الأنثروبولوجيا

الأسرة في الإسلام ومكانتها

الأسرة في الإسلام ومكانتها

عند مطالعة مكانة الأسرة في الإسلام نجد أن الإسلام يحث علي الزواج ويشجع عليه إلى رغبة فى أهمية إحكام أساس البيت الزوجي من خلال حسن الاختيار ويؤكد عليه ويحرص في نفس الوقت علي بقاء هذا البيت من خلال تشريع الحقوق والواجبات الزوجية التي احترمت ورعيت فإن البيت سينعم بالهناء والاستقرار والاستمرار والدوام([1]):

حقوق الزوج علي زوجته:

منحت الشريعة الإسلامية النساء حقوقا لا تنقص من حقوق الرجل في الزواج وسوي الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق المدنية بمختلف أنواعها لا فرق في ذلك بين أن تكون المرأة متزوجة أو غير متزوجة، فالزواج في الإسلام لا يفقد المرأة اسمها، ولا شخصيتها المدنية، ولا أهليتها في التعاقد ولا حقها في التملك، بل تظل المرأة المسلمة بعد زواجها محتفظة باسمها واسم أسرتها وبكامل حقوقها المدنية وبأهليتها في تحمل الالتزامات وإجراء مختلف العقود من بيع وشراء([2]).

  • الأول: رغب الشرع الحنيف في طاعة الزوج وإرضائه في غير معصية الله-تعالي ذلك من أعظم الحقوق علي المرأة قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها :ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • الثاني: احذري أن تكوني مقلقة لزوجك إذا أراد منك حاجته الزوجية أو تتبرمي بالأعذار الواهية، فقد جاء الوعيد الشديد في ممانعة المرأة لزوجها إذا طلبها لفراشه قال رسول صلي الله عليه وسلم “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتي تصبح ” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • الثالث: كوني ودودة لطيفة مطاوعة حتي يشعر زوجك بالسكينة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة الروم :21)([3]).
  • الرابع: واظبي علي النظافة وتعطري وتزيني لزوجك وهيئي نفسك له، وتأكدي أن هذا يجذب إليك زوجك ويغض من بصره عن التطلع إلى الحرام.
  • الخامس خدمة الزوج واجبة، وأول ذلك الخدمة في المنزل وما يتعلق به من تربية الأولاد وتهيئة الطعام والفراش.
  • السادس: يجب عليك حفظ أسرار زوجك وخاصة ما يجري بينكما في الخلوة من الرفث والشئون الخاصة بالزوجية، فإفشاء سر الزوج ينافي طاعته وإرضاءه([4]).

2-حقوق الزوجة علي زوجها:

شرع الإسلام مجموعة حقوق لكلّ واحد من الزّوجين على الآخر، فيجب على الزّوج أن يُؤدّي حقوق زوجته كاملةً، كما أنّه يجب على الزّوجة أن تُؤدّي حقوق زوجها إذا أعطاها حقوقها كاملةً.

وهذه الحقوق هي: حقوق الزّوجة الماليّة تنقسم إلى حقوق ماليّة غير متجددة وحقوق ماليّة متجددة فالحقوق الماليّة المُتجدّدة هي حقّها في أن يُنفق عليها ويُطعمها وبالمعروف ويُسكنها في بيت يحوي جميع ما تحتاجه في حياتها واليومية.

وأن يُؤمّن لها اللّباس المناسب الذي يسترها ويكفيها برد الشّتاء وحرّ الصيف وأمّا الحقوق غير المُتجدّدة فهي حقّها في المهر الذي يُفرَض لها مرّةً واحدة حين العقد([5]).

 وتفصيلها فيما يأتي:

  1. – حقها في المهر: والمهر حقٌ للزّوجة على زوجها تقبضه حين العقد أو حسب ما اتّفق عليه بينهما؛ لقوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) ([6])، النّفقة والكسوة والسُكنَى: فيجب على الزّوج توفير النّفقة من المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، والعلاج ونفقاته للمرأة؛ لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)([7]).

ولقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)([8]).

