الصحة والإرشاد النفسي

الفرق بين العطف والتعاطف في الإرشاد النفسي

العطف والتعاطف في الإرشاد النفسي هما مصطلحان متقاربان حيث يظهر أحيانا أنه المصطلحين متداخلان بشكل كبير، حيث ميز “أوسب” بينهما على النحو الآتي:

  • يشير العطف إلى الوعي التام بمعاناة شخص أخر. ويمكن أن يظهر العطف من خلال الشعور بالشفقة والإلحاح في المساعدة وإن كان الشخص غير قادر على مساعدة الآخر، وقد يشير العطف إلى الرغبة في التخفيف من آلام الذات عندما تواجه المحن والمصائب.
  • تكون الذات في حالة التعاطف أداة لفهم الآخر ولا تفقد هويتها البتة.
  • ينصب العطف على الاتصال أكثر من الدقة في الاستدلال على أفكار الأخر ومشاعره.
  • ينشد المتعاطف في حالة التعاطف الوصول إلى الشخص الآخر، ليستبدل نفسه بالآخر. فالمتعاطف يعرف كيف يشعر لو كان هو الآخر، ويتصرف كما لو كان هو المستهدف بالتعاطف. وينشد من تعاطفه أن يفهم الأخر.
  • يستبدل العاطف في حالة العطف الآخر بنفسه؛ فالعاطف يعرف كيف لو كان الأخر هو، ويتصرف كما لو أنه الشخص نفسه، وينشد من عطفه على الأخر إسعاده.
  • إن الإشكالية الرئيسة للتعاطف تكمن في دقة التعاطف؛ فإنك ترى المتعاطف يراجع الأخر مرارة للتحقق من دقة إحساسه بمعاناة الآخر، ومشاركته له. في حين تكمن إشكالية العطف في أنه مجرد مفهوم حول كيفية اطلاع العاطف على واقع الخبرة الذاتية المباشرة للشخص لأخر [1].

كما ذكر أبراهام [2] أن التعاطف مع الآخرين يكمن وراء كثير من الأفعال والأحكام الأخلاقية؛ ومن أمثلة ذلك الغضب العاطفي الذي وصفه ستيوارد میل (Stuort Mill) أنه الشعور الطبيعي للثأر بناء على حكم العقل والعطف على أولئك الذين تعرضوا للإيذاء وجرحت مشاعرهم، فجرحت مشاعرنا معهم. وهناك بعض الشواهد على أن مستوى التعاطف الذي يشارك به الناس بعضهم بعضا يكون له أثره في أحكامهم الأخلاقية أيضا.

فقد كشفت الدراسات التي أجريت في ألمانيا والولايات المتحدة أن أكثر الناس إحساس بالتعاطف أكثرهم تفضيلا للمبادئ الأخلاقية التي تتحدد وفقا لاحتياجات الناس.

التعاطف الوجداني والتعلق العاطفي:

تعتبر سمة التعاطف الوجداني من أهم الصفات التي ينبغي توافرها لدى المرشد النفسي، كما تعتبر العامل الأساسي والفعال من أجل نجاح عملية الإرشاد النفسي.

وذكرنا أنها تدل على ضرورة تفهم المرشد للمسترشد، ومدى ما يشعر به من ضيق أو فرح، بحيث يكون صبورا في تعامله معه خلال الجلسات الإرشادية، وهادئا عند الاستماع إليه، ومشجعا على الحديث بكل حرية وصراحة، ويمتلك القدرة على الوصول إلى درجة الشفافية “Transparency” وهي العلاقة الحقيقية بين المرشد والمسترشد.

فكلما كان المرشد النفسي أكثر شفافية، ازداد انفتاح المسترشد في التعبير عن مشاعره وأحاسيسه في الكشف عن ذاته، وهذا ما يساعد المسترشد على إيضاح أفكاره، ومعتقداته، ودوافعه، ما يجعله أكثر قدرة على اتخاذ القرارات المهمة [3].

