اختبارات الذكاء

تعريف الذكاء من منظور نفسي واجتماعي وفلسفي

تعريف الذكاء من منظور نفسي واجتماعي وفلسفي

لم يحظ موضوع بالدراسة في ميدان الفروق الفردية مثل موضوع تعريف الذكاء. فقد كانت الدراسات الأولي في سيكولوجية الفروق الفردية تدور حول الفروق في الذكاء ، كما  أن نشأة القياس النفسي وتطوره كانت، في ميدان الذكاء. حتي أن علماء النفس ظلوا لفترة من الوقت يسلكون في بحوثهم

 كما لو كانت الفروق في الذكاء هي الفروق الوحيدة الموجودة بين الناس ، ولما ثبت خطأ هذا الأفتراض ، نقلت الطرق التي اتبعت في أعداد اختبارات الذكاء إلى إعداداختبارات الذكاء إلى إعداد اختبارات القدرات الأخري وسمات الشخصية.

وعلى الرغم مما تجمع لدينا من معلومات نتيجة لتقدم حركة القياس العقلي، وعلى الرغم من أن طبيعة الذكاء كانت موضوع تأمل ومناقشة لسنوات طويلة من رجال التربية وعلماء النفس والوراثة  والاجتماع ، فإنه لا يوجد اتفاق على طبيعة الذكاء ، أو على تحديد واحد متفق عليه، لمفهومه ومعناه

 فالوضع بالنسبة لتعريف الذكاء ما زال كما كان عليه منذ ثمانين عاما تقريبا. وتلك المشكلة منهجية خطيرة ، ذلك أن التنوع والاختلاف في فهم طبيعة الذكاء ، يؤدي بالضرورة إلى الاختلاف في كيفية دراسته وقياسة ، ولا يقلل من خطورتها ما يقال ، من أن التعريف الواضح الدقيق لأي سمة من السمات ، إنما يأتي قياسها ودراستها .

وقد يرجع هذا الاختلاف في تعريف الذكاء، إلى أن الذكاء ليس ماديا محسوسا كما أنه لا يقاس قياسا مباشراً ، وقد يرجع إلي أن العلماء تناولوه من زوايا ومنطلقات مختلفة

وسنحاول أن نعرض فيما يلي أهم الإتجاهات التي ظهرت منذ نشأة مفهوم الذكاء وخلال تطوره ، والتي حاولت أن تقدم تحديداً له ، أو تفسيرا لطبيعته.

تعريف الذكاء من منظور فلسفي

إن مصطلح الذكاء أقدم في نشأته من علم النفس ودراساته التجريبية. فقد أشار بيرت Burt إلى أن مصطلح الذكاء intelligence  يرجع إلى الكلمة اللاتنية Intelligentia ، والتي ابتكرها الفليسوف الروماني سيشرون. ولهذا فإن تناول النشاط العقلي لم يكن قاصرا على علماء النفس، وإنما تناوله الفلاسفة قبلهم، وكان منهجهم في ذلك ، هو منهج التأمل العقلي أو الاستيطان .

ولعل أول ملاحظة لتناول النشاط العقلي بالتحليل ، ترجع إلى الفيلسوف اليوناني أفلاطون، فقد توصل أفلاطون نتيجة تأملاته إلى تقسيم النفس الإنسانية إلى ثلاثة مكونات أو ثلاثة مظاهر رئيسية: العقل والشهوة والغضب ، وتقابل هذه  المظاهر فى علم النفس الحديث الإدراك

وهو الذي يؤكد الناحية المعرفية لنشاط الإنسان، والانفعال أو الوجدان وهو الذي يؤكد الناحية العاطفية، والنزوع وهو الذي يؤكد الفعل، وقد شبه أفلاطون في أحدى محاوراته قوى العقل بعربة يقودها سائق ما هر هو العقل ، ويجرها جودان هما الإشارة والرغبة.

أما أرسطو ، فقد أضاف إسهاما آخر ، فكما يشير بيرت ، قابل أرسطو بين النشاط العقلي أو الملموس ( وهو ما يعرف في الفلسفة بالوجود بالفعل، وبين الإمكانية المحتملة ( وهو الوجود بالقوة التي يعتمد عليها النشاط الفعلي ، وهي تحمل معنى مصطلح القدرة في علم النفس الحديث.

أما التقسيم الثلاثي لقوى العقل الذي قدمه أفلاطون فقد أختزله أرسطو إلى مظهرين رئيسين فقط، الأول عقلي معرفي ، والثاني خلقي أنفعالي.