  • حقوق الزّوجة غير الماليّة حسن المعاشرة: أول ما يجب على الزّوج أن يُؤدّيه من حقوق معنويّة لزوجته أن يُكرمها، ويحسن مُعاشرتها، وأن يُعاملها بالمعروف، فذلك يُؤدّي إلى التّأليف بين فلبيهما كما يجب عليه أن يتحمّل ما يصدر منها والصّبر عليها، يقول الله سبحانه: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً)[سورة النساء : الآية 19]،([9]) ومن مظاهر اكتمال الرّجولة وصدق الايمان أن يكون المرء رقيقًا سَمِحَا مع أهله، يقول رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم)، وإكرام المرأة دليل الشخصيّة المُتكاملة، وإهانتها علامة على الخِسّة واللؤم، وذلك لما ورد عن عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- قال: (شَهِدَ حجَّةَ الوَداعِ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأثني عليه وذكر ووعظ فذكر فى الحديث قصة فقال: إلا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا؛ إلا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا؛ فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون؛ إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) [رواه النسائي وأبو داود]، ومن إكرامهنّ مُداعبتهنّ والمرح بحضورهنّ، ومُعاملتهنّ بأفضل ما يُعامل أحدًا من الخلق، إعفاف الزوجة بالجِماع: وذلك لمراعاة حقّها ومصلحتها في النّكاح، وحفظًا لها من الفتنة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) ([10]) ، وقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ([11]) ، عن ابى ذر الغفاري – رضى الله عنه : (وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ) [رواه مسلم]، والمقصود بذلك الجماع، أن يعاملها وفق ما أمره الشّارع الحكيم أثناء العلاقة الزوجيّة بينهما، فلا يأمرها بمحرم، ولا يأتي منها ما حُرِّم عليه فعله؛ كأن يأتيها من الدبر، أو أن يجامعها في الحيض، أو ما شابه ذلك، أن يرعاها ويرعى شؤونها، ولا يجعلها تحتاج غيره من النّاس، ويقوم بكل ما ينبغي عليه القيام به لضمان الأمن والاستقرار والحياة الهنيئة لها، فتستقرّ نفسها وتطمئن، أن يسعى لإصلاحها إن رأى منها ما يستدعي ذلك، وأن يُعينها على الطّاعة ويأمرها بها ويُشجّعها عليها([12]).

3-الحقوق المشتركة بين الزوجين:

  • حل العشرة الزوجية: وهذا الحل مشترك بينهما فيحل للزوج من زوجته ما يحل لها منه.
  • حرمة المصاهرة: أي أن الزوجة تحرم علي آباء الزوج وأجداده وأبنائه وفروع أبنائه وبناته كما يحرم هو علي أمهاتها وبناتها وفروع أبنائها وبناتها.
  • ثبوت التوارث بينهما بمجرد إتمام العقد فإذا مات أحدهما بعد إتمام العقد وورثه الآخر ولو يتم الدخول.
  • ثبوت نسب الولد من الزوج صاحب الفراش([13]).
  • المعاشرة بالمعروف فيجب علي كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف حتي يسودها الوئام ويظلمها السلام([14]).

4-المرأة ودورها في الإسلام:

  • جاء الدين الإسلامي بنظام متكامل للأسرة واهتم اهتمامًا كبيرًا برعايتها لما لها من أهمية بالغة في بناء المجتمع فهي حجر الأساس لهذا البناء بل هي اللبنة الأولي إذا صلحت وقويت صلح البناء وتم النماء ولكي يقوي البناء ويتم النماء فقد أقر الإسلام حقوقًا كاملة لكل فرد من أفراد الأسرة وشرع القرآن الكريم من النظم والقواعد ما يؤمن الحياة الكريمة المستقلة لكل فرد فيها([15]).
  • ونزلت آيات القرآن الكريم فيما نزلت بنظام متكامل للأسرة له من الأحكام والقواعد ما يرافق الفرد المسلم من المهد إلى اللحد بل له من التشريعات والتوجيهات ما يطبق علي الإنسان قبل ولادته وهو جنين إلى ما بعد وفاته بشكل متقن منظم فيه إتقان الصنعة الإلهية وتنظيم العليم الحكيم.
  • وقد وردت أحكام الأسرة من زواج وطلاق وميراث ووصية مفصلة غير مجملة ويري الناظر في القرآن الكريم أن الأمور التي من شأنها أن تتغير وتتبدل جاءت مجملة بمبادئ عامة وقواعد كلية وأما الأمور التي من شأنها الثبات والاستقرار وعدم التغير فقد جاءت أحكامها مفصلة في القرآن الكريم وهي كل ما يتعلق بمسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإنسان وأهدافه في الحياة.
  • جاءت أحكام الأسرة في القرآن مرتبطة بالعقيدة ترابطًا عضويًا بل قامت علي قاعدة الإيمان بالله وتقواه مما يدل علي أن قداسة هذه الأحكام من قداسة العقيدة من الله ونري مصداق ذلك في قوله تعالي: ” لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى”([16]) . وقوله تعالي: “ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ (2)([17]) وقوله سبحانه:” قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ إلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً “وقوله جل وعلا: “وَقَضَى رَبُّكَ إلا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً” [سورة الاسراء: الآية 22] ([18]).
  • جاء تقرير القرآن حاسمًا في أن الزوجة والزوج في الحقوق والواجبات إلا ما جاء النص علي خلاف ذلك لأن الأصل المساواة ولهن مثل الذي عليهن فالإنسان يتكون من الذكر والأنثى شأن كل لكائنات فإن كان الخالق تبارك وتعالي قد جعل لكل من المرأة والرجل طبيعة تتفق من ناحية وتختلف من ناحية أخري إلا أن الإنسانية واحدة في كليهما، فالتفكير والعقل واحد في كليهما والغرائز كغريزة الجنس والنوع والتدين واحدة في كليهما والحاجات العضوية كحاجة الإنسان إلى الطعام والهواء واحدة عندها ولكن ما يتعلق بالوظيفة الجسمية عند كل منهما فيها اختلاف كبير فقد هيئت المرأة برحم لتحمل وتلد وثديين للرضاعة كما زودت بميول فطرية لأن تقوم بالشئون المتعلقة بالبيت والأطفال([19]).

