علم النفس

تعريف الإيجابية Positivity وخصائصها

تعريف الإيجابية Positivity وخصائصها

على مدى عقود عديدة تركز اهتمام علم النفس حول المشكلات والاضطرابات النفسية، دراسةً وتشخيصاً وعلاجاً، في حين أُهملت الجوانب الإيجابية Positivity في شخصية الانسان إلى حدٍ كبيرٍ.

ولكن مع نهايات القرن العشرين ومطلع الألفية الثالثة بدأ اهتمام علماء النفس يتوجه نحو مواطن القوة في الشخصية لاستثمارها لصالح جودة حياة الفرد وتنمية المجتمعات، وذلك في اطار ما يُعرف بعلم النفس الايجابي، وأصبحت سمات الشخصية الايجابية من أهم الموضوعات التي يتم تناولها في دراسات علم النفس [1].

وفي هذا السياق يُشيرSeligman (2002) إلى أن علم النفس لم يعد كما هو متعارف عليه سابقا،ً فلقد كان علم النفس – لاسيما بعد الحرب العالمية الثانية- يهتم أكثر بدراسة وعلاج الاضطرابات النفسية[2].

فركز على دراسة ومعالجة المرضى والمضطربين نفسياً متجاهلاً لفكرة أن الفرد قادر على تحقيق ذاته والقدرة على الإنجاز والارتقاء بالمجتمع، بالرغم من أن بناء القوة ودفع الفرد بالتعامل مع الأمور بإيجابية يُعد أكثر فاعلية في مجال العلاج النفسي.

وأوضحMiller (2008,591-680) أن التركيز المتزايد لعلم النفس بدراسة حالات الاضطرابات جعل نظرة الآخرين لهذا العلم بأنه علم لدراسة الجوانب السلبية عن الجوانب الإيجابية Positivity، وعلى الرغم من أهميتها، تم تجاهل أهمية الإيجابية في الحياة والتفاؤل والأمل والتفكير الإيجابي والتوكيدية وفاعلية الذات والسعادة والرضا وغيرها من الجوانب الإيجابية التي تؤثر إيجابياً في نمو الانسان[3].

ولقد أشار Seligman(2002,8)إلى أن تنمية الخصال الإيجابية في الشخصية أمراً ضرورياً للإنسان وحصناً وقائياً ضد الضغوط ونواتجها السلبية، كما أن لها دوراً في استثارة السعادة الحقيقية فهي من أفضل السبل للوصول للهناء والسعادة النفسية، وتخطى الفشل وتحمل الصعاب وتحرر الفرد من قسوة الماضي[4].

وتبعاً لذلك وضع  Peterson & Seligman(2004)تصنيفاً لخصال الشخصية الإيجابية تتضمن أربعاً وعشرين خصلة انبثقت من ست فضائل وهى: الحكمة- المعرفة- الشجاعة- الحب- ضبط النفس- السمو) وأن توظيف الإنسان لهذه الخصال يجعله يُحقق الرضا والسعادة الحقيقي[5]ة.

التطور التاريخي لـ الإيجابية:

وباستعراض التطور التاريخي لعلم النفس الإيجابي، يُشير مجدى عبد الله (2013) إلى أنه تم تأسيس علم النفس الإيجابي عام(1998) على يد العالم مارتن سليجمان ” Seligman ” رئيس الجمعية الأمريكية لعلم النفس.

فقدم سليجمان ” Seligman ” بمساعدة زميله” شيكزينتهميالي”  Csikiszentmihalyi”” مقالاً عنوانه ” علم النفس الإيجابي” وذكرا فيه أن الدور التقليدي لعلم النفس انحصر في دراسة الصفات السلبية في الشخصية الإنسانية مع اهمال الصفات الايجابية[6].

وأخذت الممارسات المهنية في السياق المرضي والارشادي والمدرسي نفس المسار، وهو الاهتمام بتخليص الأفراد من اضطراباتهم النفسية وحل مشكلاتهم السلوكية دون الالتفات إلى تنمية صفاتهم الشخصية الإيجابية وتطويرها.

ويُشير2009, 293)) Ernst, Gillham, Linkins, Reivich ,& Seligmam  إلى أن علم النفس الإيجابي ” Positive Psychology” هو تيار حديث في علم النفس يهتم بدراسة كل ما هو إيجابي، كما يهتم بدراسة الفضائل الانسانية، ومكامن القوة داخل النفس البشرية لتحصين الفرد من المرض.

لذلك تراجع الاهتمام بمفاهيم من قبيل المرض النفسي والعوامل المؤدية للاضطراب لصالح مفاهيم من قبيل الرفاهية النفسيةPsychological Well-being  والرضا عن الحياة Life Satisfaction والسعادة Happiness، والأمل Hope والتفاؤل Optimism والشجاعة Courage إلى غير ذلك من المفاهيم ذات الدلالات الإيجابية التي تُعزز من فرص جودة الحياة، متجاوزة مجرد الاكتفاء بالعادية والخلو من الأعراض المرضية[7].

