علم النفس

مرحلة التجريب والقياس وتطور علم النفس

مرحلة التجريب والقياس وتطور علم النفس

في الحديث عن التجريب والقياس في علم النفس بنجد أن العلم يعرف بأنه مجموعة منتظمة من الحقائق الموثوق بصحتها لكونها مبنية على أسس الطريقة العلمية التي يمكن تلخيصها فيما يأتي:

  • أن تبنى الحقائق على الملاحظة الموجهة والمنتظمة لا على مجرد الملاحظة العابرة التي لا يكون لها غرض.
  • أن تكون هذه الملاحظة من النوع العام الممكن أن يتفق عليه أكثر من باحث بحيث تخرج عن الملاحظات الشخصية التي قد تتأثر بالتعصب لرأي معين. وبهذا تكون الحقائق من النوع الذي يتفق عليه الكثيرون فتكون لها صفة الموضوعية .
  • تساعد هذه الملاحظات على افتراض بعض الفروض والاحتمالات التي تثير التفكير للموازنة بينها واستخلاص الصحيح منها .
  • أن يكون من السهل إخضاع هذه الفروض للتجريب وإعادة التثبت من صحتها تحت نفس الظروف بدون تغيير في النتائج .
  • أن تخضع هذه الحقائق للقياس ووسائل التقدير وطرق الإحصاء المختلفة .
  • يمكن أن تصل بعض الفروض إلى مرتبة النظريات إذا تأكد الباحثون من إثبات صحتها واتفقوا على النتائج التي يصلوا إليها مستقلين عن بعضهم .

ولما كانت البحوث النفسية تتعلق في أغلبها بأمور معنوية كالتفكير والانفعال مما يجعل إخضاعها للتجريب أمراً صعباً إذا قورن بالتجارب في الطبيعة أو الكيمياء مثلاً.

فإن حركة التجريب والبحث العلمي في علم النفس جاءت متأخرة عن العلوم الأخرى كالطبيعة أو الفسيولوجيا. ولهذا فليس بغريب أن نجد نشأة التجريب والقياس قد بدأت على أيدي رجال هذه العلوم ذاتها .

ويمكن أن نعتبر أن العوامل الرئيسية الآتية قد ساعدت على تطور علم النفس بحيث أصبح علماً بالمعنى الصحيح:

  • حركة التجريب في ألمانيا.
  • الدراسة الإحصائية للفروق الفردية والقياس العقلي.
  • التجريب في علم نفس الحيوان .

حركة التجريب في ألمانيا:

يمكننا أن نقول أن خطوة تطور علم النفس كعلم حقيقي قد بدأت على أيدي عدد من العلماء الألمان منهم ،فبروفشنر، وقد بحثا في العلاقة بين شدة الإحساسات وبين قوة المؤثر وتزايدها ووصلا إلى صياغة القانون القائل بأنه إذا كانت شدة المؤثر تتزايد في شكل متوالية هندسية فإن شدة الإحساس تتزايد في صورة متوالية حسابية.

وقد أنشأ «فونت» أول معمل منظم لعلم النفس في مدينة ليبزج بألمانيا عام ۱۸۷۹ وقد كان فونت أحد علماء الفسيولوجيا، وكان يجري التجارب على المؤثرات الصوتية والضوئية ثم تطورت التجارب إلى محاولة معرفة الإحساس بهذه المؤثرات.

وأدى ذلك إلى التوسع في الملاحظة بحيث لم تعد قاصرة على ملاحظة ظواهر السلوك الخارجي، بل امتدت إلى ملاحظة الشخص لما يجري في نفسه من شعور بالألم أو التعب والارتياح … الخ . مما يسمى بالتأمل الباطني.

وكان هدف فونت وزملائه من هذه التجارب هو تحليل الخبرات الشعورية إلى عناصرها كالإحساس والإدراك والانفعال والنزوع .. الخ . وذلك قياساً على ما يجري في العلوم الطبيعية من محاولة تحليل المركبات إلى عناصرها الأولية.

ومن ذلك يمكن أن نفهم السر في تعريف علم النفس في ذلك الوقت بأنه «علم» الحياة الشعورية واهتمام العلماء بفكرة التحليل إلى العناصر مما أدى إلى قيام ما كان يسمى بعلم النفس العنصري في ذلك الوقت.

