علم النفس

تشعب مذاهب و مدارس علم النفس

تشعب مذاهب و مدارس علم النفس

مر علم النفس في مرحلة هامة من مراحل تطوره ظهرت بوضوح شديد في الربع الأول من القرن العشرين حيث ظهرت مدارس علم النفس في أشكال متعددة كل منها له وجهة نظره من حيث النواحي التي يركز فيها الاهتمام، ومن حيث الطرق التي تتبع في الدراسة، ومن حيث النظريات التي اتخذت لتفسير السلوك.

ومن أهم مدارس علم النفس ما يأتي:

  1. المدرسة التكوينية.
  2. مدرسة الوظيفية.
  3. المدرسة الترابطية.
  4. المدرسة السلوكية.
  5. مدرسة الجشتالت
  6. مدرسة التحليل النفسي.
  7.  المدرسة الغرضية.

ولكي نفهم الأسس التي بنيت عليها تلك المذاهب يجدر بنا أن نصف الاتجاهات التي كانت سائدة في دراسة علم النفس حتى عام ١٩٠٠ – ومن أهم هذه الاتجاهات البحث في علاقة الجسم بالعقل مما عرف بالعلاقة الثنائية.

وقد تشعب الفلاسفة في آرائهم عن هذه الثنائية، فمنهم من قال بأن النشاط الجسمي آلي وأما النشاط العقلي فيختلف عنه من حيث ما يميزه من قدرة على التوجيه نحو أغراض معينة ومع ذلك فهناك دائماً تفاعل مستمر بين الجسم والعقل… ويمكن أن نسمي هؤلاء أصحاب نظرية التفاعل بين الجسم والعقل.

ومنهم من اعتبر النشاط الجسمي مستقلاً تماماً عن النشاط العقلي بحيث أن كلا منهما له محركاته ،وارتباطاته وكل ما هنالك هو أن النشاطين يسيران معاً جنباً إلى جنب في خطين متوازيين.

فالعلاقة بين الجسم والعقل إذن علاقة توازي من غير أن يكون هناك تداخل أو تفاعل بينهما. ويمكن أيضاً أن نسمي هؤلاء أصحاب نظرية التوازي بين الجسم والعقل.

ومن أهم الاتجاهات التي أثرت في تطور مذاهب علم النفس: الاهتمام بظاهرة المعرفة وما يرتبط بها من النواحي الحسية والفكرية من إدراك وتصوّر وتخيل مما يبدو واضحاً في فلسفة «جون لوك» و «هارتلي» و «هيوم»

ومن تبعهم من العلماء حيث تركز البحث حول الخبرات والمدركات العقلية وهل هي موروثة أو مكتسبة؟ فقال «لوك» بأن العقل يكون صحيفة بيضاء عند الولادة ثم تملأ هذه الصحيفة بالخبرات المكتسبة بالتدريج عن طريق الحواس التي تعتبر أبواب المعرفة.

وتتبع ذلك التفكير في دراسة الإحساسات وكيف ينتظم تكوينها في العقل مما أدى إلى ظهور فكرة تحليل الخبرات العقلية إلى عناصرها الجزئية الممكن ردها إلى أنواع الإحساسات المختلفة،

وقد سادت هذه النظرية العنصرية مدة طويلة قياساً على فكرة التحليل الكيميائي للمواد المختلفة إلى عناصرها الأولية… ولهذا يشار إلى هذا المذهب أحياناً باسم «مذهب الكيمياء العقلية.

وكان من الطبيعي أن يتطور البحث في فكرة ترابط هذه العناصر إلى المركبات العقلية والخبرات المعقدة، ثم القوانين التي يفسر بها هذا الترابط وأنواع هذه القوانين مما شغل العلماء والباحثين أمثال «جون مل» و هربارت» الذي أثرت آراؤه الترابطية في نظرياته في التربية وطرق التدريس.

وفيما يلي فكرة سريعة عن أهم مدارس علم النفس :

(۱) المدرسة التكوينية :

قامت هذه المدرسة من مدارس علم النفس في ألمانيا على يد «فنت» الذي كان عالماً. الفسيولوجيا. وبدأ في بحث الظواهر النفسية بالطريق التجريبية – وفي أمريكا كان «تتشنر» خير ممثل لهذه المدرسة.

وأهم ما يميز تفكير أصحاب هذا المذهب أنهم لم يعنوا بالسلوك. الظاهري بقدر ما كانوا يعنون بتحليل الخبرات الشعورية

وكانوا يعتقدون أن الحالات العقلية كالإحساسات والصور الذهنية والمشاعر الانفعالية هي هي التي تكون العقل الشعوري… ويرون أن الطريقة المثلى لإثبات ذلك هي طريقة التأمل الباطني.

وقد ساعد على انتشار هذه النظرة التكوينية ما كان يجري في العلوم الطبيعية من تحليل المركبات إلى مكوناتها كما يحدث في التحليل الكيمياوي إلى العناصر الأولية البسيطة مما كان يعرف باسم الكيمياء العقلية.