        ويشمل علم النفس الإيجابي جانبين: الأول علمي والآخر تربوي، فيرىSeligman & Csikiszentmihalyi (2000) أن علم النفس الإيجابي كتخصص علمي يهتم بتحقيق هدف عام وهو فهم وتحديد العوامل التي تُمكن الأفراد والمؤسسات والمجتمعات من الازدهار.

وذلك من خلال توظيف أفضل الطرق العلمية في دراسة مشكلات البشر وتخليصهم من صور المعاناة النفسية أو المرضية لا بالتركيز عليها، بل التركيز على ما في الانسان من مكامن قوة وفضائل إنسانية إيجابية.

ويؤمن أنصار علم النفس الإيجابي بأن الكشف عن هذه المكامن والفضائل وتعهدها بالرعاية والتنمية، يفضي بذاته إلى فهم الانسان لذاته وحثه على تغيير طرق تفكيره السلبي في ذاته وفي العالم وفي الآخرين وبالتالي التخلص من أهم وأول مصدر من مصادر تعكير صفو الحياة، ألا وهو التفكير السلبي[8].

كما يُشير كلُ منTrejensen, Jacofsky, Froh, & Digiuseppe (2004,163-172) إلى أنه على الجانب التربوي فإن لعلم النفس الإيجابي دوراً فاعلاً في العملية التعليمية، وهو تنمية دافعية الطلاب وثقتهم بأنفسهم وتنمية الجوانب الإيجابية والانفعالية والابداعية لديهم وجعلهم أكثر تفاؤلاً وأملاً في المستقبل.

وهذا بدوره يؤثر تأثيراً إيجابياً في التحصيل والتفوق، لأنه يفتح أمامهم مجالاً للتركيز والإبداع والتحمل والثقة بالنفس والمرونة في التعامل مع المشكلات التي تُواجههم في عملية التحصيل.[9]

ونتيجةً لذلك، قدم سليجمان توجيهاً إلى علماء النفس للبحث عن الجوانب والقوى الإيجابية لدى الأشخاص كبديلاً عن البحث في تلك الجوانب السلبية أو المضطربة في الشخصية.

ويُشيرLittil & Littil (2004,155-162) إلى أنه تشترك جميع الدراسات المهتمة بجوانب الشخصية الإيجابية بأن نظرتها إلى الفرد تتصف بالتنظيم الذاتي والتوجه الذاتي والتكيف.

ويركز علم النفس الإيجابي على دراسة الجوانب والسمات الإيجابية من الشخصية الانسانية للفرد والتي تُساهم في تحسين جودة الحياة والشعور بالسعادة والإقبال على الحياة، وهذا بدوره يُسهم في تحقيق التوافق النفسي.

كما يكتشف علم النفس الإيجابي المبادئ والنواحي والسمات الإيجابية في شخصية الفرد والبحث عن مناطق القوة والتمييز في شخصية الفرد وتنميتها ورعايتها حتى تُصبح  بمثابة التحصين ضد ما يتعرض له من تهديدات وإحباطات في حياته اليومية[10].

مفهوم الإيجابية Positivity

تُشير سميرة شند(2008، 209) إلى أن مفهوم الإيجابية ” Positivity ” يُعد من المفاهيم ذات الأهمية في مجال الصحة النفسية، لعمقه وتعدد أبعاده، والاختلاف حول الأبعاد والمستويات الخاصة به[11].

كما يُوضح عبد الكريم بكار(2004) أن من الصعب العثور على تعريف جامع مانع للإيجابية، ولكن يُمكن القول أن هذا المصطلح يعني على نحو تقريبي درجة عالية من الفعالية الفكرية والشعورية والنفسية تترتب عليها وضعية حسنة من الطمأنينة والارتياح إلى جانب وضعية جيدة من الالتزام والانتاجية الممتازة بالإضافة إلى نجاح جيد في العلاقات الاجتماعية[12].

والشخصية الإيجابية: هي الشخصية المنتجة في كافة مجالات الحياة حسب القدرة والإمكانية، وهى الشخصية المنفتحة على الحياة والناس، وهى التي تمتلك النظرة الثاقبة وتتحرك ببصيرة، كما أنها تنظر إلى الإيجابيات في الأمور وتركز عليها، وهي الشخصية الصالحة المصلحة والخيرة، المقبولة عند الله والمحبوبة عند الإنسان(نعيمة الرفاعي،2014، 107)[13].

وقام كلُ من عادل الأشول، أميرة محمد، حسام هيبة(2016، 308) بتعريف الإيجابية بأنها: عملية دينامية متعددة الأبعاد تمكن المراهقين من امتلاك مهارات عقلية(حل المشكلات، مواجهة الأحداث الضاغطة، المثابرة) ونفسية(تقدير الذات المرتفع.

كما ـأن هناك وجهة الضبط الداخلية، (روح المرح والأمل) وروحية(الإيمان بقضاء الله، التفاؤل، المسئولية) واجتماعية(المساندة الاجتماعية، والتعاطف) مختلفة وفعالة تُعينهم على حسن التكيف والمواجهة والتصدي نحو مختلف الأحداث الضاغطة، وعوامل المخاطرة، والعودة للأداء الوظيفي فور حدوثها[14].

