الصحة والإرشاد النفسي

الوسواس القهري Obsessive-compulsive disorder

الوسواس القهري Obsessive-compulsive disorder

لقد تطور مفهوم الوسواس القهري بشكل تدريجي من خلال نتائج الملاحظات الإكلينيكية التي تمت في بداية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

ومن خلال هذه النتائج أمكن تحديد مجموعة من الخصائص لهذا الاضطراب لها درجة عالية من الثقة بعد أن تم اختبارها وتطبيقها.

وقد وصف أفلاطون في جمهوريته مرضى الوسواس القهري بأنهم دائمي الفكر والحلم في أمراضهم [1]. وقام اسكويرول في عام ۱۸۳۸لأول مرة قبل حوالي المائة والخمسين عاما بوصف أعراض الوسواس القهري بشكل دقيق إلى حد ما [2].

وفي فرنسا قام الطبيب الفرنسي موریل Morel عام ١٨٦٦ بإطلاق اسم الوسواس على الأفكار التي تسيطر على الفرد رغما عنه ولا يستطيع إبعادها أو التخلص منها.

ووصف جانيه janet عام أعراض الوسواس القهري تحت مصطلح السيكاثينيا والتي تضم كل من الوساوس والقهر Obsession & compulsion والفوبيا وحديثاً تم استبعاد الفوبيا في المعاجم السيكولوجية عن الوساوس القهرية.

وبدأ تعريف الوساوس القهرية والأفعال القهرية على أنهما وجهان لمرض واحد وإن كان من الممكن أن يوجد لدى الفرد الوساوس فقط دون الأفعال القهرية ،لكن في الغالب إذا وجدت الأفعال القهرية وجد معها الوسواس لدى المريض نفسه[3].

وكما اعتاد الغربيون فإنهم يعزون كل تطور علمى ويرجعون بداياته إلى علمائهم متناسين كل الذين سبقوهم في وضع الملاحظات والإشارة إلى أمور لم ينتبه أحد لها من قبل.

وفي موضوع الوساوس القهرية هناك إسهامات للعلماء العرب كانوا سباقين فيها، حيث قدم أبو زيد البلقي (٨٥٠-٩٣٤) وهو أحد علماء العالم الإسلامي علاجاً معرفياً سلوكياً للوسواس، واستخدم طرقاً مشابهة لما استخدمه (ولبي ولازاروس).

وذكر ابن سينا (۹۸۰-۱۰۳۸) في كتابه الشهير (القانون) علاجاً لاضطراب الوسواس القهري، وكتب ابن قدامة المقدسي (١١٥١-١٢٠٩) رسالة صغيرة تحت عنوان (ذم الموسوسين)[4].

ويتميز الوسواس القهري بعدم امتداده عند العاديين لفترة طويلة، فلا يعمل على التأثير في سلامة التفكير بشكل كبير ومن السهل أن يزول مع الزمن.

أما الوسواس القهري المرضي يتحكم تحكماً تاماً في الوظائف الشعورية، ويلح على الفرد بصفة مستمرة، مجبراً إياه على التفكير والاعتقاد والفعل بطريقة معينة قد تستحوذ على الفرد دون أن يستطيع مقاومتها والتخلص منها[5].

هكذا تطورت المعرفة بهذا المرض وتتابع التطور حتى يومنا الحاضر حي أصبح جميع المختصين ، تقريباً يعتمدون على مصادر متفق عليها في ملاحظة أعراض الوسواس القهري.

فمعظم المختصين النفسيين يعتمدون على تصنيف المنظمة العالمية للصحة النفسية ICD والدليل الإحصائي للجمعية الأمريكية للطب النفسي DSM بنسخهما وتعديلاتهما، لأن المعرفة لا تقف عند نقطة معين.

 ففي كل يوم ملاحظة جديدة وبالتالي وجهة نظر جديدة، فإن اضطراب الوسواس القهري يؤثر على حياة الفرد الشخصية والاجتماعية.

كما يؤثر على عمل الفرد لذلك لابد من التعرف على كل ما يتعلق بهذا الاضطراب والإلمام بكل ما يخصه لدى الأطباء والممرضين لمساعدتهم ليتمتعوا بصحة نفسية ويعيشوا حياة سليمة في مجتمعاتهم.

تعريف الوسواس القهري

عرفه الرفاعي: بأنه أفكار أو دوافع شعورية تتسلط على الفرد وتلح عليه وذلك على الرغم من شعوره بسخافتها وبعرقلتها لسير تفكيره وحركاته وافعاله اللازمة له[6].