الدراسة الإحصائية للفروق الفردية والقياس العقلي :

ولعل ما كان يجري في معمل فونت في مقارنة الأفراد في الإحساسات والوظائف الإدراكية والحركية وغير ذلك كان متأثراً إلى حد ما بما كان يجري في انجلترا على يد فرنسيس جولتون في البحث عن وراثة الصفات النفسية والفروق الفردية في القدرات العقلية مما أدى إلى البحث في قياس الذكاء والنواحي العقلية الأخرى فيما بعد.

وساعد على ذلك المعاونة التي لقيها «جولتون من عالم الإحصاء الشهير «بيرسون فوجها البحوث النفسية إلى الإستفادة من الطرق الإحصائية ووجدت بذلك نواة علم النفس الإحصائي، وأدخلت طرق التحليل العاملي في معالجة نتائج الإختبارات النفسية فيما بعد.

وليس من الإنصاف أن نقصر الفضل في تطور علم النفس كعلم على ألمانيا وإنجلترا وحدهما ، بل ان حركة القياس العقلي في علم النفس قد أخذت طريقها إلى أمريكا أيضاً على يد «كاتيل» الذي كان ممن درسوا في معمل «فونت»

كما أفاد من دراسات جولتون فبعث حركة القياس العقلي في أمريكا وكذلك «ثورنديك» الذي يعتبر أمام علم النفس التعليمي .

وكذلك كان لكل من ايتيارد) و سجوان» في فرنسا فضل كبير في دراسة ضعاف العقول مما أدى إلى ظهور مقياس للذكاء في فرنسا على يد «بينيه» في أوائل القرن العشرين.

تجارب علم النفس على الحيوان:

وهناك ميدان هام ساعد على صبغ الحقائق النفسية بالصبغة العلمية وهو التجريب في علم النفس على الحيوان في النواحي النفسية المشتركة بين الحيوان والإنسان، والتي لا يكون الخلاف أو الفرق فيهما فرقاً في النوع بل في الدرجة فقط

مثل الإحساس والإدراك وتكوين العادات وكذلك في التعليم والإنفعال والإضطرابات النفسية وبذلك أخذ العلماء يضعون أسئلة محددة ويجيبون عليها بالتجريب مثل:

  • في أي مرحلة من مراحل التطور يمكن أن يتعلم الحيوان شيئاً معيناً؟
  • ثم كم من الوقت يلزم لمحاولته في هذا التعليم؟
  • وماذا يحدث لحيوان إذا أثير بمؤثر معين؟
  • وأي مناطق المخ هي المسؤولة عن أساليب السلوك ونواحيه الإدراكية والإنفعالية المختلفة؟
  • وهل من الممكن إحداث المرض النفسي بطريقة تجريبية؟. وهكذا.

وقد وجد العلماء في التجريب على الحيوان كثيراً من المميزات، منها :

  • سهولة الحصول على عدد كبير من أفراد الحيوان لعمل التجارب وتكرارها ومقارنة نتائجها .
  • إن دورة حياة الحيوان قصيرة إذا قيست بدورة حياة الإنسان ولذا فمن السهل إجراء التجارب على أكثر من جيل واحد من الحيوان وتتبع نتائجها ومقارنتها مما يتعذر عمله في الإنسان الذي تطول مدة طفولته ودورة حياته .
  • وعلاوة على ذلك فهناك ظروف إنسانية واجتماعية تجعل من اليسير إجراء التجارب على الحيوان خصوصاً إذا كان فيها خطورة على حياته فليس من الإنسانية في شيء أن نجري مثل هذه التجارب الخطرة على الإنسان ومن أمثلة تلك التجارب ما تحتاج إلى جراحة في المخ أو تعريض الفرد لصدمة عصبية لمعرفة نتائج ذلك … وهكذا .
  • ومن أهم من كان لهم الفضل في إجراء التجارب على الحيوان «بافلوف» الروسي الذي كان يجري التجارب على الكلاب لدراسة الفعل المنعكس الشرطي، وكهلر» الذي كان يجري تجاربه على القرود في دراسة التفكير والتعلم
  • و «ماسرمان» الذي أجرى تجاربه على القطط في قياس الانفعالات وآثار الصدمات النفسية، ثم «كاتر» الذي أجرى كثيراً من التجارب على الدجاج والطيور وغيرها لدراسة عوامل الإدراك، وغير ذلك كثيرون.
السابق
خصائص المتفوقين عقليًا وسماتهم
التالي
تشعب مذاهب و مدارس علم النفس

اترك تعليقاً