الصحة والإرشاد النفسي

مفهوم المناعة النفسية psycho-immunity

مفهوم المناعة النفسية psycho-immunity

زاد الاهتمام بدراسة المتغيرات الإيجابية التي بين الأفراد والمجتمعات، حيث تعد المناعة النفسية من التوجهات الحديثة في علم النفس الإيجابي فالشخصية القوية هي التي تتميز بالقوة والمقاومة النفسية والتي تكون قادرة على التكيف والتوافق مع المواقف والأحداث الصارمة ومع الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهها وهي التي تكون قادرة على أن تعطي معني مهم للحياة التي يعيشها الإنسان وكذلك تساعده على التعامل بشكل إيجابي مع الخبرات الجديدة التي يصادفها والصدمات النفسية التي يتعرض لها.

أشار (Matheny,1993: 123) إلى أن المناعة النفسية تعد ضمن التوجه الإيجابي في علم النفس وقد تزايد الاهتمام بها في الآونة الأخيرة لأن وجودها دال على صحة الفرد النفسية والجسمية، وتعد عامل رئيسي ومهم في حماية الفرد من الإصابة بالأمراض، وأن الإنسان كل متكامل يشمل العقل والجسم وأن ما يتعرض له من ضغوط تحدث تأثيرها في كلا الجانبين، فمصطلح المناعة يعني مقاومة الضغط النفسي والجسمي، فالمناعة النفسية من العمليات الوقائية التي تساعد على حماية الإنسان من الاضطرابات النفسية والأمراض الجسمية المختلفة [1].

فقد أشار کمال مرسي إلى وجود العديد من العمليات النفسية الإرادية التي تنشط المناعة النفسية وتقويها والتي يجب على كل شخص أن يدرب نفسه عليها، حتى يتعود عليها وينشط جهاز المناعة النفسي لديه، وجميعها مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن هذه العمليات: الرضا وترك السخط، التفاؤل، وترك التشاؤم، الصبر، وترك الجزع، الشكر، وترك الجحود، العفو وترك الانتقام… إلخ [2].

كما يمكن اعتبار المناعة النفسية بمثابة جهاز حماية وقائي يقوي أسباب أو ميول وتوجهات البعد عن الاستهداف أو التعرض للإصابة النفسية ويرفع من القدرة على التأقلم لدي الأفراد، وتمثل المناعة النفسية عملية تحصين ضد العدوى بالغضب أو الهياج أو الثورة أو المشاعر السلبية المتطرفة و الأمراض النفسية من الآخرين وعدم التدهور إلى المستوى المنخفض الذين هم فيه، وإنما تساعده على البقاء صحيحا معافى، بل ومحاولة رفع الفرد إلى مستوى أعلى من التمتع بالصحة و السوية وهي بذلك عملية ترشيح للمشاعر والوجدانيات السلبية التي يمكن أن تنتقل إلى الفرد من الآخرين [3].

وكما أن جهازنا المناعي في الجسم يسمح بدخول الخلايا الغريبة أو المصابة في حاله ضعفه مما يصيب الجسم بالأمراض، فإن جهاز المناعة النفسي أيضا في حالة ضعفه أو فقدانه يسمح بدخول فيروسات فكرية قد تؤدي إلى إخلال أمن الفرد من الجانب الفكري، مما قد يضر بالفرد والمجتمع ككل، وهذا ما بينه عبد الوهاب كامل في تعريفه للمناعة النفسية حيث عرفها على أنها” منظومة عقلية من الأفكار المنهجية القادرة على إنتاج الأفكار المضادة للأفكار المدمرة للفرد أو المجتمع”، وأشار إلى أن ما يتعرض له بعض الشباب والفتيات من تصدع وجمود فكرى يرجع إلى ضعف  أو عدم وجود جهاز المناعة النفسية الذي يساعده على مقاومة الأفكار المدمرة التخريبية، فبقدر قوة الجهاز المناعي النفسي الذي يمتلكه الفرد بقدر ما يملك من المرونة في الفهم والاستيعاب والتفكير والقدرة على حل المشكلات… إلخ [4]

أولا: تعريف المناعة النفسية لغة

المناعة تعرف في اللغة بأنها: الحصانة من المرض ونحوه [5].