ويعرفها محمد عثمان(2010، 541) بأنها عملية دينامية ذات طراز فريد تتسم بكونها متعددة الأبعاد، ويتميز من يتصف بها بمزايا منها[15]:

  • القدرة على التوافق النفسي أو التكيف الجيد مع كافة التهديدات والضغوط بشتى صورها.
  • القدرة على استعادة الفاعلية والتعافي مرة أخرى بعد الانكسار أو الانهيار.

استنتاجات حول مفهوم الإيجابية

ومن خلال التعريفات المتنوعة السابقة للإيجابية  يمكن القول بأن تلك التعريفات تُشير في مجملها صراحةً أو ضمنًا إلى أن الإيجابية تتسم بعدة خصاص أهمها:

  • تُعد الإيجابية من المفاهيم التي تتصف بالعمق في مجال الصحة النفسية، وتتميز بتعدد أبعادها ومستوياتها، كما يوجد اختلاف بين الباحثين حول تلك الأبعاد والمستويات.
  • أن تعريفات الإيجابية وان كانت لا تذكر الخصائص السلبية إلا أنها تُعتبر أمراً متضمناً فيها لأن الخصائص السلبية للصحة النفسية لا تجتمع عادةً مع المظاهر الإيجابية، أي أن الصفات الإيجابية يعني تلقائياً غياب الصفات السلبية.
  • يترتب على الإيجابية تأثير فعال حقيقي، معنويًا كان أو ماديًا للأشخاص أو الممتلكات أو البيئات.
  • تتصف الخصائص الايجابية بأنها تثير قبول وإعجاب المحيطين مثل الآباء والمعلمين، ويترتب عليها آثار إيجابية نفسية أو اجتماعية.
  • أن مستويات الإيجابية تعبر عن سلوك تكيفي يتوافق مع السلوك المجتمعي المقبول. 

[1] سوزان صدقة عبد العزيز بسيوني(2011). التفاؤل والتشاؤم وعلاقتهما بالإنجاز الأكاديمي والرضا عن الحياة لدى عينة من الطالبات الجامعيات بمكة المكرمة. مجلة الإرشاد النفسي، ع28، 68- 114.

[2] Seligman, M. (2002). Positive Psychology, Positive Prevention, and  Positive Therapy. In “Handbook of Positive Psychology” by Snyder, C. R. & Lopez, Shane J.(eds.) Oxford University Press, New York.

[3] Miller, A. (2008). A Critique of positive psychology or the new science of happiness. Journal of Philosophy of Education, 42(3-4), 591-680.

[4] Seligman, M. (2002). Positive Psychology

[5] Seligman,M .,&Peterson,C. (2004). Character strengths and virtues: A handbook and classification. Washington, DC: A merican psychological Association.

[6] مجدى أحمد عبد الله (2013). مقدمة في علم النفس الايجابي. القاهرة: دار المعرفة الجامعية.

[7] Ernst,R., Gillham,J. , Linkins,M. Reivich,K., & Seligmam ,M. (2009). Positive education: Positive Psychology and classrom intervention. Oxford Review of Education, 35(3), 293- 311.

[8] Seligman,M., & Csikiszentmihalyi,M. (2002). Positive psychology: An introduction. American psychologist, 55,5-14.

[9] Trejensen,M.,Jacofsky,M.,Froh,J., & Digiuseppe,R. (2004). Integrating positive psychology into schools: Implications for practice. Journal of psychology in schools, 41(1), 163- 172.

[10] Littil,K.A., & Littil,S.G. (2004).A preventive model of school consultathon:Incorporating preventives from positive psychology. Journal of psychology in schools, 41(1), 155- 162.

[11] سميرة محمد إبراهيم شند(2008). فاعلية برنامج إرشادي انتقائي تكاملي في تنمية مكونات الايجابية لدى عينة من المراهقين. مجلة القراءة والمعرفة، ع75، 204- 266.

[12] عبد الكريم بكار(2004). مقومات الشخصية الإيجابية. مجلة البيان، ع 204، 1- 22.

[13] نعيمة جمال شمس الرفاعي(2014).  بعض المتغيرات النفسية المرتبطة بالشخصية الايجابية وأساليب تنميتها. بحوث وأوراق عمل المؤتمر العلمي الرابع: التربية وبناء الانسان في ظل التحولات الديمقراطية(من29 إلى 30) ابريل، كلية التربية، جامعة المنوفية، ، 105- 121.

[14] عادل أحمد عز الدين الأشول، أميرة محمد إمام محمد، حسام إسماعيل هيبة(2016). الخصائص  السيكومترية لمقياس المرونة الإيجابية لعينة من المراهقين. مجلة الإرشاد النفسي، جامعة عين شمس، ع 45، 305- 332.dailymotion.com/video/x89tnud

[15] محمد سعد حامد عثمان(2010). الخصائص السيكومترية لمقياس المرونة الإيجابية لدى الشباب الجامعي. مجلة كلية التربية، جامعة عين شمس، 34(2)، 539- 573.

السابق
تعريف الاضطرابات النمائية وأنواعها
التالي
تعريف التفاؤل Optimism في علم النفس

اترك تعليقاً