الصحة والإرشاد النفسي

التوجيه والإرشاد النفسي والفرق بينهما

جبل الإنسان قديما علي أن وقت الأزمات والمشكلات يلجأ إلي أصحاب الخبرة والدراية وأهل الثقة يستشيرهم في بعض أمور حياته التي يحتاج فيها إلي من يبصره بها ويرشده ويوجهه فيها من قبيل التوجيه والإرشاد النفسي، ويعتبر ذلك بداية ظهور التوجيه والإرشاد النفسي كفرع من فروع المعرفة.

ومع تعقد الحياة وتقدمها أصبح كل فرد منشغل بأمور حياته الخاصة، ولم يوجد عنده من الوقت ما يجعله يقوم يقوم بهذا الدور، بالإضافة إلي أن التوجيه والإرشاد في صورته القديمة قد يستغله المرشد لمصلحته ضد مصلحة عميلة لتشابك العلاقات وتداخل المصالح وتضاربها.

وبذلك بدأت الحاجة إلي ظهور فرع من فروع العلم جديد له نظرياته ويقوم علي أسس علمية مدروسة بعد أن كانت عملية عفوية. وخاصة بعد تعقد الحياة وتشابكها، والتقدم التكنولوجي فلم يعد التوجيه والإرشاد قاصرا علي مشكلات العميل وأزماته وإنما اتجه ليمتد ليتناول جميع مجالات الحياة، تربوية، ومهنية، وأسرية، وزواجية، واجتماعية، وأخلاقية.

وهذا بالإضافة إلي توجيه وإرشاد الأطفال، والمراهقين، والتلاميذ في اختلاف مراحلهم التعليمية …إلخ. ومشكلاتهم المختلفة ومنها مشكلات التكيف المدرسي، ومشكلات التأخر الدراسي، ومشكلات التعرف علي قدرات واستعدادات وميول التلاميذ، ومشكلات المناهج.

ومشكلات التوجيه والإرشاد نحو الدراسة المناسبة والتخصص المناسب، كل ذلك أدي إلي الحاجة لوجود الحاجة إلي التوجيه والإرشاد النفسي، فأصبح ضرورة اجتماعية، كما أصبح من الضرورة أن يمتلك المعلم أو القائم علي العملية الكفايات التدريسية التعليمية مقدمات عن هذا الفرع الحديث من علم النفس ليساعد به طلابه في حل مشكلاته المختلفة .

تعريف التوجيه والإرشاد النفسي

يقصد بالتوجيه والإرشاد النفسي: العملية الواعية المستمرة المخطط لها التي تهدف إلى مساعدة الفرد لكى يعرف نفسه، ويفهم ذاته، وجوانب شخصيته ( الجسمية، العقلية، الانفعالية والاجتماعية) مستعيناً بخبراته في تحديد مشكلاته وحاجاته.

أو هو عملية إرشاد وتوجيه الفرد إلي الطرق المختلفة التي يستطيع عن طريقها اكتشاف واستخدام إمكاناته وقدراته وتعليمه ما يمكن أن يجعله يعيش في أسعد حال ممكن، ليساعده في حل مشكلاته وتحقيق أهدافه في الحياة.

الفرق بين التوجيه والإرشاد:

التوجيه: هو الأسس العامة والنظريات التي يقوم عليها هذا العلم، وهو يسبق عملية الإرشاد ويمهد لها. وقد يحتاج الفرد للتوجيه المهني مثلاً بعد إرشاده نفسياً.

الإرشاد: هو الجانب التطبيقي أي العملية التي تتم بين المرشد والعميل.

والتوجيه والإرشاد النفسي: فرع من فروع علم النفس التطبيقي هدفه مساعدة الفرد فهم نفسه لتحقيق أهدافه في الحياة

الأسس التي يقوم عليها التوجيه والإرشاد النفسي:

  يوجد عدد من السمات أو الأسس التي يقوم عليها فرع هذا العلم:

  •  ثبات السلوك الإنساني نسبيا والتنبؤ به: أي أن استجابة الفرد لمثير ما هى غالبا ًنفس الاستجابة، ويمكن التنبؤ بالاستجابة، كما أن الأسس البيولوجية للسلوك واحدة، أى الدوافع الفطرية مثل دافع الجوع أو الجنس عند الجميع واحدة.
  • مرونة السلوك: رغم ثبات السلوك النسبي إلا أن السلوك يمكن تعديله وتغييره لذلك يستخدم التوجيه والإرشاد النفسي في تعديل وتغيير السلوك.
  • السلوك الإنساني فردي – اجتماعي: حيث يتأثر سلوك الفرد بالجماعة وهو مع الجماعة تبدو فيه أثر فرديته وشخصيته المستقلة، فمن الصعب الفصل بين سلوك الفرد والجماعة التي يعيش فيها.
  • استعداد الفرد للتوجيه والإرشاد: الإنسان بطبيعته يدرك أنه بحاجة إلي التوجيه والإرشاد من الآخرين ولا يتم ذلك بنجاح إذا لم يدرك الفرد أنه بحاجة إلي الإرشاد ولديه دافع ورغبة في ذلك
  • حق الفرد في التوجيه والإرشاد:  من حق الفرد علي الدولة أن تقدم له خدمة التوجيه والإرشاد لمشكلاته الشخصية أو التربوية أو المهنية أو الزواجية أو الأسرية، ويزيد هذا الحق لتوجيه وإرشاد الأطفال ومساعدتهم في حل مشكلاتهم خلال مراحل نموهم المختلفة، وخلال المراحل الدراسية المختلفة.
  • حق الفرد في تقرير مصيره:  ويأتي هذا من خلال أن الفرد هو أقدر علي معرفة نفسه حيث يقتصر دور المرشد علي تقديم مساعدة العميل علي الاستبصار بالمشكلة وحلها مع عدم تقديم الحلول الجاهزة للعميل.
  • الإرشاد عملية مستمرة : حيث تبدأ من الطفولة إلي الكهولة، يقوم بها الآباء في الطفولة ويقوم بها المدرس والمرشد في المدرسة، وعلي هؤلاء متابعة هذا التوجيه والإرشاد باستمرار.

الهدف من التوجيه والإرشاد:

  • يهدف إلي تحقيق الذات لدي الفرد، ونمو مفهوم الذات الموجب باعتبار الذات هي حجر الزاوية في الشخصية.
  • تحقيق التوافق سواء أكان ذلك توافق شخصي أو اجتماعي. بمعني أن يحقق الصحة النفسية للفرد.
  • إن الإرشاد النفسي هو تجسيد للعملية التربوية إذ يعمل علي أن يفهم الفرد نفسه وقدراته وميوله وإمكانياته ومشاكله وأن يتقبل الفرد نفسه رغم قصورها ليعيش كشخص متكيف منتج إيجابي، راض عن نفسه ومن ثم عن المجتمع الذي يعمل ويعيش فيه، فالإرشاد يهتم بكافة جوانب الفرد، بينما التربية التقليدية تهتم بالمعلومات والمعارف فهي بذلك قاصرة عاجزة.

بذلك ننادي بتنمية جميع جوانب الفرد حتي يستطيع أن ينهض بجميع المجتمع من هنا برزت فكرة المدرس المرشد الذي لا يقتصر في عمله علي الدور التقليدي.

المدرس كمرشد نفسي :

قد تعجز الإمكانات لدي كثير من الدول وخاصة النامية عن وجود المرشد المتخصص في جميع المدارس. من هنا كانت ضرورة ملحة وجود المعلم الذي يقوم بهذا الدور بجانب دوره الأساسي وذلك بعد تأهيله وتدريبه في الخدمة أو قبلهاــــ وأن يؤمن المدرس بأن الفرد كل متكامل عند النهوض به يجب مراعاة كافة الجوانب العقلية والاجتماعية والنفسية والجسمية .

وليس معني ذلك أن يترك المدرس عمله الأساسي إلي مهنة الإرشاد النفسي، وإنما يقوم ببعض طرق الإرشاد النفسي البسيطة مع طلابه، حتي ينهض بهم، وخاصة في المرحلة الأولي من حياة الطفل وكذلك مرحلة المراهقة.

ويتطلب ذلك من المعلم العلاقة مع طلابه والتعرف علي ظروفهم وكذلك العلاقة بالأسرة حتي يستطيع أن يقف علي ما في بيئة الفرد من أحداث ليتعرف علي مشكلات طلابه فيساعدهم علي حل هذه المشكلات ويبصرهم بأنفسهم .

وفكرة المدرس المرشد تقوم علي بعدين هامين هما :

  • أن المدرس هو محور العملية التربوية : فالمدرس هو أهم عناصر هذه العملية بل يمثل أكثر من 60% من مجموع هذه العناصر.  وبالتالي فعليه الدور الرئيسي والاساسي في العملية التربوية.

وبعد أن أصبح هدف التربية والتعليم النهوض بالتلميذ في كافة جوانبه ، صحياً وعقلياً ونفسياً واجتماعياً، والمدرس هو الممثل الرئيسي لوزارة التربية والتعليم تجاه الطلاب فعليه إذاً عبء تحقيق هدف الوزارة وهو جعل التلميذ وحدة متكاملة وتنمية جميع جوانبه .

