التربية الخاصة

مفهوم التأخر الدراسي وأنواعه

مفهوم التأخر الدراسي وأنواعه

يثير موضوع المفاهيم في مجال التأخر الدراسي كثيرًا من الجدل في أوساط الباحثين؛ إذ بمراجعة الأدبيات التي كتبت حول الموضوع ينكشف بوضوح عدم وجود تعريف عام متفقٍ عليه بين الباحثين والمربين وغيرهم من ذوي العلاقة, إضافة إلى حالة الخلط وعدم الوضوح في استخدام ألفاظ مختلفة للدلالة على القدرة أو الأداء غير العادي – ارتفاعًا أو انخفاضًا عن المتوسط – في مجال من المجالات.

ومن مظاهر ذلك أن “ارتبط التأخر الدراسي في ذهن البعض بمفاهيم خطأ كالتأخر العقلي أو الغباء, حيث يحكم بعض المعلمين وغيرهم على التلميذ المتأخر دراسيًا بالغباء والتأخر العقلي, وذلك لمجرد عدم فهمه أو بطء تفكيره أو قلة تحصيله للمادة العلمية مقارنة بزملائه العاديين, حيث يمكن أن يكون هناك تلميذ عادي من حيث الذكاء ولا يستطيع متابعة الدرس كبقية زملائه”([1]).

ولا يخفى أن هذا الوضع يزيد من تعقيد مهمة الباحثين والمربين في تحديد مفهوم التأخر الدراسي من الناحية التربوية.

ولعل اختلاف الباحثين في تحديد مفهوم التأخر الدراسي والمفاهيم المرتبطة به يعود بصورة أو بأخرى إلى اختلاف الاتجاهات النظرية والخبرات العملية التي ينطلقون منها؛ ففي حين يعرفه البعض من منظور نسبة الذكاء يعرفه آخرون بتدني التحصيل في الوقت الذي يربطه غيرهم بالتخلف العقلي, ويمكن تناول مفهوم التأخر الدراسي والمصطلحات المرتبطة به فيما يلي:

تعريف التأخر الدراسي:

تعرض مفهوم التأخر الدراسي في الأوساط التربوية الناطقة بالإنجليزية إلى كثير من سوء الاستعمال؛ فبعض التربويين استخدمه لوصف طائفة من ضعاف العقول, أو مجموعة التربية الخاصة, أو جماعة العاديين الأغبياء, أو الأطفال المتخلفين, أو مجموعة الحد الفاصل بين العاديين وضعاف العقول أو المعوقين أكاديميًا أو تربويًا, أو غير ذلك([2]).

فذهب البعض إلى أن التأخر الدراسي هو “انخفاض نسبة التحصيل دون المستوى المتوسط في حدود انحرافين معياريين سالبين”([3]), أو هو: “تدني مستوى التحصيل الدراسي للتلميذ في مادة دراسية أو أكثر عن زملائه ذوي المستوى العادي, من حيث القدرات العقلية ودرجات التحصيل الدراسي”([4]).

فقصر التعريفان السابقان التأخر الدراسي على انخفاض المستوى التحصيلي للتلاميذ دونما نظر إلى أسباب هذا التأخر, وأنواعه, وكيفية التعامل معه, وإن كان التعريف الثاني قد ألمح إلى أن هذا التأخر قد يكون في مادة دراسية أو أكثر.  

وأشار آخرون إلى أن التأخر الدراسي هو انخفاض أو تدني نسبة التحصيل الدراسي للتلميذ دون المستوى العادي المتوسط لمادة دراسية أو أكثر؛ نتيجة لأسباب متنوعة ومتعددة منها ما يتعلق بالتلميذ نفسه ومنها ما يتعلق بالبيئة الأسرية والاجتماعية والدراسية والسياسية, ويتكرر رسوب المتأخرين دراسيًّا لمادة أو أكثر رغم ما لديهم من قدرات تؤهلهم للوصول إلى مستوى تحصيلي دراسي يناسب عمرهم الزمني([5]).

أو هو “انخفاض في المستوى التحصيلي للتلميذ إلى الدرجة التي لا تسمح له بمتابعة الدراسة مع أقرانه مما يؤدي به إلى رسوبه وتكرار ذلك”([6]).

أو هو “حالة تأخر أو تخلف أو نقص أو عدم اكتمال النمو التحصيلي نتيجة لعوامل عقلية أو جسمية أو اجتماعية أو انفعالية, بحيث تنخفض نسبة التحصيل دون المستوى العادي أو المتوسط, وللأغراض التربوية يعرف إجرائيًا على أساس الدرجات التحريرية التي يحصل عليها التلميذ في الاختبارات في جميع المواد”([7]).

