الصحة والإرشاد النفسي

بحث كامل عن الصلابة النفسية بالمراجع

بحث كامل عن الصلابة النفسية بالمراجع

يُعد مفهوم الصلابة النفسية من المفاهيم الحديثة نسبيا، وهو من الخصائص النفسية المهمة للفرد كي يواجه ضغوط الحياة المتعددة والمتتالية بنجاح،  ولقد بدأت الدراسات في السنوات القليلة الماضية تتجاوز مجرد دراسة العلاقة بين إدراك الأحداث الضاغطة وأشكال المعاناة النفسية إلى الاهتمام والتركيز على المتغيرات المدعمة لقدرة الفرد على المواجهة الفاعلة أو عوامل المقاومة أي المتغيرات النفسية أو البيئية المرتبطة باستمرار السلامة النفسية حتى في مواجهة الظروف الضاغطة والتي من شأنها دعم قدرة الفرد على مواجهة المشكلات والتغلب عليها (مخيمر،1997، 275).

وكانت كوبازا (kopaza) من أوائل من وضع الأساس لمصطلح الصلابة النفسية، حيث لاحظت أن بعض الناس يستطيعون تحقيق ذواتهم وإمكاناتهم الكامنة برغم تعرضهم للكثير من الإحباطات والضغوط، لذلك فقد كانت ترى أنه يجب التركيز على الأشخاص الأسوياء الذين يشعرون بقيمتهم ويحققون ذواتهم وليس المرضى، ولقد اشتقت هذا المصطلح متأثرة بالفكر الفلسفي الوجودي الذي يرى أن الإنسان في حالة صيرورة مستمرة والذي يركز في تفسيره لسلوك الإنسان على المستقبل لا على الماضي، وأن دافعية الفرد تنبع أساسا من البحث المستمر النامي عن المعنى والهدف من الحياة (Maddi,2004). 

وعلى ذلك فقد نشأ مصطلح الصلابة النفسية كمجموعة من المعتقدات عن النفس في تفاعلها مع العالم من حولنا والتي تمدنا بالشجاعة والدافعية للعمل الجاد وتحول التغيرات الضاغطة المثيرة للقلق من مصادر للاضطراب إلى فرص محتملة ، وتحوي الصلابة النفسية ثلاث مكونات تعرف ب (3CS) وهي: (الالتزام، والتحكم، والتحدي) . 

مفهوم الصلابة النفسية: Psychological Hardiness

الصلابة النفسية لغة : 

     تعنى القوة والشدة (اللحام وآخرون، 2005، 421)، وفى الرأي: أصر علية. واتفق ابن منظور(1999، 297) مع هذا التعريف: صلب الشيء صلابة فهو صلب، وصلب أي شديد.

التعريف الاصطلاحي للصلابة:  

    يعود هذا المفهوم إلى كوبازا (kopaza,1979) حيث توصلت لهذا المفهوم من خلال سلسلة من الدراسات والتي استهدفت معرفة المتغيرات النفسية التي تكمن وراء احتفاظ الأشخاص بصحتهم النفسية والجسمية رغم تعرضهم للضغوط، ولقد  تعددت التعريفات والمعاني المتعلقة بالصلابة النفسية على النحو التالي : 

    عرفتها بو خالفة (2015، 17) نقلاً عن مادي بأنها  “نمط من المواقف والمهارات التي توفر الشجاعة والاستراتيجيات المناسبة لتحويل الظروف الصعبة والمحن إلى فرص للنمو والتطور وتعزيز الأداء والقيادة والسلوك والصحة النفسية “.

    كما تعرفها مادي (Maddi,2004,p.17) بأنها: بناء مكون من ثلاثة مركبات كالتالي الإلتزا، والتحكم، والتحدي تعمل معا على تحويل الظروف الضاغطة، أو المجهدة إلى فرص للنمو (Kalantar et al,2013).

    وترى البيدقدار(2011، 32) بأنها “قدرة الفرد على تجاوز الضغوط النفسية التي يتعرض لها عن طريق استخدامه للمعطيات المتوفرة في مجتمعه كالمساندة الاجتماعية”.

