البيئة التعليمية بناء هندسي له أسسه وأركانه التي ينطلق منها عملية التخطيط أو البناء تصميم بيئة تعلم افتراضية، ويقصد بأسس تصميم وبناء بيئة التعلم الافتراضية بالمقال الحالي مجموعة المؤثرات والعوامل التي تتأثر بها عمليات تصميم البيئة في مراحلها المختلفة والتي تشمل (التخطيط والتصميم والتنفيذ والتقويم )، وتعد هذه المؤثرات والعوامل بمثابة المصادر الرئيسة لكافة الأفكار التربوية التي تصلح أُساسًا لبناء وتخطيط البيئة المناسبة، والتي ينبغي مراعاتها عند الشروع في عملية التخطيط والتصميم والبناء للبيئة التعليمية الافتراضية، ويتم استعراض تلك الأسس علي النحو التالي:
(أ) الأسس النفسية والسيكولوجية (Psychological) في تصميم بيئة تعلم افتراضية:
وهي المبادئ النفسية التي توصلت اليها دراسات وبحوث علم النفس حول طبيعة التلاميذ وخصائص نموهم ومتطلباتهم التعليمية وحاجاتهم وميولهم وقدراتهم العقلية واستعداداتهم النفسية، والفروق الفردية بينهم والعوامل التي تؤثر في تعلمهم وإدراكهم للأشياء، وحول طبيعة عملية التعلم التي يجب مراعاتها عند تصميم وانشاء البيئة التعليمية الافتراضية، لذا فإن على مصممي بيئات التعلم ومنفذيها قبل الشروع في بناء بيئة التعلم أن يكونوا علي علم ودراية شاملة بطبيعة وخصائص التلاميذ لكونهم محور العملية التعليمية ، وإن تقديم أي خبرات تعليمية لهم دون معرفة مسبقة بخصائصهم وحاجاتهم وميوله ومشكلاتهم تؤدي حتمًا الي الفشل في بلوغ الأهداف التي ترمي اليها البيئة التعليمية، ونظرا لأهمية هذا الموضوع فسوف يفرض له البحث الحالي محورا كاملا.
(ب) الأسس التكنولوجية (Technological) في تصميم بيئة تعلم افتراضية:
تستمد هذه الأسس التكنولوجية لبيئة التعلم الافتراضية من المعرفة بالعناصر والأدوات والتطبيقات والتكنولوجيات المستخدمة في تصميم بيئة التعلم، وتشمل معرفة خصائصها، وإمكاناتها ومحدداتها وكيفية استخدامها لدعم التعلم في البيئة الإفتراضية، ويوضح “هانافين” وزملاؤه (Hannafin et al., 1997) أن كل بيئة تعليمية يتم توفير ما يناسبها من مواد ووسائط ومصادر تعلم في ضوء ما لها من إمكانات وتستخدم بالكيفية التى تتكامل بها تلك الإمكانات مع شروط وخصائص التعلم، لذا يؤكد على أن توفير التكنولوجيات التعليمية تفيد أو تثرى بيئة التعلم إذا تكاملت إمكاناتها والطريقة التى تستخدم بها مع أسس نموذج التعليم/ التدريس المناسب، ويتفق ذلك مع ما يراه (ابراهيم الفار، 2018)، (مجدي مهدي، 2008)، (عبد اللطيف الجزار، 2006) من ضرورة فهم العلاقة بين تكنولوجيا التعليم وطريقة التعليم وعملية التعلم.
(ج) الأسس الاقتصادية البرجماتية (Pragmatic) في تصميم بيئة تعلم افتراضية:
ترتبط الأسس البرجماتية في تصميم بيئات التعلم الإفتراضية كما يوضحها “هانافين” وزملاؤه (Hannafin et al., 1997) باعتبارات تقدير (الكلفة مقابل العائد) من تصميم بيئات التعلم، وكذلك تقويم البدائل التعليمية وعمل دراسات الجدوى، لاختيار أفضلها وأقلها تكلفة، ويتماشى ذلك مع الآراء التى تؤكد على ضرورة مراعاة النواحي الاقتصادية في توظيف تكنولوجيا التعليم (فتح الباب عبد الحليم، 1991، 68)، (محمد سيف الدين فهمي، 1991، 47)، (على محمد عبد المنعم، 1997، 52)، ويؤكد (نبيل جاد، 2011)، (رضا القاضي، 2011)، (خالده عبد الرحمن، 2008) على أن تبنى معظم المستحدثات التكنولوجية في تصميم نظم وبيئات التعلم يتأثر بتلك الأسس الاقتصادية، فالأسس التكنولوجية تحدد ما هو متاح في ضوء الإمكانات، كما تحدد كيفية استخدامه؛ بينما تعكس الأسس والاعتبارات الاقتصادية المدى الذى يمكن الاختيار منه، فى ضوء تقدير الكلفة والعائد. وهذا ما تدعمه مبادئ نظرية (فوجان الحدود الدنيا للوسائط المتعددة) التي تنص على أن هناك حدود دنيا مقبولة لتحقيق أهداف التعلم بالبيئات التعليمية القائمة علي الوسائط المتعددة، فاذا كان من الممكن تحقق الأهداف المرجوة، من البيئة التعليمية، بأقل تكلفة، وأيسر جهد، واسرع وقت، فلا داع عندئذ للمغالاة في إنفاق أعلى، أو جهد مبالغ فيه.