فأوضحت التعريفات السابقة أن التأخر الدراسي إنما يظهر في صورة تدني المستوى التحصيلي للتلاميذ المتأخرين دراسيًا مقارنةً بأقرانهم العاديين, ويستدل على ذلك مباشرة من خلال الدرجات التي يحصل عليها هؤلاء التلاميذ في الاختبارات الشهرية أو الفصلية أو السنوية للمواد الدراسية المقررة عليهم, ويترتب على ذلك تكرار رسوبهم في مادة دراسية أو أكثر.

أسباب التأخر الدراسي:

يرجع هذا الـتأخر إلى أسباب تتعلق بالتلميذ نفسه, أو تتعلق بعناصر بيئته المدرسية, أو بالبيئة الأسرية أو المجتمعية التي يعيش فيها.

وعرف آخرون التأخر الدراسي بأنه: “انخفاض مستوى تحصيل الطفل في مجال معين من المجالات الدراسية, أو في كل المقررات أو المجالات الدراسية المقررة عليه, وذلك قياسًا بالمستوى لأقرانه في مثل سنه وفي جماعته الثقافية, مما يترتب عليه عدم قدرة الطفل على القيام بالمهام الأكاديمية المحددة لسنه وصفه الدراسي”([8]).

أو هو: “الانخفاض في مستوى التحصيل الدراسي عن المستوى المتوقع في اختبارات التحصيل, أو الانخفاض عن مستوى سابق من التحصيل, أو أن هؤلاء الأطفال الذين يكون مستوى تحصيلهم الدراسي أقل من مستوى أقرانهم العاديين الذين هم في مثل أعمارهم ومستوى فرقهم الدراسية.

وقد يكون التأخر الدراسي تأخرًا عامًا في جميع المواد الدراسية, أو تأخرًا في مادة دراسية معينة, وقد يكون تأخرًا دائمًا أو مؤقتًا مرتبطًا بموقف معين, أو تأخرًا حقيقيًا يعود لأسباب عقلية أو غير ظاهر يعود لأسباب غير عقلية”([9]).

فأضاف هذان التعريفان إلى ما سبق أن أشارت إليه التعريفات السابقة أن للتأخر الدراسي أنواعًا متعددة؛ إذ قد يتعلق بمادة دراسية محددة تنخفض فيها نسبة تحصيل التلميذ المتأخر أو يتكرر فيها رسوبه, أو قد يتعلق بمجال دراسي معين؛ كالعلوم العربية, أو الشرعية, أو الثقافية مثلًا, وهو ما يعرف بالتأخر الطائفي.

أو قد يتعلق بجميع المواد الدراسية المقررة, وهو ما يسمى بالتأخر الدراسي العام, والذي يعود – في الغالب – إلى أسباب عقليةٍ أكثر منها مدرسية أو أُسْرية أو مجتمعية, وقد يكون التأخر الدراسي مؤقتًا يرتبط بموقف مشكل أو خبرة سيئة مر بها التلميذ أثرت عليه سلبًا.

كما قد يكون تأخرًا دائمًا في سنوات دراسية متعددةٍ, متواليةٍ أو متفرقةٍ, وقد يكون التأخر الدراسي ظاهرًا يعود بشكل مباشر لأسباب عقلية مرتبطة بالتلميذ المتأخر نفسه, أو غير ظاهر يعود لأسباب خارجية مدرسية أو مجتمعية.

كما ألمح التعريف الثاني من التعريفين السابقين إلى أن التأخر الدراسي لا يستدل عليه من خلال مقارنة المستوى التحصيلي للتلميذ المتأخر دراسيًا بالمستوى التحصيلي لأقرانه العاديين في نفس المرحلة العمرية والتعليمية فقط, وإنما يُستدل عليه أيضًا من خلال مقارنة المستوى التحصيلي للتلميذ المتأخر دراسيًا نفسه بمستواه التحصيلي في فترة سابقة أو لاحقة.

ويرى البعض

أن التأخر الدراسي ظاهرة تعبر عن فجوة أو عدم تناسق في الأداء المدرسي بين ما هم متوقع من الفرد وبين ما ينجزه فعلًا من تحصيل دراسي, فالتلميذ الذي يتأخر تحصيله الدراسي بشكل واضح رغم أن إمكاناته العقلية واستعداداته تؤهله لأن يكون أفضل من ذلك يقال: إنه متأخر تحصيليًا.

أي أن التأخر الدراسي والتحصيلي هنا لا يرجع إلى نقص قدرات التلميذ, وإنما قد يرجع إلى أسباب أخرى, فهو إذن معوَّق بيئيًا أو ثقافيًا وليس معوقًا ذاتيًا([10]).