وهكذا نجد أن الفلسفة اليونانية القديمة ، قد أكدت على أهمية الناحية الادراكية في النشاط العقلي للفرد. ثم أتى شيشرون ، ليقدم مصطلح  الذكاء كتسمية لهذا النشاط العقلي ، كما ترجم أيضا مصطلح الاستعداد أو القدرة إلى اللغة اللاتينية

ثم انتقلت هذه المصطلحات غلى اللغات الأوربية الحديثة ، فأثرت في الفلسفة الإسلامية وفي العصور الوسطي في أوربا ، واعتبر العقل أو الذهن الخاصية المشتركة في الإنسان، والتي تميزه عن الحيوان.

وعلى الرغم من أن هذه التصورات الفلسفية قد أكدت أهمية الناحية الإدراكية في النشاط العقلي ، إلا أن الأفكار التي ظهرت فيها لا يمكن الأخذ دون إخضاعها للدراسة العلمية ، التي تعتمد على التجربة والقياس.

تعريف الذكاء من منظور بيولوجي

أشار سبيرمان إلى أن الفضل في إدخال مصطلح الذكاء في علم النفس الحديث يرجع إلى هربرت سبنسر Spencer في أواخر القرن التاسع عشر. فقد حدد سبنسر الحياة بأنها التكيف المستمر للعلاقات الداخلية مع العلاقات الخارجية

ويتم التكيف لدي الحيوانات الدنيا بفضل الغرائز، أما لدي الإنسان فإنه يتحقق بواسطة الذكاء وبهذا يري سبنسر أن الوظيفة الرئيسية للذكاء هي تمكين الإنسان من التكيف الصحيح مع بيئته المعقدة والدائمة التغيير.

ونظرا لن سبنسر كان متأثرا إلى حد بعيد بنظرية الرتطور ، فقد قرر أنه خلال تطور المملكة الحيوانية ، وأثناء نمو الطفل ، يحدث تمايز في القدرة المعرفية الأساسية، فتتحول إلى تنظيم هرمي من القدرات الأكثر تخصصا: الحسية والإدراكية والترابطية وغيرها

شأنها في ذلك شأن جذع الشجرة ، الذي يتفرع إلى أغصان عديدة. ويتفق سبنسر مع الاتجاهات الفلسفية القديمة من حيث تمييزه بينم مظهرين رئيسين للحياة العقلية : الجانب المعرفي والجانب الوجداني أو الانفعالي

ويتضمن الجانب المعرفي عملييتين رئيسيتين : التحليل أو التميز الذى يتمثل في القدرة على التمييز بين الأشياء وإدراك أوجه الاختلاف بينها ، وعملية التركيب أو التكامل، وهي إعادة تكوين الأشياء في مركب جديد.

وقد أكدت البحوث الإكلينيكية، ودراسات علم النفس المقارن ، والدراسات التجريبية الفسيولوجية أهمية التنظيم الهرمي التكاملي لوظائف الجهاز العصبي، وهي تلك الوظائف التي تنبع من النشاط العقلي العام، ثم تتشعب أثناء نموها الى نواحيها المتخصصة المتنوعة.

وقد حاول بعض العلماء الذين ساروا في ذات الاتجاه ، تفسير الذكاء تفسيرا فسيولوجيا ، برده إلي نشاط الجهاز اللعصبي ، ومن هؤلاء علي سبيل المثال ثورنديك الذي حاول أن يفسر الذكاءؤ في عبارات الوصلات أوة الروابط العصبية التي تصل بين خلايا المخ فتؤلف منها شبكة متصلة ، وبقدر عدد هذه الروابط بقدر ما يكون ذكاء الإنسان.

وهكذا نجد أن هؤلاء العلماء يحاولون الربط بين الذكاء وبين التكوين العضوي للكائن الحي، فالكائنات الحية تختلف في إمكانياتها السلوكية باختلاف موضعها في سلم الترقي للسلسلة الحيوانية ، وكلما زاد تعقد الكائن الحي ، وبوجه خاص ، تعقيد جهازه العصبي ، كلما زادت قدرته علي التكيف مع البيئة وتعلم أعمال جديدة.

ومعني هذا أن الذكاء ، كإمكانية نمط معين من السلوك الكامن في التكوين الجسمي للكائن الحي ، موروث وليس مكتسبا ، إذ أنه يتحدد أساسا بخصائص النوع الذي ينتمي إليه الكائن ، ويمكن أن يتخذ من ظهور الجهاز العصبي ودرجة تعقيده معيارا لذكاء الكائن الحي، ولما كان الإنسان يتميز بجهازه العصبي الأكثر تعقيداً  فهو بذلك أذكي الكائنات الحية.

تعريف الذكاء من منظور اجتماعي

إن الإنسان لا يعيش في فراغ ، وإنما يعيش في مجتمع يتأثر به ويؤثر فيه. ولكل مجتمع حضارته بجانبيها المادي والروحي، ولكل مجتمع عاداته وتقاليده في التفكير وأساليب السلوك.