    ويُعرفها بروكس (Brooks,2005) بأنها: “قدرة الفرد على التعامل بفعالية مع الضغوط النفسية، والقدرة على التكيف مع التحديات والصعوبات اليومية والتعامل مع الإحباط، والأخطاء والصدمات النفسية، والمشاكل اليومية لتطوير أهداف محددة وواقعية لحل المشاكل والتفاعل بسلاسة مع الآخرين ومعاملة الآخرين باحترام واحترام الذات.”(عبد الرحمن بن عبد الجهني، 2011).

    وتٌعرفه كلاً من كوبازا وبيمز (Kobasa & Pimes, 1982 &1986) بأنها اعتقاد عام لدى الفرد بفعالية وقدرته على استخدام كل المصادر النفسية والاجتماعية والبيئية المتاحة كي يدرك ويفسر ويواجه بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة إدراكا غير محرف أو مشوه ويفسرها بواقعية وموضوعية، ومنطقية، ومتعايش معها على نحو إيجابي  (حسن، 2010، 61). 

    ويشير العتيبى (2008) بأنها: نمط من التعاقد النفسي يلتزم به الفرد تجاه نفسه وأهدافه وقيمه والآخرين من حوله، واعتقاد الفرد بأن بوسعه أن يكون له تحكُّم فيما يلقاه من أحداث، وأن ما يطرأ على جوانب حياته من تغيير أمر مثير وضروري للنمو أكثر من كونه تهديداً وٕإعاقة له. 

    كما يرى أنتوفسكي ( Antonovki) الصلابة النفسية بأنها: مصدر مقاومة يمكن من خلالها معالجة الآثار المحتملة للضغط (الحجار ودخان، 2006).

وبناءً على ما سبق ترى الباحثة أن اغلب التعريفات اتفقت حول كون الصلابة النفسية من الآليات التي تعين الفرد على التحكم في مجرى الأحداث التي تكون مصدر ضغط لديه، وهو بناء مكون من ثلاثة عوامل (الإلتزام، والتحكم، والتحدي). 

أبعاد الصلابة النفسية:  

  من خلال مراجعة للأدب التربوي المتعلق بمكونات الصلابة النفسية يمكن التوصل إلى ثلاثة أبعاد تتكون منها الصلابة النفسية على النحو الذي اقترحته كوبازا في دراستها  (kobasa,1979,2002) وهي كالتالي: 

أولا: الالتزام: (Commitment)

    هو نوع من التعاقد النفسي يلتزم به الفرد تجاه نفسه وأهدافه وقيمه والآخرين من حوله   (شهرزاد،2014، 123). كما أنه مصطلح يشير إلى إحساس الناس بروح تحمل المسؤولية نحو الآخرين والأحداث في حياتهم الزوجية والأسرية والاجتماعية والمهنية ( عبد العزيز،2010، 129). ولمكون الالتزام دور وقائي للصلابة بوصفها مصدرا لمقاومة مثيرات المشقة، وهو اعتقاد الفرد في حقيقة وأهمية وقيمة ذاته، ويمكن أن يتضح ذلك من خلال قيمة الحياة التي تكمن في ولاء الفرد لبعض المبادئ والقيم، واعتقاده أن لحياته هدفا ومعنى يعيش من أجلة (عباس،2010). 

أنواع الالتزام:  

    أشار كلً من كوبازا ومادي وبكسيتي (Kobaza,maddi & Puccetti,1958,p. 252) إلى أن الالتزام الشخصي أو النفسي يضم نوعين هما: (العبدلى، 2012، 24).

  • الالتزام تجاه الذات: ويٌعرف بأنه اتجاه الفرد نحو معرفة ذاته وتحديده لأهدافه وقيمه الخاصة في الحياة، وتحديد لاتجاهاته الإيجابية على نحو تميزه عن الآخرين. 
  • الالتزام تجاه العمل: ويُعرف بأنه اعتقاد الفرد بقيمة العمل وأهميته سواء له أو للآخرين، واعتقاده بضرورة الاندماج في محيط العمل وبكفاءته في إنجاز عمله ،وضرورة تحمله مسؤوليات العمل والالتزام بنظمه. 

