لكل علم مفاهيمه الأساسية التي توضح طبيعة مجال وموضوع دراسته بصفه عامه، والمتغيرات الهامة التي يتناولها بالدراسة على وجه الخصوص ومنها علم نفس النمو، كما تتناول هذه المفاهيم أهم العوامل التي لها تأثير مباشر على الظاهرة ومحدداتها الداخلية والخارجية والأليات التي تحكم وتنظم حركتها.
وتكمن أهمية المفهوم انه مصطلح علمي على قدر كبير من التجريد ، فبدلا من وصف تفاصيل الظاهرة عن طريق سرد الوقائع والأحداث والشواهد الحسية المختلفة بعبارات لفظية عامة، يمكن اختصار أو تجريد هذا الوصف في مصطلح واحد له معنى ومضمون بالغ التحديد والدقة في ذهن المشتغل أو الدارس لهذا العلم أو ذاك.
وعليه فإن هذه المفاهيم لا تختصر فقط العرض والمناقشة ، إنما توحد وتحدد فهمنا لتفاصيل الظاهرة (متغيراتها ) التي يتناولها العلم بالدراسة ، وهذا ما يعرف بلغة العلم ، وعلم نفس النمو هو فرع من فروع علم النفس مهتم بالجوانب النظرية والتطبيقية الخاصة بقضايا النمو الإنساني بدءا من البويضة وحتى نهاية الحياة.
وفيما يلى عرض لأهم مفاهيم علم نفس النمو :
النمو: Development
النمو عملية مستمرة مدى حياة الفرد ، تتضمن تسلسل التغيرات الجسمية والفسيولوجية والعصبية والحسية والحركية والانفعالية والمعرفية والاجتماعية على نحو تتابعي وبنمط متجانس ، إذ يعتمد كل تغير على ما سبقه من تغيرات ويؤثر فيما يليه.
ويرتبط بالنمو مصطلح الزيادة أو الكبر الذى يعنى الزيادة في الحجم منذ لحظة تكوين المضغة حتى البلوغ، ذلك بصرف النظر عما يترتب عن ذلك من تغيرات في بعض وظائف الجسم أو السلوك، وبالتالي ينظر إلى مصطلح النمو على أنه أكثر شمولاً وتجريداً من مصطلح الزيادة.
أنماط ونماذج النمو:
يقصد بأنماط النمو نوع التغيرات النمائية التي تعترى الفرد خلال سنوات عمره، ولا تسير هذه التغيرات بشكل موحد، بل تختلف باختلاف مراحل النمو ومظاهره، ولكل وظيفة محدده داخل نطاق الوظيفة العامة للنمو وهو النضج، فهناك أنماط التغير في الحجم أو الكم.
وهى عبارة عن زيادات متراكمة ومضطردة مع تقدم الطفل في العمر كما هو الحال في الطول والوزن، إذ يزداد الطول والوزن بسرعات مختلفة خلال الطفولة و المراهقة حتى يصلا إلى ما يعرف بهضبة النمو أو النضج الجسمي.
وفى المقابل يوجد نمط النمو الكيفي الذى يعنى تغيرا جوهريا فى الخصائص وليس مجرد تغير كمي، كما هو الحل فى النمو الجنسي الذى يسير على وتيرة واحدة تقريبا حتى قبل المراهقة، حيث تظهر الملامح الجنسية الثانوية ثم الملامح الأساسية خلال المراهقة نتيجة النشاط المفاجئ فى وظيفة الغدد الجنسية واقترابها من النضج، كذلك التغير الكيفي فى النمو المعرفي.
فهناك مرحلة ما قبل العمليات أو المرحلة الحسية فى التفكير التي تستمر حتى السنة الثانية من عمر الطفل، ثم مرحلة العمليات العيانية أو التفكير بالمفاهيم والمدركات الكلية والتي تمتد من السنة الثانية حتى الحادية أو الثانية عشرة، وهى بدورها تختلف جذريا عن سابقتها وإن كانت تعتمد عليها تماما، وأخيرا مرحلة العمليات الشكلية أو المنطق الصوري الذى يمثل النضج العقلي والمعرفي وهو بدوره يختلف جذريا عن سابقه وإن كان يعتمد عليه تماما.
وهناك التغيرات فى النسب التي تختلف من مرحلة لأخرى، فنسبة حجم رأس الجنين الى جسمه (حوالى نصف لجسم ) تختلف عند الرضيع عنها فى الطفولة المبكرة (حوالى الربع ) وهكذا بالنسبة للذراعين والساقين والجذع، مثل مصطلح النسبية والكتلة والطاقة فى الفيزياء، ومصطلح الأيض والضغط الأسموزي فى البيولوجي، ومصطلح العزوم والقصور الذاتي فى الميكانيكا، والتثبيت والنكوص واللاشعور فى علم النفس
هذا بالإضافة الى اكتساب ملامح جديدة مع النمو، سواء كانت الملامح ذات طبيعة جسمية داخلية أو خارجية (فطرية) مثل تكوين جهاز المناعة الداخلية بعد الولادة، تكوين مادة الميلين المغلفة للأعصاب، التحام يافوخ بالرأس وظهور الأسنان اللبنية ، أو ذات طبيعي حركية ونفسية مثل تعلم المشي، المثيرات الحركية، الكلام للعادات السلوكية.