  • هذا بالإضافة إلي تعقد الحياة وخروج الأم إلي العمل وانشغالها عن الأولاد معظم الوقت فكان من الضروري أن يتسع ويمتد دور المدرس في التوجيه والإرشاد النفسي ليسد القصور والعجز في دور الأسرة، وعلي المدرس أن يربط المنهج بحياة الطلاب ومشاكلهم وحاجاتهم الملحة وإلا أصبحت المدرسة في عصر غير العصر الحاضر .

 دور المدرس تجاه تلميذه :

  • إقامة علاقة طيبة مع تلاميذه، وخاصة التلميذ المشكل الذي في حاجة ماسة إلي إرشاد وتوجيه ومساعدة .
  • التحدث إلي التلميذ بود وقرب حتي يستطيع أن يكشف ميوله واتجاهاته وقدراته واستعداداته ليرشده علي بصيرة مع استخدام بعض المقاييس لمساعدة المعلم في هذا الشأن
  • الكشف المبكر عن مشكلات التلميذ حتي يمكن ارشاده وحل مشكلاته .
  • ملاحظة سلوك التلميذ، وليست هذه الملاحظة هدفا في حد ذاته بل هي وسيلة لمساعدته والتعرف علي مشكلاته، وتوجيهاته وارشاد، وتحقيق ذلك بصورة موضوعية .
  • أن المدرس أقرب الافراد إلي التلميذ: ذكرنا أن المدرس هو محور العملية التعليمية وأهم عناصرها، كما أنه أقرب الأفراد إلي التلميذ، وعن طريق القرب يستطيع أن يضيف الكثير ويغير ويعدل في سلوك التلميذ، يزيد هذا القرب لدي المدرس في المرحلة الأولي حيث مدرسي الفصل فيأخذ كل حصصه في فصل بعينه.

ويمكن أن يزيد القرب بين المدرس وتلاميذه لو أخذ المدرس في حسبانه هذه الاعتبارات :

  •  أن يساعد تلاميذه علي معرفة بعضهم البعض الآخر لكي يساعدهم علي تنمية الشعور بالانتماء.
  • استخدام الألعاب والأنشطة الأدبية والاجتماعية والرياضية ،،،،، إلخ وجعل طلابه يشاركونه في ذلك.
  • عمل لجان في الفصل الدراسي وذلك لحل مشكلات التلاميذ سواء أكانت مشكلات خاصة أم مشكلات عامة.
  • مساعدة التلميذ المستجد علي التعرف علي المدرسة وعلي الزملاء ليبدأ في تكيفه وتفاعله في المناخ الجديد.
  • تحديد وقت محدد ليوجه ويرشد فيه طلابه بالإضافة إلي إرشاده أثناء الدروس.
  • التعاون مع إدارة المدرسة لمساعدته في حل بعض المشكلات التي لا يستطيع حلها.
  • التعاون مع زملائه من المدرسين في نفس المدرسة وآباء التلاميذ حتي يساعدوه علي التوجيه والإرشاد النفسي لطلابه والنظرة إلي التلميذ ككل .
  • أن يكون المدرس لديه القدرة علي التوجيه والإرشاد والرغبة في ذلك ومما يجدر ذكره ان بعض المدرسين قاموا بهذا الدور بجانب عملهم الأساسي وذلك قبل ظهور فرع هذا العلم. لأن هذا النوع من المدرسين وشخصيته واستعداداته تؤهله للقيام بهذا الدور الإيجابي في توجيه وإرشاد تلاميذه .

فالمدرس المرشد يحتاج إلي تأهيل وتدريب ومعلومات في الجانب الإرشادي بالإضافة إلي قدراته واستعداداته وشخصيته التي تؤهله لذلك ورغبته الإيجابية في مساعدة تلاميذه وحل مشكلاتهم.

ويلاحظ أن المحور الرئيسي في إرشاد المدرس لتلاميذه هي: العلاقة الطيبة بين المدرس وتلميذه.

ويمكن إيجاد علاقة طيبة عن طريق ما يلي:

  • أن يبتسم المدرس ويرحب بالتلاميذ كل صباح ويلقي عليهم السلام. فالابتسامة من المدرس لها مردود نفسي إيجابي علي التلاميذ فهم ينشرحون لابتسامته.
  • أن يناديهم بأسمائهم ولا يقلل أو يحقر أحدهم فإذا شعروا معه بذاتهم تقبلوا منه التوجيه والإرشاد وزاد قربا منهم.
  • أن يقترب منهم ويجلس إلي جوارهم من حين إلي آخر فيشعرون بقربه منهم .
  • أن يتحدث إلي التلميذ أحيانا في شيء يهمه شخصيا مثل: يسأله عن أحد أفراد أسرته.
  • أن يتغاضى عن بعض هفوات التلميذ ولا يتمسك له علي الصغيرة والكبيرة .
  • أن يكون المدرس رحب الصدر فيما يقوله التلاميذ له.
  • مدح التلميذ لقيامه بنشاط ما مهما كان هذا النشاط بسيطا من وجهة نظر الكبار ثم توجيهه إلي العمل الأحسن .