وفي دراسات أخرى صنف الالتزام إلى ثلاثة أنواع هي كالتالى (راضي، 2008، 25؛ أبو ندى،2007؛  الصنيع ،2002، 92):    

  • الالتزام القانوني: ويتمثل في تقبل الفرد للقوانين الشرعية ثم الوضعية السائدة في مجتمعه وامتثاله لها وتجنبه مخالفتها .
  • الالتزام الديني: وهو التزام المسلم بعقيدة الإيمان الصحيح وظهور ذلك على سلوكه بممارسة ما أمر الله به والانتهاء عن إتيان ما نهى عنه .
  • الالتزام الأخلاقي: وهو اعتقاد الفرد بضرورة الاستمرار في علاقته الشخصية والاجتماعية، وهو التزاما داخليا يرتبط بالقيود الاجتماعية.

 ثانيا: التحكم: (control) 

   ويعنى الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرار والقدرة على المواجهة الفعالة للضغوط والأزمات (بدر، 2007، 130)، وٌيعرفه وايبwiebe, 1991) ) بأنة: اعتقاد الفرد بتوقع حدوث الأحداث الضاغطة ورؤيتها كمواقف وأحداث شديدة قابلة للتناول والتحكم فيها أو إمكانية التحكم الفعال فيها، ويظهر في اقتحام المشكلات لحلها والقدرة على المثابرة وعدم الخوف عند مواجهة المشكلات (عثمان،2001،210).   

    ويتضح من ذلك أن التحدي يتمثل في قدرة الفرد في التكيف مع المواقف الحياة الجديدة وتقبلها بكل ما فيها من مستجدات سارة أو ضارة، باعتبارها أمورا طبيعية لابد من حدوثها لنموه وارتقائه.

ويرى العتيبي( 2008) إلى أن التحكم يتضمن أربعة صور رئيسية هي: 

  • القدرة على اتخاذ القرارات والاختيار بين بدائل متعددة : ويحسم هذا التحكم المتصل باتخاذ القرار طريقة التعامل مع الموقف سواء بإنهائه أو تجنبه أو بمحاولة التعايش معه. 
  • التحكم المعرفي (المعلوماتي) واستخدام العمليات الفكرية للتحكم في الحدث الضاغط : وهو التحكم في الحدث الضاغط باستخدام الفرد بعض الاستراتيجيات العقلية مثل تشتيت الانتباه بالتركيز في أمور أخرى، أو عمل خطة للتغلب على المشكلة، وهو أهم صور التحكم التي تقلل من الآثار السلبية للمشقة إذا ما تم على نحو إيجابي.
  • التحكم السلوكي : وهو القدرة على المواجهة الفعالة وبذل الجهد مع دافعية كبيرة للانجاز والتحدي.
  • التحكم الاسترجاعي: ويرتبط بمعتقدات الفرد واتجاهاته السابقة عن الموقف وطبيعته، حيث يؤدي استرجاع الفرد لمثل هذه المعتقدات إلى تكوين انطباع محدد عن الموقف، ورؤيته على أنه موقف ذو معنى وقابل للتناول والسيطرة عليه.

    ولاشك أن من يتسم بقوة التحكم سيكون لديه اعتقاد بأنه يمكن أن يتحكم في أحداث  حياته ويحمل نفسه مسؤولية ما يحدث له من أجل التأثير فيما يحدث حوله ، حتى لو كان في سياق صعب، ويزعجه الإحساس بانعدام الحيلة والسلبية، ويميل للتصرف بطريقة تؤثر في أحداث الحياة بدلا من الشعور بالعجز عندما تقابله الشدائد والمحن.

 ثالثا :التحدي (challenge)

    يعني إعتقاد الفرد بأن التغيير المتجدد في أحداث الحياة بدلا من الإستقرار أمر طبيعي بل حتمي لابد منه لإرتقائه أكثر من كونه تهديدا لأمنه وثقته بنفسه، وسلامته (عليوي، 2012، 17). 

     ويُعرف توماكا وآخرون(Tomaka, et, al)  التحدي بأنه تلك الاستجابات المنظمة التي تنشأ ردا على المتطلبات البيئية وهذه الاستجابات تكون ذات طبيعة معرفية فسيولوجية أو سلوكية وقد تجتمع معا وتوصف بأنها استجابات فعالة (محمد ، 2009، 41).

      ويتضح مما سبق أن التحدي يتمثل في قدرة الفرد على التكيف والتعامل مع مواقف الحياة الجديدة بكل ما فيها من مستجدات سارة أو ضارة .