وهناك نمط أخر من التغيرات ينحصر فى مجرد اختفاء ملامح قديمة مثل سقوط الأسنان اللبنية، استقامة الساقين واعتدالها قبل وأثناء تعلم المشي، اختفاء اللغة الطفلية وعيوب النطق والكلام، وذبول الغدة التيموسية والغدة الصنوبرية قبل المراهقة، ذبول نضارة الوجه والجسم ليحل محلها تجعيدات وربما تختفى بعض المهارات الحركية والعادات السلوكية والمخاوف خلال المراهقة والرشد
مظاهر النمو: .Aspects of development
يتبدى النمو النفسي من خلال مظاهر شتى تعكس طبيعته وأهدافه ، صحيح أن النمو النفسي وحده متكاملة لا تتجزأ وعملية داخلية بالغة التعقيد والتداخل، إلا أننا لا نستطيع الاستدلال عليها مباشرة، إنما عن طريق مظاهرها الخارجية المختلفة القابلة للملاحظة أو القياس، ويمكن تحديد هذه المظاهر فيما يلى :
1- مظاهر النمو الجسمي: Physical
مثل نمو الهيكل العظمى والطول والوزن، تغير الخصائص التشريحية للأنسجة وعضلات الجسم، تغير مورفولوجية الجسم أو النسب فى أعضائه وما إلى ذلك.
2- مظاهر النمو الفسيولوجي: physiological
مثل التغير فى وظائف أعضاء الجسم خصوصا الغدد، عملية التمكين تطور وظائف المخ، زيادة ضغط الدم وقوة القلب وعدد ضرباته، وكفاءة المعدة وزيادة كفاءة عملية الأيض والتحكم فى عضلات المثانة للمستقيم، التناقض التدريجي فى عدد ساعات النوم وما إلى ذلك.
3 – مظاهر النمو الحسى: Sense
مثل التغيرات التي تعترى الأجهزة الحسية والإحساسات الحشوية العامة والخاصة، تحسن العتبات الفارقة، زيادة حساسية وكفاءة بعض الحواس بالنسبة للمثيرات المختلفة والتآزر والتكامل بين الحواس الخمس.
4 – مظاهر النمو الحركي: motor
مثل اكتساب مهارات المشي والجري والقفز، الكتابة والرسم، سرعة الإدراك وتطور عمليات التآزر الحركي، نمو المهارات النفسية الحركية والاستعدادات الجسمية الخاصة.
5 – مظاهر النمو اللغوي: Linguistic
مثل تطور الأصوات وتتابع النطق بالكلمات، السيطرة على عملية الكلام، نمو المحصلة اللغوية، الاستخدام الوظيفي للكلام وتكوين الجمل، القدرة على التواصل اللغوي.
6 – مظاهر النمو العقلي والمعرفي :Mental & Cognitive
إذ يعكس النمو اللغوي مدى التطور فى النمو العقلي والمعرفي ويتزامن معهما ويقصد بالنمو العقلي والمعرفي تطور الذكاء والتفكير والعمليات العقلية الأخرى، تمايز القدرات العقلية، زيادة القدرة على التعلم وكفاءة توظيف نتائجها، نمو التحصيل والمعلومات والمعارف والخبرات.
7 – مظاهر النمو الانفعالي: Emotional
مثل تطور الانفعالات والمزاج والخلق وتمايز مكوناتها وتوالى ظهور الانفعالات الجديدة، تطور الوظيفة الاجتماعية للانفعال أو التعبير الانفعالي والتحكم فيها، تكامل الانفعالات وتناسبها مع المواقف، وهكذا بالنسبة للمزاج والخلق خصوصا تطور مفهوم الضمير، اكتساب المعايير الأخلاقية، وتطور الشعور الديني.
8 – مظاهر النمو الاجتماعي: Social
مثل تطور السلوك الاجتماعي للطفل كالاستقلال والعدوان والمشاركة والتواصل، تطور اللعب الجمعي، علاقات الطفل بوالديه وأساليب التنشئة الاجتماعية، علاقة الطفل بأترابه ورفاقه، دور جماعات اللعب والرفاق، ظهور الصداقة، وغير ذلك من المؤثرات الاجتماعية التي تؤهل الطفل والمراهق ليؤدي دوره الاجتماعي المرتقب على وجه مناسب.