فركز هذا التعريف في إيضاح مفهوم التأخر الدراسي على المقارنة بين الأداء المتوقع من التلميذ إنجازه تحصيليًا في ضوء إمكاناته وما يتمتع به من قدرات مؤهلة, وبين ما ينجزه فعلًا في الواقع التعليمي من تحصيل دراسي.

وعليه يعود سبب تأخر التلميذ دراسيًا حال تمتعه بقدرات عقليةٍ ملائمةٍ مساعدةٍ على الإنجاز والتقدم الدراسي إلى عوامل بيئة أسرية مدرسية أو ثقافية مجتمعية, ويكون من الخطأ وقتئذٍ – لمعالجة التأخر – قصرُ الاهتمام على التلميذ نفسه دونما نظر إلى العوامل المدرسية أو المجتمعية المؤثرة.

وقيل إن التأخر الدراسي هو: “انخفاض واضح في مستوى التحصيل الدراسي للتلميذ, يحدث في معظم المواد الدراسية على الرغم من أنه يتمتع بدرجة ذكاء تقع في المتوسط أو أعلى من ذلك, ويمكنه متابعة تعليمه إذا ما قدمت له الخدمات التربوية المناسبة”([11]).

ويؤكد هذا التعريف على ما أشار إليه التعريف السابق من أن التأخر الدراسي يتحقق حين يتدنى المستوى التحصيلي للتلميذ في المواد الدراسة المقررة عليه في الوقت الذي يتمتع فيه بقدرات عقلية مؤهلة للإنجاز, وأضاف هذا التعريف أن التلميذ المتأخر دراسيًا يحتاج لمواصلة تقدمه التعليمي إلى برامج تربوية مناسبة إرشادية أو علاجية, تقف على الأسباب الحقيقية للتأخر وتقدم في ضوئها الحلول المناسبة.

تعريفات أخرى للتأخر الدراسي

وذهب البعض إلى أن المتأخرين دراسيًا هم: التلاميذ الذين يتأخرون بشكل ملحوظ في تحصيلهم الدراسي في بعض أو معظم المواد الدراسية, بمعدل أكثر من سنة دراسية مقارنة بمستوى تحصيل أقرانهم في الصف الدراسي نفسه, وتتراوح حالات التأخر بين الحالات المؤقتة أو العرضية التي تزول بزوال أسبابها والحالات المزمنة التي قد تستمر طوال سنوات الدراسة, وذلك بحسب العوامل المؤدية إلى التأخر([12]).

ويلاحظ على هذا التعريف أنه قصر التأخر الدراسي على تدني التحصيل في بعض أو معظم المواد الدراسية بمعدل أكثر من سنة دراسية, فأبعد بذلك التلاميذ متدني التحصيل في عام دراسي واحد عن دائرة المتأخرين دراسيًا, وفي هذا إشارة إلى أن التأخر الدراسي ظاهرة تتميز بالثبات النسبي.

حيث يعاني التلميذ منها مدة عامين دراسيين على الأقل تزيد عن ذلك قليلًا أو كثيرًا حسب شدة حالة التأخر, وحسب الطرق التربوية المتَّبَعَة في التعامل معها.

كما أن تدني التحصيل قد يرجع في الغالب حين يكون في مدةٍ أقل من عامين إلى عوامل طارئة عارضة؛ كظروف مرضٍ أو سفر أو نحوها, وهي ظروف لا تُدخِل صاحبَها في نطاق المتأخرين دراسيًا, ويلاحظ على التعريف السابق أيضًا أنه لا يعتبر تدني المستوى التحصيلي للتلميذ مقارنة بمستواه السابق داخلًا في مفهوم التأخر الدراسي ما لم يتحقق هذا التدني بمقارنة المستوى التحصيلي للتلميذ مع أقرانه في الصف الدراسي نفسه.

