الإحصاء

نشأة علم الاحصاء وتطوره

نشأة علم الاحصاء وتطوره

إن محاوله التعرف علي البداية الحقيقية لـ علم الاحصاء ، و تتبع هذه البداية التاريخية يسوقنا إلي الأصل اللفظي لكلمه إحصاء (Statistics) في اللغة الإنجليزية والتي تعني بيانات الدولة ، فقد كانت كلمه إحصاء تستخدم فقط في الإشارة إلي هذه البيانات التي كانت تطلبها الدولة للأغراض الرسمية وتقوم بجمعها بطريقه منظمه

فقد بدأت الإحصاءات في صورتها المبكرة في ألمانيا نهاية القرن الثامن عشر في شكل محاوله ذات أغراض سياسيه لقياس القوه النسبية للولايات الألمانية المختلفة من خلال عقد المقارنات بين إمكانات كل ولاية من هذه الولايات من حيث السكن والإنتاج الزراعي والصناعي.

أما في إنجلترا فكانت الإحصاء بمثابه ميراث للحروب التي عاشتها إنجلترا ضد فرنسا ، حيث تبين أنه من الضروري البدء في إجراء جمع منظم للبيانات الكميه التي تمكن المصالح الحكومية من وضع توقعاتها الصحيحة و الدقيقة عن المصروفات والإيرادات.

وهكذا بدأ الإحصاء يأخذ مسارا واضحا ، وبدأ بتطور وينتهي بهذا الفرع من العلم الذي عرف باسم الإحصاء التطبيقي (Applied Statistics) الذي يزودنا بالمناهج والأساليب المنظمة بجمع و تحليل كميات ضخمه من البيانات الرقمية .

ملابسات ظهور علم الاحصاء:

وعلي الجانب الأخر بدأ علم الاحصاء يظهر نتيجة لمشكلات المقامرين التي جذبت اهتمام علماء الرياضيات ، فقد نتج عن الحوار الذي دار بين كل من الفيلسوف الرياضي باسكال، و الرياضي فبمرات حول سوء حظ أحد المقامرين المشهورين الذي إعتاد أن يربح في مراهناته في النرد ، وأدي هذا الحوار إلي وضع بعض مبادئ الاحتمالات.

وكتب الرياضي السويسري برنولي أول كتاب في الاحتمالات ، فقد كان لبرنولي اهتمام واضح في هذا الوقت المبكر بالإحصاء التطبيقي ، إذ تضمن كتابه إشارات واضحه وتعرض مباشره للإمكانات العلمية و الاستخدامات التطبيقية لنظريه الاحتمالات في مجال الظواهر الاجتماعية.

واستفاد الإحصاء من الإضافة الهامه في نظريه الخطأ مع بداية القرن التاسع عشر ، عندما بدأ عالم الفلك بازل في قياس و تصحيح الملاحظات لوضع المعادلة الشخصية التي تشير و تعبر عن إقرار مفهوم الفروق الفردية في علم النفس ، إلي التباين (الخطأ) الإنساني الذي تتضمنه كل المقاييس تماما.

وقد شارك عالم الرياضيات ماركيز لابلاس (Laplace) اهتمامات الفلكيين كتباينات الخطأ ، فقد ربط لابلاس نظريه الاحتمالات وخصائص التباين في خطأ المقاييس.

وبدأ الفلكي والإحصائي البلجيكي أدولف كالطليسة استخدام الطرق الإحصائية استخداما وصفيا في دراسة الإنسان ، و بدأت المحاولات منذ منتصف القرن التاسع عشـر لتطبيق النماذج الرياضية للمنحني الاعتدالي علي الأفراد و الظواهر الإنسانية ذات الطبيعة الاجتماعية.

ظهور علم الاحصاء الاستدلالي:

وقد أرسي كاثيلت مفهوم “الاستدلال الإحصائي” والذي يشير إلي إمكانيه الخروج باستدلالات عن المجتمع و خصائصه من خلال الدراسة لعينات صغيرة محدودة .

ويرجع الفضل الأكبر في تقدم و استخدام الإحصاء في العلوم الإنسانية إلي عالم النفس الإنجليزي فرانسيس جالتون (Galton) فقد أضاف في مجال الوراثة و علم النفس و الأنثروبولوجيا و الإحصاء،.

فقد تشكلت وتبلورت المفاهيم الخاصة بالارتباط في ذهن جالتون بوصفها نتيجة مترتبة علي مبدأ الانحدار نحو المتوسط الذي ظهر أثناء معالجته لظاهره الوراثة إلي أن جاء كارل بيرسون (Karl Person) تلميذ جالتون ، ووضع النظرية الأساسية للارتباط و أسسها الرياضية و استخدامها في مجال التحليلات التي طلبها جالتون.

وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر ، كان لجيمس كاتل (Cattle) عالم النفس الأمريكي الذي تتلمذ علي فوندت (Wundt) ووافق جالتون أثر علي دور في استخدام الأساليب الإحصائية في دراسة المشكلات النفسية و التربوية.