9 – مظاهر النمو الجنسي: Sexual
مثل تطور خصائصه الجنسية وتعبيراته وسلوكه الجنسي، تعلم التعبير عن الموضوعات المتعلقة بالفرق بين الجنسين، ظهور الخصائص الجنسية الثانوية والأساسية ، الفروق بين الجنسين والتربية الأسرية.
مراحل النمو: Stage of development
في علم نفس النمو يمثل مفهوم مراحل النمو نقطة ارتكاز أساسية فى هذا العلم، إذ عن طريقه يمكن وصف وتصنيف التغيرات المختلفة التي تسفر عنها عملية النمو.
وتعرف المراحل بأنها أطوار متتالية يكمل بعضها البعض وينبني كل منها على الأخر وفق الترتيب الزمنى لكل مرحلة وفى نطاق الاستمرارية الوظيفية لعملية الاستمرارية الوظيفية لعملية النمو، وأحيانا تختص مراحل النمو بمظهر واحد فقط من مظاهر النمو، كما هو الحال فى مراحل النمو العقلي عند “بياجيه” ونمو الذات عند ” البورت”.
وأحيانا تختص بأكثر من مظهر كما هو الحال فى مراحل النمو النفسي ـ جنسي عند” فرويد” أو مراحل النمو الوجداني الاجتماعي عند “أريكسون”.
ويتضمن هذا المعنى أن المرحلة نمط مميز فريد من التغيرات النمائية ( فى مظهر أو أكثر من مظاهر النمو) يختلف جذريا عن سابقه ولاحقه، ذلك فى نطاق استمرارية النمو طبعا، وتنفرد كل نظرية من نظريات النمو فى وصف مراحل النمو_ من جهة نظرها _ تقديم التفسيرات النظرية التي أدت الى وجود هذا النمط المميز لكل مرحلة من المراحل وكيفية الانتقال من مرحلة لأخرى.
ومن جهة أخرى فرضت الاعتبارات العلمية والنظرية على العلماء المهتمين بدراسة النمو النفسي تصنيف سنوات حياة الإنسان إلى فئات عمرية قد تكون موازية أو غير موازية لمراحل العمر، إذ يصعب عند وصف مظاهر النمو سرد التغيرات التي تحدث فى كل شهر أو سنه من عمر الطفل والمراهق.
وغالبا ما يحدد المدى الزمنى لكل فئة عمريه الهدف الذى وضع من أجله هذا التصنيف، مثل مراحل التعليم فى المدارس الرسمية، أنواع اللعب والمجلات والبرامج الثقافية للأطفال والمراهقين، وهكذا بالنسبة للرعاية الاجتماعية والطبية.
ان الفئة العمرية لا تتضمن نظرية معينة أو تصورا فكريا يعسر عمليات الانتقال كما هو الحال فى المرحلة العمرية، بيد أن هذا التصرف على بساطته يقوم على أسس ومبررات، ربما تكون عملية أو بيولوجية ـ جسمية أو عقلية أو اجتماعية.
عموما ، يشيع فى أي مجتمع تقسيم عمر الإنسان الى ست فئات عمرية في علم نفس النمو وهي:
- ما قبل الولادة .
- المهد وتختلف عدد سنواتها من مجتمع لأخر.
- الطفولة وتختلف عدد سنواتها من مجتمع لأخر.
- المراهقة و تختلف بدايتها وعدد سنواتها من مجتمع لأخر.
- الرشد وتختلف بدايتها وعدد سنواتها من مجتمع لأخر .
- الشيخوخة وأواخر العمر وتختلف بدايتها من مجتمع لأخر.
كما توجد تقسمات أخري علي النحو التالي:
- فترة ما قبل الولادة وتغطى تسعة أشهر (9 – الى لحظة الميلاد).
- فترة المهد، وتمتد من لحظة الميلاد حتى نهاية السنة الثانية.
- فترة الطفولة المبكرة ، وتمتد من السنة الثالثة حتى نهاية السنة الخامسة ويمكن أن نطلق عليها فترة ما قبل الدراسة.
- فترة الطفولة الوسطى والمتأخرة ، وتمتد من السنة السادسة وحتى ما قبل المراهقة ، وأحيانا يطلق عليها مرحلة التعليم الابتدائي.
- فترة المراهقة ، وتمتد من السنة الحادية أو الثانية عشره الى 17ـ 18 سنه ، وأحيانا تقسم هذه الفترة الى المراهقة المبكرة والوسطى والمتأخرة ، وأحيانا أرى يكتفى بتقسيمها الى فترتين المبكرة والمتأخرة حسب المقام.
- فترة الرشد وتمتد من عمر 17_18 سنه وحتى ما يقرب من 50ـ 60 سنه.
- فترة الشيخوخة أو التقاعد.