ثانيا: تعريف المناعة النفسية في اصطلاح علماء النفس:

المناعة النفسية “psycho-immunity” هي مفهوم فرضى، يقصد به قدرة الشخص على مواجهة الأزمات والكروب، وتحمل الصعوبات والمصائب، ومقاومة ما ينتج عنها من أفكار ومشاعر غضب وسخط وعداوة وانتقام وأفكار ومشاعر يأس وعجز وانهزامية وتشاؤم، وتمد المناعة النفسية الجسم بمناعة اضافية “Super Immunity” تنشط اجهزة المناعة الجسمية، وهذا يجعل دراسة المناعة النفسية ومعرفة طبيعتها وعوامل تنشيطها ضرورية في تنمية الصحة النفسية والجسمية معا (كمال ابراهيم مرسي، 2000: 96).

ويشير لطفي الشربيني إلى أنها تعني في العربية الحصانة، وفي اللغة الإنجليزية تعني immunity حيث إن المناعة والعوامل النفسية لها علاقة مباشرة بالصحة والمرض، وقد كان افتراض “سلومون” تأثير الانفعالات النفسية على جهاز المناعة وبداية مجال علم المناعة النفسية. وأشارت بعض الدراسات إلى التأثير السلبي للاضطرابات النفسية على جهاز المناعة، وإلى العلاقة بين بعض الاضطرابات العقلية مثل الفصام وبين بعض التغيرات التي تحدث في جهاز المناعة البيولوجي [6] .

كما أشار” ويلسون” إلى أنها ” الدفاعات النفسية التي تعمل علي تبرير واعادة تفسير ومعادلة وتشويه المعلومات السلبية، بأسلوب يحسن من آثارها التي تهدد الكيان الوجداني، وتصل بالفرد للشعور الجيد، عبر إغفال التشوه الحادث لتبرير الأحداث السلبية” [7].

وقد عرفت المناعة النفسية بأنها: “نظاما متكاملا لأبعاد الشخصية السلوكية والانفعالية والمعرفية الذي يوفر المناعة والمقاومة ضد الإجهاد والتوتر والضغوط التي يتعرض لها الفرد” [8].

ويعرف ” كيجان” نظام المناعة بأنه “نظام وجداني تفاعلي قائم على استخدام القدرة بالتمييز بين ما يضر وما يفيد، عبر الاستعانة بالتخيل والقدرة على التخطيط، بهدف إعطاء القدرة على إدراك الخطر والحماية منه، وكذلك إدراك ما يعزز الحياة، وأيضاً على صياغة خطط العمل، من أجل الوقاية والتدعيم او الإحساس بالهوية والذات [9].

كما يشير إليها (Abelson & et. al,2009: 37) بأنها التوجهات التكيفية الغير مدركة التي تعمل عبر التوازن بين خداع الذات واختبار الواقع للتعامل بكفاءة مع متطلبات الحياة اليومية [10].

وعرفت المناعة النفسية بأنها القدرة على التكيف الإيجابي اللاواعي التي تعمل بنظام معقد ومنظم وانعكاسي، أسوة بنظام المناعة الحيوية، من أجل حماية الفرد من الاعتداءات النفسية و البيئية ويتفاعل معه للحفاظ على البقاء، كما حدد باربانيل ثلاثة أبعاد لتحديد المناعة النفسية تمثلت في (الحارس الوجداني- ميكانزمات الدفاع – القناع کسمة [11]).

المناعة النفسية هي: قدرة الفرد على مواجهة الضغوط واستخدام جميع المصادر النفسية لمواجهة أحداث الحياة السلبية، كما أنها سمة إنسانية تظهر من خلال القدرة على التحكم في الظروف البيئية والتعامل معها [12].

وتعرف المناعة النفسية بأنها: ” نوعا من التحصين النفسي الذي يحمي الفرد من الضغوط المحتملة والتهديدات، والأزمات النفسية، وذلك من خلال استخدامه للموارد الذاتية والإمكانات الكامنة في الشخصية مثل التفكير الإيجابي، الإبداع، ضبط النفس، الاتزان، الصمود، والمثابرة [13].

كما ارتبط مفهوم المناعة النفسية بمفهوم المثابرة والذي يعني قدرة الفرد على تحمل الضغوط ومواصلة
الكفاح من أجل إنجاز المهام، وتحقيق الأهداف رغما عن النتائج العكسية والمقاومة والتثبيط [14].