وعلى الرغم من أهميتها وضرورة توافرها، فإن الجو الإرشادي الذي تسيطر عليه ساعات الصمت والإفصاح عن المشاعر وخصوصا بعد تأسيس ضمان الثقة والسرية، فإن هذا يؤدي نوعا ما إلى توجيه المشاعر العاطفية التي يغلب عليها الطابع الجنسي، ويصبح هناك ما يسمى بحالة (التعلق العاطفي ذو المنحى الجنسي).

إن مشاركة العواطف والأحاسيس وتبادلهما، يعطي فرصة للمسترشد للإفصاح عن المكنونات، ولكن وصول هذه المشاعر إلى درجة (الحب) والتعلق هو المنحى السلبي الذي ينبغي مراعاته والالتفاف إليه جيدا.

وقد تحدث (بولبي) حول نظرية التعلق العاطفي (وهي تدل على ذلك النوع من التلاقي الإنساني الوجداني الذي يؤسس لروابط متفاوتة في قوتها ودوافعها) ونستطيع أن نستشف من خلالها جانبين لحالة التعلق العاطفي في العمل الإرشادي:

الجانب الأول: تعلق المسترشد بالمرشد عاطفيا (المرشد والمسترشد من جنسين مختلفين):

فعندما يحظى المسترشد بالقبول غير المشروط والرعاية ويلقي التقدير والاحترام من قبل المرشد، في علاقة إرشادية وثيقة، تكون لديه الطمأنينة القاعدية وينمو لديه المفهوم الإيجابي عن الذات والآخرين، وتنمو لديه ثقته بنفسه وبالأخرين بشكل أكبر، ثم تتحول هذه العلاقة وهذا التعلق إلى إقامة رباط عاطفي جنسي مستقل، وهذا ما يؤدي إلى علاقة سلبية من الناحية العاطفية الجنسية، ما يضع المرشد في حالة حيرة وارتباط، وربما سيضطر إلى إنهاء العمل الإرشادي قبل استكمال أهدافه [4].

الجانب الثاني: تعلق المرشد بالمسترشد عاطفيا:

عندما نقرأ هذا العنوان فإننا نقف حيال الدهشة، والاستغراب والتساؤل، ولكن عندما ندرس میدان التعاطف الوجداني، فإنه يتوجب علينا الالتفات إلى هذا الجانب وإن كان ضئيلا.

فإنه نتيجة للمؤهلات التي تقدم للمرشد النفسي، ونتيجة السمات التي لابد من توافرها في شخصيته بالإضافة إلى ضرورة احترامه لهذه المهنة وضرورة محافظته على كرامته، يتوجب عليه بناء علاقة إرشادية مهنية، لا تتدخل فيها معالم أو قيود العلاقات الشخصية، ولكن إذا حدث العكس، وتوجهت عواطف المرشد نحو المسترشد، مسوغة أن العواطف مستقلة عن منهج العقل والتفكير، وهي قد تتلمس طريقها لإشباع حاجة ما، من خلال جو يسوده الدفء والإعجاب.

ذلك أن المرشد يمكن أن يستقطب الحب والعاطفة من المسترشد الذي يشكل (موضوع الرغبة الجنسية) ويشعر نحوه بعلاقات عاطفية رقيقة. فهذا هو الجانب السلبي لحالات التعاطف الوجداني.

وبما أن الحياة مملوءة بالمواقف المثيرة عاطفيا، فكيف يستجيب المسترشد في هذه المواقف المثيرة بالمقارنة مع غيره من الناس. وبما أن عواطف المسترشد لیست قابلة للمحافظة بشكل واضح، فإنه ينبغي على المرشدين أن يجربوا بعض أشكال الاستدلال من استقرار واستنتاج ما يلاحظونه أو لا يلاحظونه من سلوك المسترشد عندما يقوم بوصف بعض المواقف الحياتية.