(د) الأسس الفلسفية في تصميم بيئة تعلم افتراضية:
يتعين علي مصممي ومطوري البيئات الافتراضية أولاً أن يحدد الفلسفة التي سيتبناها عند تصميم وبناء البيئة الافتراضية. ونعني بالأساس الفلسفي لبيئة التعلم الافتراضية الإطار الفكري والتربوي والاجتماعي والاقتصادي المقبول داخل البيئة والذي يحدد المصممون من خلاله أنواع السلوك والمخرجات التعليمية التي يسعون إلى تحقيقها، ويتخذ من الأسلوب الفلسفي وسيلة للنظرة الكلية إلى العملية التعليمية من خلال بيئات التعلم الافتراضية بقصد تنظيمها وتوضيحها والتنسيق بين عناصرها وأدوات تصميميها وتوجيهها في خطة متكاملة شاملة، وبمعني اخر هو تطبيق الطريقة الفلسفية في تصميم وتطوير بيئات التعلم الافتراضية، والتغلب علي مشكلات التعلم من خلالها.
إن الأساس الفلسفي للبيئات الإفتراضية هو ذلك الجهد المنظم لمجموعة من العقائد، والقيم والمبادئ، والأفكار المنبثقة من ثقافة المجتمع، لتوجه التعلم ببيئات التعلم الإفتراضية وفقاً لحاجات وخصائص المتعلمين والمتغيرات والتطورات التكنولوجية، وإليها يرجع رسم الخطوط العريضة للمحتوي التعليمي، وتفسير نتائجه، ففى إطارها تتحدد الأهداف، ويختار المحتوى، وتنظم محتوياته ونشاطاته، وفى ضوئها تتم عملية التقويم، (نعيم حبيب 2012،75)، (هند الدليمي ،2018، 178).
(هـ) الأسس النظرية في تصميم بيئة تعلم افتراضية:
يشير كل من عادل سرايا (٢٠٠٧ – 2008)، وحسن نصر (2009)، وحـسـن الـبـاتـع (2010) الي ان مبادئ النظريات التعليمية تشكل ركيزة أساسية في توجيه التعلم، وتقدم الكثير من التوجيهات السديدة للمصممين والمطورين، وهي تنبع من فلسفة اوعدة فلسفات عامة، وتتبع خطوطها العريضة ومقاصدها العامة، ويقوم علماء التربية من حين لآخر بابداع أو إعادة صياغة المفاهيم الأساسية والمبادئ العامة لتكون في متناول يد المربين ليسترشدوا بها ويعيشوا على هديها، حيث تقدم لهم رؤية للممارسات التعليمية وقدرة على فحص المحتوي التعليمي، وتحسين وسائل وأدوات التعلم والتفكير بطرائق جديدة من شأنها تحسين البيئة التعليمية عمومًا.
ومن الصعب ان نؤسس ل تصميم بيئة تعلم افتراضية بدون الاستناد الي نظريات تعليمية واضحة وثابته، والا ستكون مجرد ممارسات حرفية لا علاقة لها بالعلم سرعان ما تزول مع التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي، حيث ان الأسس النظرية الواضحة والثابتة تضمن بقاء التعلم وتطوره واستمراره ، حتي مع التحول في الممارسات الفنية والتكنولوجية القائمة، لأنها علم مرتبط بشجرة المعرفة، وشجرة المعرفة باقية ومتطورة. (محمد خميس، 2012).
ومحصلة القول: أن أهمية التركيز علي أسس بناء وتصميم بيئة تعلم افتراضية ترجع الي أن البيئة تشتق مكوناتها (الأهداف، والمحتوي، الاستراتيجيات، والأنشطة وأساليب التقويم) من هذه الأسس، حيث تعد هذه الأسس بمثابة ركائز وراء تلك المكونات للبيئة الافتراضية، كما أنها تحدد وجهة البيئة وترسم ملامحها بما يخدم تعلم التلاميذ المعاقين سمعيًا، ويلائم خصائص نموهم، ويلبى حاجاتهم، إضافة الي أن التصميم الفعال يتوقف على مدى إلمام ووعى المصمم التعليمي (أخصائي تكنولوجيا التعليم) بتلك الأسس التى تشكل بنية بيئة التعلم، وغالبا ما يكتب للبيئة النجاح أو الفشل بمقدار مراعاة مخططي ومصممي البيئات التعليمية لهذه الأسس أثناء عملية التخطيط، مع الأخذ في الاعتبار أن تلك الأسس متكاملة، ومتداخلة غير منفصلة، وكذلك متفاعلة مع بعضها البعض، لتوجه كل عمليات البيئة الافتراضية تخطيطًا، وتنفيذًا، وتقويمًا.