استنتاجات التعريف:

وفي ضوء ما سبق من تعريفات للتأخر الدراسي يمكن استخلاص ما يلي:

  • يمثل التأخر الدراسي انخفاضًا ملحوظًا في المستوى التحصيلي للتلاميذ في مرحلة تعليمية معينة.
  • يُوقف على التأخر الدراسي بمقارنة المستوى التحصيلي للتلميذ بأقرانه في نفس السن والمرحلة التعليمية, أو بمقارنة المستوى التحصيلي للتلميذ نفسه بمستواه في فترة سابقة.
  • يتحقق التأخر الدراسي حين يتدنى المستوى التحصيلي للتلميذ عما يتمتع به فعلًا من قدرات عقلية متوسطة أو فوق المتوسطة.
  • يُستدل على التأخر الدراسي في المجال التربوي من خلال الدرجات التي يحصل عليها التلميذ في الاختبارات التحصيلية التي يعجز أو يصعب عليه اجتيازها, وما يترتب على ذلك من الرسوب في مادة دراسية أو أكثر في عام دراسي أو أكثر, وعليه يمكن اعتبار التأخر الدراسي مفهومًا فرضيًا لا يرى مباشرة, وإنما يُستدل عليه من خلال نتائجه وما يترتب عليه من آثار.
  • تتعدد أنواع التأخر الدراسي؛ فيأتي نوعيًا مرتبطًا بمادة دراسية معينة كالحساب مثلًا, أو طائفيًا متعلقًا بمجال دراسي معين كالعلوم العربية مثلًا, أو عامًا متعلقًا بجميع المواد الدراسية, وفي كلٍ إما أن يكون مؤقتًا يرتبط بموقف أو سبب معين يزول بزواله, أو دائمًا يرتبط بعوامل عقلية خاصة بالتلميذ المتأخر نفسه.
  • يعود التأخر الدراسي لأسباب تتعلق بالتلميذ نفسه (جسمية – عقلية – انفعالية), أو تتعلق بالبيئة الأسرية, أو المدرسية, أو المجتمعية التي يتعامل معها التلميذ ويتأثر بها.
  • يحتاج التأخر الدراسي لمواجهته إلى برامج إرشادية تربوية مناسبة, تنطلق من الأسباب الحقيقية للتأخر الدراسي, وتضع الحلول الملائمة له في ضوء ذلك.

([1]) هدى عابدين حامد الدرديري: الحاجات النفسية للتلاميذ المتأخرين دراسيًا بمدينة الأبيض وعلاقتها بأساليب المعاملة الوالدية والمستوى الاقتصادي الاجتماعي, رسالة دكتوراه غير منشورة, كلية الآداب, جامعة الخرطوم, 2010م, ص ص 90– 91.

([2]) حامد عبد العزيز الفقي: التأخر الدراسي تشخيصه وعلاجه, ط3, القاهرة, عالم الكتب, 1974م, ص11, وانظر: مدحت عبد الحميد عبد اللطيف: الصحة النفسية والتفوق الدراسي, الإسكندرية, دار المعرفة الجامعية, 1999م, ص 107– 108.

([3]) حامد عبد السلام زهران: مشكلات الطفولة والمراهقة, ط5, القاهرة, عالم الكتب, 1995م, ص ص 474 – 475.

([4]) أسماء خويلد: التأخر الدراسي مفهومه أسبابه علاجه, ع1, مجلة التربية والابستيمولوجيا, المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة, الجزائر, 2011م, ص158.

([5]) يوسف دياب عواد: سيكولوجية التأخر الدراسي, عمان, الأردن, دار المناهج, 2006م, ص27.

([6]) عبد الباسط متولي خضر: الإرشاد النفسي الغائب عن مدارسنا ودوره في علاج مشكلة التأخر الدراسي, مج2, المؤتمر العلمي الرابع لقسم أصول التربية كلية التربية جامعة الزقازيق “أنظمة التعليم في الدول العربية التجاوزات والأمل”, 5 – 6 مايو 2009م, ص127.

([7]) عبد الرحمن محمد العيسوي: مشكلات الطفولة والمراهقة أسسها الفيسيولوجية والنفسية, بيروت, دار العلوم العربية, 1993م, ص24.

([8]) عادل عبد الله محمد: مقدمة في التربية الخاصة, سلسلة غير العاديين (7), القاهرة, دار الرشاد للطبع والنشر والتوزيع, 2010م, ص346.

([9]) محمد صبحي عبد السلام: صعوبات التعلم والتأخر الدراسي عند الأطفال, القاهرة, اقرأ للنشر والتوزيع, 2009م, ص11.

([10]) فرج عبد القادر طه: معجم علم النفس والتحليل النفسي, بيروت, دار النهضة العربية, ب ت, ص85.

([11]) عبد الفتاح عبد المجيد الشريف: التربية الخاصة وبرامجها العلاجية, القاهرة, مكتبة الأنجلو المصرية, 2011م, ص176.

([12]) عبد المطلب أمين القريطي: سيكولوجية ذوي الاحتياجات الخاصة وتربيتهم”, مرجع سابق, ص503.

السابق
خصائص الرعاية الاجتماعية كنظام اجتماعي
التالي
المتأخرين دراسيًا وذوي صعوبات التعلم

اترك تعليقاً