وترى أماني عادل أن المناعة النفسية نظام متكامل يقوم بالعديد من الأدوار والمهام الجوهرية والتي تساعد الفرد على التعايش مع الصراعات الانفعالية والضغوط وحماية الذات من الأذى الانفعالي، المرونة والتكيف مع التغيرات البيئية المختلفة، التبرير أو التفسير المنطقي للانفعالات السيئة بحيث تكون انفعالات منطقية وليست مندفعة [15].

وفي دراسة حديثة عُرفت المناعة النفسية بأنها:” نظام وجداني تفاعلي، يعتمد على تفعيل الآليات والقدرات الكامنة بشكل متكامل، من قوة في الاعتقاد وتمكين للقدرات المتمثلة في القدرة على حل المشكلات، والقدرة على التخطيط وامتلاك البدائل، والاستفادة من الخبرات السابقة، اعتمادا على الثقة بالنفس والمحافظة على الثبات الانفعالي (ضبط النفس في ظل الشعور بالسكينة والمحافظة على التواصل مع الجسد وذلك بهدف حماية الفرد ووقايته من الوقوع في دائرة الاضطراب النفسي” [16].

المراجع

  1. Matheny, K, et, al. (1993): The Coping Resources Inventory for Stress, A measure Of Perceived Resources Fullness, Journal of Clinical Psychology. (49) 6. pp280-290.
  2. ت كمال إبراهيم مرسي (2000): السعادة وتنمية الصحة النفسية، دار النشر للجامعات، القاهرة
  3.   Albert – Lornicz, E., Albert – Lorincz, M., Kadar, A., Krizabi, T., Marton, R.    (2012). Relationship between the characteristics of the psychological immune system and the emotional tone of personality in adolescents. The New Education Review. Vol. 23, No. 1, 103-115.
  4. عبد الوهاب محمد كامل (2009)، اتجاهات معاصرة في علم النفس، دار غريب، القاهرة
  5. مجمع اللغة العربية (2008): المعجم الوجيز، الهيئة العامة لمطابع الشئون الإدارية، القاهرة
  6.     لطفي الشربيني (2002)، معجم مصطلحات الطب النفسي، مركز تعريب العلوم الصحية- جامعة الدول العربية، الكويت
  7.   Wilson, T. (2002): Strangers to ourselves: discovering the adaptive unconscious. Includes the President and Fellows of Harvard Library of Congress Cataloging – in – Publication Data
  8.       Olah, A. (2004). Psychological immunity: A new concept in coping with stresses „ Applied Psychology in Hungary, 56, 149-189
  9. Kagan, H. (2006): The Psychological Immune System: A New Look at Protection and Survival. Indiana: Author House
  10.         Abelson, R., Frey, K., & Gregg, A. (2004). Experiments with people revelations from social psychology. Inc. Mahwah, NJ NJ 07430 Lawrence Erlbaum Associates, In Library of Congress Cataloging
  11. Barbanell, L. (2009). Breaking the Addiction to Please Goodbye Guilt. London: Littlefield Publishers
  12. –       Dubey, A., & Shahi, D., (2011): Psychological immunity and coping strategies: A study on medical professionals. Indian Journal Science Researches, 8 (1-2), 36-47
  13. عصام محمد زيدان (2013): المناعة النفسية، مفهومها، وأبعادها، وقياسها، مجلة كلية التربية، جامعة طنطا، ع51، ص:811-
  14. –   محمد أحمد دياب (2013): علم النفس الإيجابي، دار الزهراء، الرياض
  15. – أماني عادل سعد علي (2019): المناعة النفسية وعلاقتها بعوامل الصمود الأسري المدركة لدى أمهات الأطفال ذوي الإعاقة العقلية القابلين للتعلم، المجلة المصرية للدراسات النفسية، مج29، ع 104، ص 51-104
  16. –      رحمة تيسير العمري (2021): بناء مقياس المناعة النفسية لدى الراشدين في المجتمع الجزائري، رسالة ماجستير، جامعة العربي بن المهيدي-أم البواقي – كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة العربي بن المهدي
السابق
العلاج المعرفي السلوكي واضطراب القلق
التالي
مقياس قلق اللغة الفرنسية للتحميل

اترك تعليقاً