ولهذا فقد حاول بعض العلماء ، الربط بين الذكاء وبعض العوامل التي تعتبر نتاجا للتفاعل الاجتماعي ، أو المرتبطة بنظم المجتمع أو مدي نجاح الفرد في هذا المجتمع.

فقد ميز ثورنديك Thorndike ، على سبيل المثال ، بين ثلاثة أنواع أو مظاهر للذكاء: الذكاء المجرد ، وهو القدرة على معالجة الألفاظ والرموز، والذكاء الميكانيكي ، وهو القدرة على معالجة الأشياء والمواد العيانية كما يبدو في المهارات اليدوية الميكانيكية

و الذكاء الاجتماعي وهو القدرة على التعامل بفعالية مع الأخرين ، ويتضمن القدرة على فهم الناس والتعامل معهم والتصرف في المواقف الاجتماعية .

كذلك يؤكد بعض العلماء دور الذكاء فى النجاح الاجتماعي ، ويرون أن النجاح في المجتمع يحتاج إلى نسبة عالية من الذكاء .

التعريفات النفسية للذكاء:

حاول الكثير من علماء النفس تعريف الذكاء عن طريق الربط بينه وبين ميدان أو أكثر من ميادين النشاط الإنساني. ، ونتيجة لذلك ، تعددت التعريفات وتنوعت باختلاف الجانب الذي يركز عليه عالم النفس من جوانب النشاط ومن أهم هذه التعريفات :

تعريف بينيه Binet : رغم أن بينيه يعتبر واضع أول اختبار للذكاء ، الا أنه كما قرر بيترسون، لم يضع مطلقا تعريفا محددا للذكاء ، ولكن له بعض الآراء التي تعكس تصوره لطبيعة الذكاء. لقد استبعد بينيه ، كما رأينا سابقاً ، استخدام الاختبارات الحسية والحركية في قياس الذكاء

وقد ركز في تصوراته المبكرة على التذكر والتخيل. ثم على الانتباه الادارى . إلا أنه تحول فيما بعد إلي التأكيد على التفكير أو عملية حل المشكلات، وحدد فيها ثلاث خطوات : الاتجاه ، والتكيف ، والنقد الذاتي.

أ – تعريف الذكاء بأنه القدرة على التعلم:

لعل من أكثر التعريفات شيوعاً ذلك الذي يعتمد على ربط الذكاء بالقدرة على التعلم . فقد كان واضحا منذ بينيه ، أن الأفراد الذي يحصلون على درجات مرتفعة في اختبارات الذكاء ، يكون تحصيلهم أعلى من أولئك الذين يحصلون على درجات منخفضة في اختبارات الذكاء.

ب – تعريف الذكاء بأنه القدرة على التكيف:

وتوجد مجموعة أخري من التعريفات توحد بين الذكاء وبين القدرة على التكيف أو التوافق مع البيئة التي تحيط بالفرد. ومن أمثلة هذه التعريفات تعرييف جودانف Goodenough بأن الذكاء هو القدرة على الإفادة من الخبرة للتوافق مع المواقف الجديدة ، أو تعريف بنتنر Pintner بأنه قدرة الفرد على التكيف بنجاح مع ما يستجد في الحياة من علاقات.

ج – الذكاء هو القدرة على التفكير:

وتؤكد بعض التعريفات على أهمية التفكير وخاصة التفكير المجرد في تكوين الذكاء، ومن أمثلة ذلك تعريف سبيرمان Spearman بأن الذكاء هو القدرة على إدراك العلاقات ، وخاصة العلاقات الصعبة أو الخفية ، وكذلك القدرة على إدراك المتعلقات.

فعندما يوجد أمام الفرد شيئان أو فكرتان فإنه يدرك العلاقة بينهما مباشرة. وحينما يوجد شيء وعلاقته ، فإن الفرد يفكر مباشرة في الشيء الآخر المرتبط معه بهذه العلاقة.

ومنها أيضا تعريف تيرمان Terman للذكاء بأنه القدرة على التفكير المجرد.

د – التعريف الإجرائي للذكاء

الواقع أن جميع التعريفات النفسية السابقة تعاني – كما أشار جيلفورد Guilford – من عيب خطير ، هو أنها تحتوي على ألفاظ أو مصطلحات غير محددة ولا يمكن تحديدها غالبا.

فمثلا تحتوى على ألفاظ أو مصطلحات غير محددة ولا يمكن تحديدها غالبا. فمثلا تحتوي جميعها على مصطلح القدرة وه في حد ذاته في حاجة إلى تعريف ، فما هو المقصود بالقدرة؟ وما هو المقصود بالتكيف أو التفكير ؟

إن التعريف الجيد هو الذي يفي بشروط الاتصال الجيد، ومن ثم ينبغي أن تشير المصطلحات المستخدمة فيه إلي أشياء موجودة فى الواقع الخارجي.