كما أن إلقاء نظرة ثانية على المفاهيم التي يعبر بها، تساعد المرشد على تقويم نوع العاطفة، وتميز ما إذا كان تعلقا عاطفيا أم لا، وبما أن قدرة المرشد على الاستجابة لعواطف المسترشد تعتمد على مدى الثقة التي تتم بها دراسة تلك الحالة بشكل استدلالي (استقراء، استنتاج)، فإن تقويم مشاعر المسترشد تقويم شاملأ يعد نشاطأ أساسية من نشاطات تلك المرشد وهدفا مهما من أهدافه [5].

وهكذا نجد أن حالة التعاطف الوجداني تختلف عن حالة التعلق العاطفي، فبينما الأولى تهدف إلى زيادة فهم المرشد الانفعالات المسترشد وأفكاره من خلال مشاركته لها، وبالتالي فهم الأساس الحقيقي لمشكلات المسترشد من أجل مساعدته على حلها في جو ملؤه الثقة والاحترام.

فإن الثانية تهدف لتوجيه المشاعر العاطفية التي يغلب عليها الطابع الجنسي، والتي تسعى لتحقيق حاجة ما، وذلك في جو تسيطر عليه مشاعر الحب والغرام المتبادلة، ويسوده الدفء والإعجاب، وهذا هو الجانب السلبي لحالات التعاطف الوجداني.

الفرق بين التعاطف والشفقة:

كما ميز بين العطف والتعاطف میز أيضا العلماء بين التعاطف والشفقة (Compassion) فالتعاطف قد يستخدم حسب المعالجين المهرة لتعزيز التواصل وتقديم الرعاية بينما الشفقة يمكن أن تكون العملية مرهقة عاطفيا، ويمكن أن تؤدي إلى نضوب في المشاعر والعواطف.

والتعاطف يعني شعورا مشتركا مع المتألم، وكأن الألم يشمل الجميع، ويمكن القول هنا، إذا كان من شأن الشفقة أن تحطم حدود الغربية لكي تتقل الفرد المتعاطف إلى الآخر الذي يتألم، فإن من شان التعاطف أن يشعر المتعاطف أن الأخر من حيث هو كائن بشري يملك قيمة مماثلة لتلك التي يملكها.

فالتعاطف ليس نتيجة مشاركة وجدانية في الألم والسرور فحسب، بل هو أيضأ كما يقول “شيلر” وظيفة حيوية هامة تشعر بأن ثمة تساوية في القيمة بين ذاتي، وانوات” الآخرين من حيث هم أشخاص مستقلين علي [6].

المراجع

  1. Wisp, L. (1986). The distinction between sympathy and empathy: To call forth a concept, a word is needed. Journal of Personality & Social Psychology. 50.314-321.
  2. Abraham, R. (1999).Emotional Intelligence in Organizations: A conceptualization. Genetic, Social&General Psychology Monographs. Vol.(125.209-226.
  3. الزعبي، أحمد محمد. (2003). التوجيه والإرشاد النفسي (أسسه، نظرياته، طرائقه، مجالاتها. دمشق: دار الفكر.
  4. بيك، آرون. (2000). العلاج المعرفي والاضطرابات الانفعالية. ترجمة: عادل مصطفی . غسان يعقوب. بیروت: دار النهضة.
  5. أيزنبرغ، شيلدون وديلاني. (2002). عملية الإرشاد النفسي. ترجمة: علي سعد وعدنان الأحمد. الطبعة الثانية. جامعة دمشق.
  6. إبراهيم، زكريا. (1972). فلسفة الحب. القاهرة: دار مصر للطباعة.
السابق
مفهوم التعاطف الوجداني (Empathy)
التالي
تعريف تنظيم الانفعال ومكوناته

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. olk قال:

    Greawt blog ribht here! Allso youur website soo much uup vefy fast!

    What web hos aree you using? Can I geet yyour associate hyperlink onn
    your host? I deskre mmy wweb siute loqded up as quixkly
    aas yours lol

اترك تعليقاً