تطور علم الاحصاء في القرن الـ 20:

ومع بداية القرن العشرين كان اسهام عالم النفس تشارلس سبيرمان (Charles Spearman) في مجال استخدام الارتباكات أو مجموعه كبيره منها بين متغيرات مختلفة عندما نشر مقاله الشهير حول الذكاء العام تحديده و قياسه موضوعيا ، والذي أشار فيه إلي نظريه العاملين ووضع أسسها النظرية في مجال القدرات العقلية.

وقد تطورت في القرن العشرين أساليب و مناهج جديده في مجال إحصاء العينات الصغيرة علي وجه الخصوص ، ويرجع الفضل إلي الاحصائي الإنجليزي فيشر (R.A. Fisher) الذي طور الأساليب الإحصائية و طبقها في مجالات البحوث الزراعية و البيولوجية ، و لم يمر وقت طويل حتي عرفت هذه الأساليب و تطبيقاتها في العلوم الاجتماعية و النفسية و التربوية .

وفي ضوء هذا المسار التاريخي و الإضافات المشابهة و التطبيقات المختلفة التي فرضتها ظروف اجتماعيه معينه ، ابتكرت لمعالجه ظواهر نوعيه محدودة تطور الإحصاء.

ليصبح ما هو عليه الآن أسلوب علمي راسخ لا تتم معالجات و تحليلات دون الاستعانة والركون إلي نتائجه و تقديراته ، وما يحدد عن درجه يقين في صحه النتائج و التعميمات والاستدلالات التي تخرج بها.

تعريف علم الاحصاء:

يعتبر علم الإحصاء فرع من فروع الرياضيات التطبيقية ، إذ يقوم بجمع البيانات و تبويبها و تحليلها و استخلاص النتائج المختلفة منها ، و عرض هذه النتائج بطريقه تبرز بعض خصائصها.

لذلك يمكن تعريف علم الاحصاء بانه ذلك العلم الذي يقوم علي بحث و دراسة أي ظاهره نفسيه أو اجتماعيه أو تربوية أو نشاط معين أو مشكله حيوية ، و ذلك عن طريق جمع البيانات عن هذه الظاهرة أو مشكله موضوع الدراسة و عرضها و تبويبها بطريقه ميسره سهله تساعد علي سرعه فهمها والاستفادة منها للوصل إلي نتائج و قرارات سليمه لحل هذه الظاهرة أو المشكلة.

لعله يتضح من التعريف السابق لـ علم الاحصاء كيفيه استخدامه في أي مجال تطبيقي ، ففي مجال التربية و علم النفس يقوم الباحث بجمع البيانات (Data) المطلوبة عن عينه الأفراد أو بعض مظاهر السلوك .

و تبويب تلك البيانات ووضعها في صوره جداول و رسوم بيانيه تساعد علي توضيحها ، ثم تحليل هذه البيانات لتوضيح خصائصها المختلفة مثل معرفه أكثر الدرجات تكرارا من غيرها و مدي تمركز هذه الدرجات و قربها و بعدها عن نقطه التمركز ، و أخيرا عرض النتائج في صوره يمكن فهمها و تفسيرها.

مما سبق يمكن القول أن الإحصاء أسلوب علمي يعتمد علي مراحل متتابعة و متكاملة لدراسة ظواهر المختلفة . و جانب من هذه المراحل أو التحليل يسمي بالإحصاء الوصفي (Descriptive Statistics) و يهتم هذا الجانب من التحليل بمرحلتي تجميع البيانات و إعادة عرضها.

حتي يمكن استنتاج شكل عام لتغير الظواهر التربوية و النفسية و الاجتماعية والحصول علي لمقارنات و قيم نسبيه لها ، هذا بجانب تحديد مصادر البيانات التي تيم جمعها عن الأفراد عن طريق الاختبارات التحصيلية أو النفسية أو عن طريق الوثائق و المستندات الموجودة داخل مؤسسات الدولة أو الاعتماد علي البيانات التي سبق أن جمعها الآخرون.

أما عن الجانب الآخر من التحليل الإحصائي والذي يهتم بتقدير المخاطرة في اتخاذ القرارات باستخدام نظريه الاحتمالات و نظريه القرارات وتحليل وتفسير النتائج يسمي بالإحصاء الاستدلالي (Inferential statistics).

إذ تستخدم بعض الأساليب الإحصائية في اعطاء نتائج عن معالم المجتمع الأصلي مستخرجه من نتائج الدراسات و البحوث علي المجموعات الصغيرة (عينات) التي نفترض فيها أنها تمثل المجتمع الأصلي ، وامكانيه المقارنة بين عينتين أو أكثر في الظواهر النفسية والتربوية والاجتماعية علي السواء.

و الفصل بين الجانين (الوصفي و الاستدلالي) أمر لا يمكن حدوثه ، فالإحصاء الوصفي يمهد الطريق للإحصاء الاستدلالي ، فتبويب البيانات ووصفها و تمثيلها بيانيا يساعد الباحث علي انتقاء الأساليب الإحصائية الملائمة لهذه البيانات.

السابق
أهم تعريفات التفكير الناقد
التالي
تعريف التفكير الناقد ومهاراته