ومن هنا فإن الزوج له حقًا علي زوجته في الطاعة الزوج، القناعة والحرص علي مال الزوج، اقتصاد المرأة في بيتها، إدارة شئون بيتها، التزين للزوج، حسن الخلق، ترضية الزوج عند الغضب، حسن معاملة أهل الزوج، احترام مشاعر الزوج، الوفاء للزوج، العفة والأمانة.

وأن أيضًا الزوجة لها حق علي زوجها في الحقوق مالية وهي المهر والنفقة، حقوق غير مالية : حسن المعاشرة ، حق المداعبة والملاطفة، أن يكون معتدل الغيرة ، النفقة في اعتدال، الرعاية الدينية وحسن التوجيه.


([1])  مجدي إبراهيم محمد: الإسلام وتنمية المجتمع، مرجع سبق ذكره، ص39.

([2]) حسين عبد الحميد أحمد رشوان: علم الاجتماع المرأة، مرجع سبق ذكره، ص54.

([3]) سورة الروم، الآية 21.

([4]‏) أماني بكير: الزوج الصالح من الاختيار إلى الاستقرار، دار الفاروق، القاهرة، 2008، ص36.

([5]) أحمد محمد السنهوري: موسوعة منهج الممارسة العامة المتقدمة للخدمة الاجتماعية وتحديات القرن الواحد والعشرين الميلادي، الجزء الأول، الطبعة السادسة، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006، ص 369: ص370.

([6]) سورة النساء : الآية 4.

([7]) سورة البقرة الآية 233.

([8]) سورة النساء الآية 34.

([9]) مبروك عطية: الأسرة بين واقع الدين والحياة، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2011، ص16.

([10])     سورة البقرة الآية  : 222.

([11])     سورة البقرة الآية  : 223.

([12]‏)https://mawdoo3.com/%D9%85%D8%A7_%D9%87%D9%88_%D8%AD%D9%82_%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B2%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A7 20/3/2019.

([13])     مجدي إبراهيم محمد: الإسلام وتنمية المجتمع، مرجع سبق ذكره، 2019م، ص40.

([14]‏)     أحمد محمد السنهوري: موسوعة منهج الممارسة العامة المتقدمة للخدمة الاجتماعية وتحديات القرن الواحد والعشرين الميلادي ، مرجع سبق ذكره، ص 369:ص370.

[15]))     شعبان محمد إسماعيل: المرأة في الإسلام ودورها في المجتمع، دار الصحابة للتراث، طنطا، 2009م، ص22.

([16])     سورة البقرة : الآية  177.

([17])     سورة الماعون: الآية  1، 2.

([18])     مفيدة محمد ابراهيم: المرأة العربية و الفكر الحديث، دار مجدلاوي للنشر، عمان، 2000،

([19])     شعبان محمد إسماعيل: المرأة في الإسلام ودورها في المجتمع، مرجع سبق ذكره، 2009م، ص60.

السابق
الأسرة في الأديان السماوية
التالي
وظائف الأسرة في المجتمع المصري