مقارنة بين المدرس الأكاديمي والمدرس المرشد:

التوجيه والإرشاد النفسي
التوجيه والإرشاد النفسي

         البعض من المدرسين يعتقد أن دوره في العملية التعليمية ينحصر في تلقين المعلومات وشرحها داخل حجرة الدراسة وليس له دخل بمشكلات الطلاب أو الأنشطة المختلفة المرتبطة بالعملية التعليمية.

وهذا فهم قاصر حيث ينصب اهتمام المدرس بجانب واحد من جوانب شخصية الطالب وهو الجانب المعرفي ويترك باقي الجوانب معطلة في حاجة إلي توجيه وإرشاد.

فإن لم يجد الطالب التوجيه والإرشاد فقد يلجأ الطالب إلي اجتهاداته الشخصية أو أن يأخذ بعض خبرات زملائه وكل ذلك احتمال الخطأ في أكبر من غيره. فلا بد للطالب أن يكتسب خبرات شخصية وانفعالية ومهنية، واجتماعية، بجانب خبرات عقلية ومعرفية هذا بالإضافة إلي إشباع حاجاته وإظهار قدراته وإمكاناته واستعداداته.

وكل ذلك يمكن أن يتحقق عن طريق وجود طريق وجود علاقة طيبة بين المدرس والطالب تتميز بالتقبل والتعاطف والصداقة، وهي ما تسمي بالعلاقة الصحيحة السليمة،  ويمكن تمييز المدرس المرشد عن المدرس الاكاديمي بــــــ:

المدرس الأكاديمي :

  • المادة الدراسية لها الأهمية الأولي والأخيرة بالنسبة للمعلم الأكاديمي.
  • الاختبارات التحصيلية للمادة الدراسية هي التي تحدد عند المعلم مستويات الطلاب .
  • لو وجدت مشكلة لأحد الطلاب ناقشها علانية أمام باقي الطلاب .
  • اتصاله بالمنزل يكاد يكون معدوما أو نادرا .
  • ينشغل طول الوقت بالمادة الدراسية وطريقة وضع الامتحانات وكيفية حصول طلابه علي أعلي الدرجات فيها.      

المدرس المرشد  :

  • أن يهتم بجوانب شخصية الطالب مثل الجانب التحصيلي للمادة الدراسية.
  • درجات الاختبارات ليست المقياس الوحيد بل تشير كذلك إلي الحاجات الشخصية والعراقيل لدي الطلاب .
  •  يكثر من المقابلات الفردية لطلابه ويتناول من خلالها مشكلات الطلاب ليساعدهم في حلها بالتوجيه والإرشاد.
  •  مشكلات الطلاب لا تناقش علانية أمام زملائهم وإنما مع كل واحد علي حدة .
  • اتصالات كثيرة للطالب وزيارات متكررة للمنزل.

 ويمكن للمدرس المرشد أن يقوم بدوره في الإرشاد لطلابه من خلال بعض الجوانب وهــــي

  • المشاركة والتعاون في الأنشطة الطلابية وتولية المعلم قيادة بعضها.
  • المشاركة والتعاون في تخطيط الأنشطة التي تستثمر وقت التلميذ.
  • تقديم الحوافز للأنشطة والإنجازات الفردية حتي يتم تشجيع المتميزين في كل المجالات.
  • المشاركة في عملية تقويم التلاميذ، وتشخيص الحالات، وإحالة بعض الحالات إلي الجهات الصحية، أو النفسية العقلية .
  • المشاركة في تجهيز السجلات الإرشادية، ووضع البرامج التي تساعد في تحسين العادات
  • المشاركة في التخطيط التربوي المهني، وتشكيل المدرسين، ومتابعة الطلاب والإشراف عليهم.
  • المساعدة في اكتشاف أصحاب المشكلات التعليمية الخاصة ( السمع والبصر….) .
  • اكتشاف اهتمام وميول التلاميذ الخاصة .
  • المساعدة في تنمية العادات الصحيحة عند التلاميذ وتنمية الاتجاهات الحسنة لديهم.
  • تحقيق التوافق الشخصي للتلاميذ، والتوافق الدراسي.
  • مساعدة الطلاب في اكتشاف مواطن الضعف ومواطن القوة عند التلميذ وتقديم المعلومات اللازمة عن الطلاب لأولياء الأمور.
السابق
التعلم المنظم ذاتيا Self-Regulated Learning
التالي
تأهيل المعاقين مفهومه وأهدافه ومبرراته

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. التنبيهات : رسائل ماجستير في الإرشاد النفسي | معلومة تربوية

اترك تعليقاً