    وبناء على ما تقدم يتبين أن تلك المكونات الثلاثة تمثل كلاً متكاملاً لا يمكن الفصل بينها، تعمل كمتغير سيكولوجي يخفف من وقع الأحداث الضاغطة على الصحة الجسمية والنفسية للفرد مما يعطي دافعا وتشجيعا للتغلب على هذه الأحداث، وكما ترى “كوبازا” أن توفر هذه المكونات الثلاثة يرتبط بإرتفاع قدرة الفرد على تحدي ضغوط البيئة ، وتحويل أحداث الحياة الضاغطة إلى فرص للنمو الشخصي، وبالتالي لا يكفي مكون واحد ليمدنا بالشجاعة، والدافعية لتحويل نظرتنا للضغوط إلى نظرة أكثر إيجابية.

المراجع:

  • أبو ندى، عبد الرحمن. (2007). الصلابة النفسية وعلاقتها بضغوط الحياة لدى طلبة جامعة الأزهر بغزة. رسالة ماجستير منشورة، جامعة الأزهر، كلية التربية، غزة .
  • بو خالفة، سليمة.  (2015). الصلابة النفسية وعلاقـــــتها بالتحصيل الدراسي لدى عينة من طلبة التعليم الثانوي دراسة ميدانية ببعض ثانويات مدينة تقرت.  رسالة ماجستير، جامعة قاصدي مرباح ورقلة،  كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية . 
  • البيرقدار، تنهيد . (2011).  الضغط النفسي وعلاقته بالصلابة النفسية لدي طلبة كلية التربية جامعة الموصل. مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية، المجلد (11)، عدد) ١).
  • حسن، عبد الحميد. (2009). دراسة مقارنة بين الأطفال ذوي صعوبات التعلم والأطفال الأسوياء في المهارات الاجتماعية. مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية والنفسية، المجلد الأول، العدد الأول.
  • دخان، نبيل؛ والحجار، بشير (2006). الضغوط النفسية لدى طلبة الجامعة الإسلامية وعلاقتها بالصلابة النفسية لديهم”، مجلة الجامعة الإسلامية.  سلسلة الدراسات الإنسانية، مجلد (14)، عدد (2)، ص ص 369- 398.
  • راضي، زينب .( ٢٠٠٨).الصلابة النفسية لدى أمهات شهداء انتفاضة الأقصى وعلاقتها ببعض المتغيرات. رسالة ماجستير غير منشوره، كلية التربية، الجامعة الإسلامية، غزة 
  •  العبدلي، خالد. (2012). الصلابة النفسية وعلاقتها بأساليب مواجهة الضغوط النفسية لدى عينة من طلاب المرحلة الثانوية المتفوقين دراسيا والعاديين بمدينة مكة المكرمة. رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة أم القرى.
  • العتيبي، بندر. (2008). اتخاذ القرار وعلاقته بكل من فاعلية الذات والمساندة الاجتماعية لدى عينة من المرشدين الطلابيين بمحافظة الطائف. رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أم القرى، السعودية.
  • اللحام، محمـد وأخـرون. ( 2005 ). قـاموس لغـوي عـام “القـاموس عـربي، عـربي “. دار الكتـب العلميـة، الطبعـة الأولى، لبنان.
  • مخيمر، عماد. (2011). مقياس الصلابة النفسية . القاهرة، الأنجلو المصرية. 
  • Brooks, M. R. (2003). Health – Related Hardiness and Chronic Illness: A synthesis of Current Research, Nursing Forum, 38 (3), July – September, PP. 11-20.
  • Kalantar.J,Khedri.,A,Motvalian.,M.(2013).Effect of   psychological  H ardiness Training on Mental Heaith of Students,international Journal of Academic Research in Business and Social Sciences,3(3):68-37.
  • Kobasa, S. C. (1979). Stressful the events personality and health: An inquiry in hardiness”, Journal of Personality and Social Psychology, vol. 37, No. 1, pp.1-11.
  • Maddi,S. R.(2004).Hardiness:An operatinalization of Existential Courage,Journal of Humanistic psycholocgy 44(3)279-298.Martin, Merrell, Kenneth (1993). School Social Behavior Scales, Brandon Vermonth, Clinical Psychology Publishing Company.
السابق
أهداف علم النفس التربوي وأهميته
التالي
أهم طرق القياس في علم النفس

اترك تعليقاً