يمكن النظر إلى الأنثروبولوجيا على أنها مجموعة من العلوم أو المباحث العملية التي تدور جميعها حول الإنسان . وترجع كلمة الأنثروبولوجيا Anthropology اشتقاقاً إلى قسمين هما “أنثروبوس” Anthropos وهي كلمة يونانية تعنى الإنسان , و”لوجوس” Logos وتعني علم أو الدراسة العلمية على مستوى عالٍ من التجريد . وعلى هذا الأساس تكون الأنثروبولوجيا هي علم دراسة الإنسان دراسة علمية .
والواقع أن هناك العديد من التعريفات المطروحة لهذا العلم ومنها أنه علم دراسة الإنسان من حيث هو كائن فيزيقي واجتماعي , أو أنه علم دراسة الإنسان وما يصنعه , أو أنها علم دراسة الحضارات أو المجتمعات البشرية .
وإذا كانت الأنثروبولوجيا علم يدرس الإنسان فإنها تتضمن بالضرورة مجموعة من المباحث المعقدة والمتشابكة . فالإنسان له بناؤه الفيزيقي أو تركيبه الجسمي وهنا تحاول الأنثروبولوجيا التعرف على هذا التركيب وعلى سلسلة التطورات السابقة على ظهوره حتى وصل الإنسان إلى شكله وتركيبه الجسمي الحالي وهو ما يطلق عليه الإنسان العاقل Homo sapiens وبيان التطور التشريحي للإنسان خلال العصور الماضية .
وهذا الفرع هو أقدم فروع الأنثروبولوجيا على الإطلاق . فالعلماء منذ القدم يحاولون فهم الخصائص الفريدة للإنسان , تلك التي تميز نوعياً عن الحيوانات الأخرى الشبيهة بالإنسان كالقردة العليا
وقد وجد العلماء أن أهم هذه الخصائص العارفة هي تركيب المخ وبناؤه وحجمه وتعقد وظائفه واعتدال القامة وتركيب الجمجمة وشكل الأيدي والمهارة اليدوية وثنائية الأبصار والقدرة على الكلام أو التعلق والقدرة على التعبير سواء بالحركات الوجهية أو باللغة … إلخ , ولعل هذا هو ما مكنه من التفكير المجرد والتخيل والتذكر والتفكير المستقبلي والاتصال بالآخرين وحفظ التراث ونقله والإضافة إليه من خلال القدرة على الابتكار والاختراع.
ما هي الأنثروبولوجيا الفيزيقية؟
ونحن نهتم في علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية بوجه عام بهذا الفرع من الأنثروبولوجيا وهو ما يطلق عليه ” الأنثروبولوجيا الفيزيقية أو علم الإنسان من الناحية الجسمية Phisical anthropology , على أساس أن مكتشفاته تسهم في الإجابة على الكثير من الأسئلة المطروحة لدينا وأهمها سبب انفراد الإنسان بصنع الثقافة والتاريخ الثقافي للإنسان , وسر قدرة الإنسان على الاختراع والتفكير والتحدث بلغة مقطعية , الأمر الذي مكنه من الامتصاص والنقل والخلق والابتكار , وهذا هو ما يفسر لنا التعقد الهائل الذي نلاحظه اليوم داخل مجتمع الإنسان [1].
والإنسان ليس له بناؤه الفيزيقي فحسب , ولكنه كائن صانع للثقافة ويقصد بالثقافة هنا ذلك الجزء من البيئة الذي هو من صنع الإنسان كاللغة والآلات والطقوس والآداب والمنشآت والقيم والملابس … وكل ما يتعلمه الإنسان كجزء من المجتمع . والقسم من الأنثروبولوجيا الذي يدرس ثقافة الإنسان حين يتجمع مع غيره هو ما يطلق عليه ” الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural anthropology ”
ما هي الأنثروبولوجيا الثقافية؟
يقوم عالم الأنثروبولوجيا الثقافية بدراسة ورصد الثقافات المختلفة ويوازنها بعضها ببعض , حتى يستطيع الوقوف على الأسباب التي أدت إلى تنوعها وتباينها . كذلك فإنه يحاول تفسير الثقافات المختلفة , وبيان العلاقة بين الثقافات المختلفة . هذا إلى جانب أنه يحاول تفسير التطور والتغيرات التي تحدث للثقافات المختلفة وهو يحاول الكشف عن العناصر المشتركة في كل الثقافات , والتي يمكن تلخصيها وصياغتها في شكل تعليمات أو قوانين تصدق على مختلف الثقافات .
ويهتم الباحث في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية بكل الأشكال التي يتخذها السلوك الاجتماعي للإنسان داخل المجتمعات والجماعات المنظمة . وهو لا يقتصر على مجرد الوصف والسرد القصصي . وإنما يتجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة التفسير , حيث يسعى إلى فهم كيفية ظهور هذه الأشكال الفكرية والسلوكية .
وهو هنا قد يستعين ببعض العلوم الأخرى كالتاريخ أو علم النفس أو علم الاجتماع أو الجغرافيا البشرية … إلخ . وقد ظهرت مدرسة حديثة في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية , تعرف بمدرسة دراسة الثقافة والشخصية , لها العديد من الأنصار أهمهم ” مارجريت ميد ” , ” كلايد كلاكهون ” و ” جون هو نيجمان ” و ” فرانسين هسيو ” … إلخ . وتركز هذه الدراسة على دراسة العلاقة التفاعلية المعقدة بين الثقافة والشخصية .
ما هي الأنثروبولوجيا الاجتماعية؟
هناك جانباً ثالث للإنسان متضمن في كونه خالق للثقافة , فهو لا يعيش منفرداً وإنما عاش منذ وجد وما يزال وسيظل يعيش داخل جماعات أو مجتمعات لها بناؤه الاجتماعي , ولها نظمها المحددة ولها أنماط خاصة من العلاقات الاجتماعية تسودها … إلخ . وهنا ينصب تركيز الباحث على محاولة التعرف على النظم العاملة داخل المجتمع كالنظام الديني والقانوني والسياسي والعائلي … وعلى الدور الوظيفي الذي يؤديه كل نظام داخل الحياة الاجتماعية
وهذا الفرع من الدراسة هو ما يطلق عليه ” الأنثروبولوجيا الاجتماعية Social anthropology ” . ويذهب ” راد كلف براون R. Brown ” وهو من أساطين الأنثروبولوجيا الاجتماعية في بريطانيا , إلى أن ذلك الفرع من الدراسة يهتم بدراسة طبيعة المجتمع الإنساني دراسة منهجية منظمة نعتمد على مقارنة الأشكال المختلفة للمجتمعات الإنسانية , مع التركيز على الاشكال الأولية للمجتمع البدائي .
وبوجه عام فإنه يمكن القول بأن علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية يركزون على دراسة التنظيم الاجتماعي للأسرة وعلاقات القرابة والمصاهرة , ونظام المعتقدات والطقوس الدينية والسحرية , والعلاقات الاقتصادية والسياسية , وأساليب الضبط الاجتماعي … إلخ , خاصة داخل المجتمعات البدائية [2].
