حاول البعض التعرض لمصطلح مظاهر الصحة النفسية مركزاً على جوانب إنسانية عامة أو خصائص أكثر شمولية. غير أنه نظرا الاختلاف مفهوم الصحة النفسية عند كل منهم فقد تعددت هذه المظاهر وتنوعت.
فمن الباحثين من جعل هذه الخصائص على مستوى إنساني عام «السعيد حقا هو ذو الشخصية القوية الذي يعمل دائما لتحقيق غرض سام والذي لا تتعارض حاجاته ورغباته مع مصالح الانسانية.
وتفصيل ذلك هو تخلص الفرد من النزاع وما يترتب عليه من مؤثر نفسي وتردد والقدرة على حسم النزاع حال وقوعه.. ويمكن الوصول إليه عن طريق فلسفة دينية أو اجتماعية أو خلقية.
ومن الباحثين من يؤكد خاصية التفاعل والتأثير الاجتماعي وما يؤدي إليه هذا التفاعل من إشباع حاجاته.
ومنهم من أخذ في الاعتبار الجوانب الخلقية فأورد صفات مثل صدق الفرد مع نفسه. التفاني في أداء العمل… ألا يكذب أو يغش أو يسرق أو يغتاب…الخ.
وهناك من ركز على المسئولية الاجتماعية فوضع مجموعة من الصفات المرتبطة بذلك كالقدرة على ضبط النفس والشعور بالمسئولية الشخصية والشعور بالمسئولية الاجتماعية والاهتمام بالقيم المختلفة وخاصة القيم الديمقراطية.
غير أن أغلب الكتاب وضعوا قوائم من المظاهر المتنوعة التي رأوا أنها تحدد الصحة النفسية. ومن قبيل هذه القوائم ما أورده صمويل مغاربوس من خصائص مثل:
- تقبل الفرد الواقعي لحدود إمكانياته.
- استمتاع الفرد لعلاقاته الاجتماعية.
- الاقبال على الحياة بوجه عام.
- كفاءة الفرد في مواجهة إحباطات الحياة اليومية.
- اتساع أفق الحياة النفسية.
- ثبات اتجاهات الفرد.
- تصدي الفرد لمسئولية أفعاله وقراراته.
- الاتزان الانفعالي.
كما عدد حامد زهران (۱۹۷۸) مجموعة من الخصائص منها [1]:
- التوافق الاجتماعي
- الشعور بالسعادة مع الأخرين
- تحقيق الذات واستغلال القدرات
- القدرة على مواجهة مطالب الحياة
- التكامل النفسي
- السلوك العادي
- العيش في سلامة وسلام.
ويعلق عبد السلام عبد الغفار (۱۹۷۹ ) على الاختلافات بين المتحدثين فيما يذكرونه من صفات بأن ذلك يرجع إلى «اختلاف آرائهم فيها ينبغي أن يتصف به أهل الصحة النفسية السليمة.
وهم يستمدون معلوماتهم إما من تصور الصفات التي تشير الأبحاث إلى اتصاف المضطربين نظري جزئي أو بذكر نقيض انفعاليا بها.
والملاحظ أن تلك المحاولات وما شابهها تعبر عن رغبة في اتخاذ موقف أكثر إيجابية من مجرد التأثر بإطار ذاتي أو ثقافي خاص أو إحصائي أو مثالي في الحكم على الصحة النفسية.
مظاهر الصحة النفسية
نتعرض لأهم مظاهر الصحة النفسية في هذا الاطار على النحو التالي [2]:
1 – تكامل الدوافع النفسية وانسجامها وانعدام الصراع النفسي
أي تؤدي الشخصية، وظائفها بصورة متكاملة جسمية وعقلية وانفعالية وليس معنی ذلك إنكار وجود دوافع متعارضة في الشخص الواحد، ولكن المقصود بهذا أن يظهر كل من هذه الدوافع في الوقت المناسب حين يكون ظهوره ملائي التكيف الإنسان.
وألا يسيطر أحد الدوافع على الفرد فيصبح هو المحرك الوحيد له. وانعدام الصراع النفسي يسمح للإنسان بأن يوجه كل قواه إلى تحقيق حاجاته دون أن يشعر من جراء ذلك بشيء من الذنب والحرمان.
2 – تقبل الحقيقة بالنسبة للذات وللغير وللعالم المحيط
أي أن يتقبل الشخص نفسه على ما هي عليه وأن ينمى قدراته المتاحة أو يستغلها الاستعداد الأمثل. كما يتقبل الآخرين على ما هم عليه والتلاؤم معهم في حدود إمكانات وطاقاتهم. كذلك الحال بالنسبة للظروف والبيئة المحيطة.