وتعرف منظمة الصحة العالمية في تصنيفها الدولي العاشر للأمراض 10-ICD الوسواس القهري: بأنه أفكار أو أفعال قهرية متكررة.

والأفكار الوسواسية هي أفكار أو صور أو اندفاعات تطرأ على ذهن الشخص المرة تلو الأخرى بشكل متكرر ونمطي، وهي تقريباً مثيرة دائماً للإزعاج، ويحاول المريض عادة أن يقاومها ولكن دون نجاح، ومع ذلك فإنها تعتبر أفكاره الخاصة رغم كونها لا إرادية وغالباً كريهة.

أما الأفعال والطقوس القهرية فهي سلوكيات نمطية تتكرر المرة تلو الأخرى ولا تحمل في ذاتها متعة ولا يترتب عليها إنجاز مهام مفيدة في حد ذاتها.

أما المريض فيرى فيها غالباً وقاية من حدث ما لا يحتمل وقوعه، وغالباً ما يتضمن أذى موجها من الشخص أو أليه ، وغالباً ما يدرك المريض بأنه لا معنى ولا تفسير لسلوكه ويقوم ببذل محاولات كثيرة لمقاومته[7].

وتعرفه قطينة : بأنه أفكار متكررة تتدخل في السلوك السوي وتعطله، فتشغل ذهن المريض ويشعر بنوازع غريبة عنه، ويضطر للقيام بتصرفات لا تجلب له السرور، ولا يملك القدرة على التخلي عنها.

والأفكار الوسواسية قد لا يكون لها معنى في ذاتها، وقد لا تعني شيئاً بالنسبة للمريض، وكثيراً ما تكون في منتهى السخف، ويظل يتأمل ويفكر، وكأن الأمر يتعلق بالحياة أو الموت، بالنسبة له[8].

ويعرفه فرج بأنه افكار مقتحمة وغير مرغوبة وصور ذهنية ودفعات او مزيج منها وهي عموما مقاومة وتتصف ايضاً بكونها داخلية المنشأ[9].

وهكذا يمكن القول بأن الوسواس القهري هو مجموعة من الأفكار أو الصور الذهنية أو الدفعات المتكررة التي تسيطر على تفكير الفرد يقوم بها استجابة للأفكار مما يؤدي إلى خفض القلق والتوتر الذي تسببه، ولا يستطيع التخلص منها بالرغم من إدراكه لعدم منطقيتها.

ويحاول أن يتجنبها أو يبعدها بأفكار أخرى إلا أنه لا يجد لهذا الأمر سبيلا، مما يؤدي إلى وقوعه في حلقة مفرغة، وبالتالي تعيق حياته ونشاطاته اليومية.


[1] بيار، ماررتي وآخرون. (۱۹۹۰). سيكوسوماتيك الهستيريا والوسواس ترجمة غزوي نابلسي. بيروت: دار النهضة.

[2] رينيكر، هانز. (۲۰۰۹) علم النفس الإكلينيكي، أشكال من الاضطرابات النفسية في سن الرشد. ترجمة سامر رضوان الإمارات: دار الكتاب الجامعي.

[3] سعفان، محمد أحمد. (۲۰۰۳) . اضطراب الوسواس والأفعال القهرية: الخلفية النظرية التشخيص العلاج. القاهرة: مكتبة زهراء الشرق.

[4] عبد الخالق ، أحمد (۲۰۰۲). الوسواس القهري التشخيص والعلاج الكويت: جامعة الكويت. مجلس النشر العلمي.

[5] الزعبي، أحمد محمد. (١٩٩٤). الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال جامعة صنعاء: دار الحكمة اليمنية.

[6] الرفاعي، نعيم. (۱۹۸۲) . الصحة النفسية دراسة في سيكولوجيا التكيف. دمشق: جامعة دمشق.

[7] عكاشة، أحمد. (۱۹۹۹). المكتب الإقليمي لشرق المتوسط المراجعة العاشرة للتصنيف الدولي للأمراض تصنيف الاضطرابات النفسية والسلوكية -10-ICD” . منظمة الصحة العالمية. النسخة العربية.

[8] قطينة آمال. (۲۰۰۳). أمراض النفس وعلاجها الطبعة الأولى عمان الأردن: دار الحامد للنشر والتوزيع.

[9] فرج، صفوت (۲۰۰۰) مرجع في علم النفس الإكلينيكي للراشدين. الطبعة الأولى. مصر: الأنجلو المصرية.

السابق
معايير تصميم بيئات التعلم التكيفي
التالي
السلوك النمطي التكراري لدى أطفال التوحد

اترك تعليقاً