وقد كان لهذه المدرسة فضل كبير في تطور علم النفس إلى علم تجريبي مما ساعد على انفصاله عن الفلسفة

(۲) المدرسة الوظيفية:

لم يقبل بعض العلماء اعتبار الحياة العقلية مجرد عناصر ووحدات متجمعة ومتراصة مع بعضها. فلا يكفي ذلك لتفسير الحيوية والنشاط والتغير الذي يميز الحياة العقلية.

فقام جون ديوي» بأمريكا يؤكد أن علم النفس يجب أن يتجه إلى بحث الحياة العقلية من الناحية الوظيفية وهي التكيف مع البيئة مع ما يقتضيه ذلك من تعلم وتحسين لأساليب السلوك.

وقد كان لهذه المدرسة أثرها في تطور أساليب التربية والتعليم التي اهتمت بالفاعلية والنشاط ونظرت إلى المعلومات الدراسية المكتسبة لا من حيث كميتها ومقدارها وما يتجمع منها في ذهن التلميذ

ولكن من حيث أهميتها في تحسين السلوك وتنشيط العقل واكتساب الاتجاهات التي تساعد على حسن التصرف.

وممن اهتموا بهذه الاتجاهات أيضاً وودورت» الذي أكد أهمية العلاقة بين المثيرات المختلفة والرد عليها من حيث قيمتها في توجيه السلوك وملاءمته للمواقف.

وأهم ما يتضمنه هذا المذهب الاهتمام بالتفاعل الذي يحدث بين الكائن الحي وبين البيئة المادية والاجتماعية التي يعيش فيها، وما يتطلبه ذلك من كفاح عقلي للتغلب على مشكلات الحياة والوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي.

ويمكن القول بأن المدرسة الوظيفية قامت لتكميل المدرسة التكوينية بحيث تلافي أهم عيوبها، وهو ما توحي به من جمود وآلية للحياة العقلية إذا نظرنا إليها من الوجهة التكوينية الشكلية وحدها.

(۳) المدرسة الترابطية :

 قامت هذه المدرسة من مدارس علم النفس لتفسير السلوك باعتباره سلسلة متصلة من العمليات العقلية المترابطة التي يحدث بعضها في أثر بعض

ويرجع أصلها إلى تفسير علماء الفسيولوجيا للتصرفات الحسية والحركية باعتبارها سلسلة من التوصيلات المتلاحقة التي تنتقل في أجزاء الجهاز العصبي وأجهزة الحس والحركة.

وكان من أهم الباحثين من أنصار هذه المدرسة «مل» و «براون» اللذين وضعا قوانين الترابط للعمليات والمحتويات العقلية التي من أهمها: قانون الترابط بالاقتران

ويقول بأن حدوث شيئين في آن واحد أو مكان واحد يوجد في الذهن آثاراً يترتب عليها استدعاء أحدهما إذا أثير الآخر. وكذلك قانون التشابه وقانون التضاد – وغير ذلك من القوانين الثانوية : كقانون الأولية والحداثة والشدة والتكرار… الخ.

والمهم في هذا المذهب أنه يعتبر الحياة العقلية ليست مجرد عناصر مستقلة وإنما تقوم التصرفات العقلية على أساس ما يحدث من ترابط بين المكونات العقلية، سواء كانت هذه المكونات أفكاراً أو صوراً ذهنية وسواء كانت تصرفات حسية أو حركية..

وقد ساعدت هذه النظرية على تفسير عمليات التذكر والحفظ والتعلم وتكوين العادات وغير ذلك مما يعتمد على تكوين العلاقات بين الخبرات العقلية والمثيرات المختلفة أو بين الفرد والبيئة.

ويمكن اعتبار هذه المدرسة مكمّلة للمذاهب العنصرية والتكوينية والوظيفية أيضاً، كما أنها قد اتخذت أساساً للمدارس الأخرى مثل المدرسة السلوكية ومدارس التحليل النفسي.

(٤) المدرسة السلوكية :

ويرى أصحابها أن آراء المدرسة التكوينية والوظيفية لا تكفي لتفسير السلوك من حيث الاعتماد على طريقة التأمل الباطني وحدها. كما يقول السلوكيون بأن الحياة النفسية لا يمكن دراستها بمجرد تحليل الحياة الشعورية خصوصاً وأن من الصعب علينا أن نعرف ما يجري في نفوس الآخرين.

وإذن لا بد من الاعتماد على ملاحظة السلوك الظاهري والدراسة الموضوعية لتصرفات الكائن الحي كما تبدو لنا.

ويعتبر ثورنديك وواطسن من أهم زعماء المدرسة السلوكية الذين أخضعوا البحوث النفسية إلى التجريب والملاحظة لما يحدث من ظواهر نفسية.

ولذا اعتمدوا في الكثير من آرائهم على التجارب التي تجري على الحيوان كتجارب التعلم وتجارب الإدراك.

وقد فسر أصحاب هذه المدرسة كل الظواهر النفسية على أساس ما يبدو من السلوك الظاهري، وعرفوا علم النفس بأنه علم دراسة السلوك.