3 – تحمل مسئولية الأعمال والمشاعر والأفكار
الفرد الصحيح نفسيا قد يتفق أو يختلف مع المعايير القائمة أو الأوضاع المتعارف عليها طالما كان ” أو الاختلاف مبنية على أساس من الرغبة في تحقيق سعادة أشمل وإشباع اعم وأكثر دوامة.
وطالما كان الشخص أمينة مع نفسه مقتنعا بما يراه فإن سواءه يتجلی في تحمله مسئولية ما يقوم به من أعمال وعدم الهرب من انفعالاته ومشاعره بإسقاطها على الآخرين.
وكذلك في تحمله نتائج تفكيره وعدم اللجوء إلى الآخرين ليفكروا له بهدف أن يكون له العذر في أن يرجع فشله إليهم إذا ما فشل.
4 – تقبل النقد
إن الشخص الصحيح نفسيا هو الذي يعمل من أجل – الاخرين والعمل الجماعي من أجل تحقيق الأهداف التي ترفع من قيمة المجتمع. وهو في ذلك يحتك مع غيره من الأفراد لدى تبادله الأفكار والآراء معهم.
وطالما أن الرائد هو الصالح العام فإن تقبل النقد من الغير دون الشعور في ذلك بالإثم أو النقص هي خاصية أساسية من خصائص الصحة النفسية.
5 – تقدير الحياة، والشعور بالرضا للوجود فيها
وبمعنى آخر أن يكون الشخص سعيدة بحياته ويرى أن لها قيمة وفيها ما يستحق أن يكافح ويعمل ويعاش من أجله.
6 – إدراك الدوافع والأهداف
إن الشخص الصحيح نفسيا يدرك أسباب سلوكه ودوافعه، كما أنه يدرك أهدافه ويؤمن بها ويعرف الوسائل الذي يستطيع أن يحقق بها هذه الأهداف.
7 – التعاون والمبادأة
من منطلق الطبيعة الإنسانية في اعتماد الناس بعضهم على البعض، وفضل المبادرة بالإسهام في تحسين البيئة المحيطة والخدمة والعطاء، تبرز أهمية هذه الخاصية للدلالة على الصحة النفسية.
8 – الاتزان الانفعالي
فالشخص الصحيح نفسيا هو الذي يمكنه السيطرة على انفعالاته المختلفة والتعبير عنها بحسب ما تقتضيه الضرورة وبشكل يتناسب مع المواقف التي تستدعي هذه الانفعالات.
ويدخل في ذلك عدم اللجوء إلى كبت هذه الانفعالات أو إخفائها أو الخجل منها، من ناحية، أو الخضوع لها تماما بالمبالغة في إظهارها من ناحية أخرى.
إن ذلك من شأنه أن يساعد الفرد على المواجهة الواعية لظروف الحياة فلا يضطرب أو ينهار للضغوط أو الصعوبات التي تواجهه.
ولا يفقد صوابه مرحة لما يحظى به من تسهيلات أو نجاحات، بل بتكيف لكلا الحالتين بالصورة التي تحقق له أفضل تغلب على سلبيات الحياة وأفضل استغلال لايجابياتها.
9 – ثبات الانفعالات
إن ثبات الاستجابة الانفعالية في المواقف المتشابهة هو علامة على الصحة النفسية والاستقرار الانفعالي.
ذلك أن تباین الانفعالات في هذه الحالة دليل على الاضطراب الانفعالي. والمقصود بالثبات هنا هو ثبات الاستجابة الانفعالية الإيجابية.
فاستجابة الخوف مثلا في موقف يستدعي الخوف هي استجابة إيجابية معقولة، فإذا تكرر الموقف ذاته وأبدى الفرد خوفا مرة ولا مبالاة مرة أخرى دل ذلك على عدم ثبات الانفعالات لديه.
وغني عن القول أن ثبات الاستجابة الانفعالية السلبية ( أي المغايرة للاستجابة التي يتطلبها الموقف )، شأنها شأن « تباین » الاستجابة الانفعالية، هو دليل على المرض النفسي.
10 – ثبات السلوك
ويرتبط بالخاصية السابقة ويعني التمسك بالمبادئ المعينة التي يرتضيها الفرد والأساليب السلوكية الايجابية المرتبطة بذلك والتي أصبح يتبعها في حياته.
ولا يعني ثبات السلوك هنا الجمود في التفكير أو الأعمال إنما يعني الالتزام الواعي بتلك الأفكار والأعمال.
التنبيهات : مظاهر الصحة النفسية والنظريات النفسية | معلومة تربوية