بعبارة اخري ، التعريف الجيد ينبغي أن يكون تعريفا إجرائيا وهو ذلك التعريف الذي يصاغ في عبارات العمليات التجريبية والإجراءات التي قام بها العالم للحصول على ملاحظاته أو قياسه للظاهرة التي يدرسها. وبهذا يؤكد التعريف الإجرائي لأية ظاهرة ، أهمية الخطوات التي تجري لجمع المعلومات المتصلة بالظاهرة ، كثر مما يهتم بالوصف اللفظي المنطقي لها.

وقد حاول جاريت Garret وضع تعريف إجرائي آخر للذكاء ، فعرفه بأنه القدرة على النجاح في المدرسة أو الكلية وقد دفعة إلى ذلك ، حقيقة أن درجات النجاح في الدراسة كثيرا ما اتخذت أساسا للحكم على صدق اختبارات الذكاء.

كما أن له ما يبرره من اعتقاد المعلمين ورجال التربية من أن هناك علاقة قوية بين الذكاء  والتحصيل. إلا أن هذا التعريف يقصر الذكاء على مجال واحد من مجالات النشاط الانساني ، ويوحد بينه وبين ما يعرف بالاستعداد الدراسي.

والواقع أن أكثر التعريفات الاجرائية شيوعا بين علماء النفس يتمثل في تعريف بورنج E. G. Boring حينما قرر أن … الذكاء كقدرة يمكن قياسها ، ينبغي أن يعرف منذ البداية بأنه القدرة على الأداء الجيد في اختبار الذكاء. وإذاما أعدنا صياغة هذه العبارة في صورة أخري ، فإنها تصبح الذكاء هو ما تقيسة اختبارات الذكاء.

خلاصة تعريفات الذكاء

  • حاول الفلاسفة والعلماء تحديد طبيعة الذكاء ووضع تعريف له ، وقد اختلفوا في ذلك ، نتيجة لاختلاف الزوايا التي نظروا منها إليه.
  • فقد اعتمد الفلاسفة في تناولهم للذكاء ، على منهج التأمل الباطني، وكان أفلاطون أول من تناول النشاط العقلي بالتحليل ، فقسم النفس الانسانية إلى تلاثة مكونات رئيسية: العقل والشهوة والغضب، أما أرسطو فقد ميز بين النشاط العقلي والإمكانية المحتملة ، وهي التي تحمل معني القدرة كما ميز بين مظهرين رئيسين للنفس : المظهر العقلي المعرفي والمظهر الخلقي الانفعالي.
  • أما الاتجاهات البيولوجية والفسيولوجية فقد كانت متأثرة بنظرية التطور واعتبرت الذكاء وسيلة الإنسان للتكيف مع ظروف البيئة المتغيرة ، وقد أدخل سبنسر فكرة التنظيم الهرمي للقدرات العقلية.
  • وقد وجد اتجاه ثالث حاول الربط بين الذكاء والحياة الاجتماعية وتأكيد أهمية النجاح الاجتماعي كمحك لذكاء الإنسان.
  • أما من الناحية النفسية فقد حاول كثير من العلماء تعريف الذكاء برده إلى جانب أو أكثر من جوانب النشاط الإنساني ، فقد عرف الذكاء بأنه  القدرة علي التعلم ، أو بأنه القدرة على التكيف مع البيئة أو بأنه القدرة على التفكير.
  • إلا أنه وجهت انتقادات كثيرة إلى هذه التعريفات ، وبدأ العلماء يبحثون عن تعريف إجرائي للذكاء ، وقد قدم بورنج هذا التعريف إلي يقرر، أن الذكاء هو ما تقيسه اختبارات الذكاء ، وقد وجه هذا التعريف الباحثين نحو دراسة الاختبارات دراسة علمية دقيقة ، وقد أدي هذا الاتجاه إلى نظريات التكوين العقلي المختلفة.
  • وقد اختتمنا مناقشة التعريفات المختلفة بتقرير حقيقتين أساسيتين تتعلقان بطبيعة الذكاء وهما: أن الذكاء كما نقيسه صفه وليس شيئا موجودا وجودا حقيقيا، وأنه محصلة للخبرات التعليمية للفرد.
السابق
اختبار كوفمان ومقياس وكسلر لذكاء الأطفال
التالي
استراتيجيات التدخل السلوكي في الموقف الصفي

تعليق واحد

أضف تعليقا

  1. التنبيهات : طرق قياس الذكاء في علم النفس | معلومة تربوية

التعليقات معطلة.