم النفس الاجتماعي باللغة العربية في الوطن العربي 2000 – 2016, بيروت: المرصد العربي للعلوم الاجتماعية، | المجلس العربي للعلوم الاجتماعية.
التنبيهات : علم نفس النمو المظاهر والمراحل | معلومة تربوية