وقد بالغ بعضهم في تفسير السلوك على أساس كونه سلسلة الأفعال المنعكسة وما يحدث لهذه الأفعال من ترابطات، مما استدعى توجيه النقد إلى هذه الآراء لاتصافها بالجمود والآلية ولتجاهلها للكثير مما يحدث تفاعلات نفسية صرفة قد لا تظهر فيها نلاحظه على الغير من سلوك من ظاهري.

(5) مدرسة الجشتالت

وكلمة جشتالت معناها تكوين كلي أو تنظيم عام ـ وتقوم هذه المدرسة على أساس اعتبار السلوك وحدة كلية وليست مجرد أجزاء مترابطة ومتصلة ببعضها في تسلسل آلي وتعتبر هذه المدرسة أن الكل أكثر من مجرد مجموع مكوناته، وأن أي تغير في الجزء يتبعه تغير في الكل العام

وقد قامت نظرية الجشتالت بثورة على آراء المدرسة التكوينية كما لو كان مكوناً من عناصر جزئية منفصلة عن بعضها ومتجمعة بشكل يمكن تحليله

فكما أن المنزل يعتبر أكثر من مجرد مجموعة من قوالب الطوب المتراصة، فكذلك الخبرات النفسية ليست مجرد إحساسات ومشاعر وصور ذهنية متراصة بجانب بعضها.

وقد استمدت مدرسة الجشتالت بعض آرائها من العلوم الطبيعية كاعتبار الكائن الحي يعيش في مجال من القوى المؤثرة عليه والتي ينبعث بعضها منه وبعضها من البيئة فتشكل أسلوب السلوك.

وأهم مؤسسي هذه المدرسة ورثيمر» وتبعه «کهلر» و «کفکا» و «لفين» وكلهم من الألمان.

قد كان لتجاربهم وبحوثهم في الإدراك والتعلم أثر كبير في التربية وفي علم النفس التطبيقي كالنظر إلى شخصية التلميذ كوحدة والنظر إلى حالة الشخص المصاب بمرض نفسي نظرة كلية عامة تتناول كل ظروف حياته.

 (٦) مدرسة التحليل النفسي:  

وقد قامت بقيادة سيجموند فرويد أحد علماء الطب العقلي في فيينا الذي وجه الاهتمام إلى الحياة اللاشعورية على اعتبار أن الكثير من دوافع السلوك لا يمكن تفسيرها على أساس شعوري فقط..

وقد أكد «فرويد» أهمية الرغبات والحاجات النفسية وما ينتابها من مقاومة وما ينشأ عن ذلك من ضغط وكبت خصوصاً في أيام الطفولة حيث تنشأ الكثير من الدوافع اللاشعورية التي تؤثر في حياة الفرد المستقبلة.

وبينما أكد «فرويد» أهمية النواحي الجنسية في حياة الشخص نجد أن «أدلر» أكد أهمية الدافع إلى السيطرة وما ينتابها من صعوبات كأساس للاضطرابات النفسية… كما أن لـ «يونج» آراء أخرى في النظر إلى الاضطرابات النفسية.

وبرغم أن نظرية التحليل النفسي بدأت في ميدان الطب وعلاج المصابين بأمراض واضطرابات نفسية، إلا أنها تطورت إلى مدرسة عامة لبحث الكثير من نواحي علم النفس للعاديين وتفسير سلوكهم.

(۷) المدرسة الغرضية :

وتؤكد أهمية الغرض وتحقيق السلوك لأهداف معينة مما يميز السلوك الحيوي عن الحركة الآلية لغير الأحياء – و «مكدوجل» صاحب نظرية الغرائز هو قائد هذه المدرسة الغرضية.

ويعتبر «مكدوجل» أن سلوك الكائن الحي يبدأ بتغير معين أو دافع أو محرك، ويهدف إلى تحقيق غرض حيوي سواء كان الغرض واضحا في ذهن الكائن أو غير واضح سواء كان غرضاً بعيداً أو غرضاً قريباً.

وأغراض السلوك تتصل عادة بنواح حيوية هامة وذات قيمة بيولوجية ونفسية للكائن الحي. وإذن لا يصح الاكتفاء بالنظر إلى السلوك من حيث تحليله إلى عناصره الأولية أو من حيث الناحية الوظيفية وحدها. ولكن يجب أن نعتبر السلوك وحدة ترمي إلى تحقيق أغراض معينة.

وعلى ذلك يمكن تفسير السلوك من تغير وتكيف على أساس ما يصادف الكائن الحي في تحقيق الهدف الذي يسعى إليه أو إلى تغير في النظرة إلى ذلك الهدف أو إلى ظهور أهداف أخرى غير الهدف الأصلي وهكذا.

ولم ينكر «مكدوجل» أهمية أية طريقة من طرق البحث في علم النفس بل أكد أهميتها جميعاً، كما أنه لم ينكر أهمية ما في المدارس الأخرى لعلم النفس من آراء صحيحة كالنظرة إلى السلوك كوحدة كلية لا مجرد أجزاء والنظر إلى الوظيفة بجانب التكوين.

السابق
مرحلة التجريب والقياس وتطور علم النفس
التالي
تعريف الاضطرابات النمائية وأنواعها

تعليق واحد

أضف تعليقا

اترك تعليقاً