علم النفس

مفهوم التعلم وخصائصه الرئيسية

مفهوم التعلم وخصائصه

التعلم مفهوم رئيسي من مفاهيم علم النفس يحظى باهتمام العلماء والباحثين ورجال التربية وعلم النفس في كل زمان ومكان، ويرجع ذلك إلى أهمية دراسة سيكولوجية التعلم.

ولا يقتصر الاهتمام بالتعلم على المؤسسات التربوية فحسب، بل هو موضع اهتمام الأباء والأمهات وأفراد المجتمع بصفة عامة، فالتعلم من الأمور بالغة الأهمية عند كل إنسان، كذلك لا يقتصر التعلم على سن معينة بل هو عملية مستمرة باستمرار الحياة.

كما أن عملية التعلم ليست مقصورة على التعلم الشكلي داخل المدرسة أو في الفصول الدراسية المختلفة، لأن عملية اكتساب الخبرة لا يحدها الزمان والمكان، فالإنسان قد يكتسب الخبرة من البيت أو النادي أو الشارع، وقد يكتسب الخبرة في ساعات عمله وفي ساعات لهوه، فالتعلم يمكن أن يحدث في أي مكان في مدرسة الحياة.

والتعلم ليس من طبيعة المعلمين وحدهم، فالأب معلم، حيث يقوم بتربية وتعليم أبنائه قبل السن المدرسي وأثناء التعليم النظامي أو الرسمي، ورئيس العمل معلم يقود مرؤوسيه نحو تحقيق الأهداف وذلك بتعليمهم طرق الأداء وإجراءات العمل وأساليب التصرف، وهو قدوة لمرؤوسيه في القيام بالسلوك الإداري والعملي المثل.

ومثل هذا يقال لكل من له بالآخرين أبوه أو رئاسة أو قيادة من أي نوع، وعملية التعلم بالنسبة للفرد عملية مستمرة من المهد إلى اللحد، وكل المهارات التي يكتسبها الفرد وكذلك اتجاهاته وقيمه ودوافعه المكتسبة ومعتقداته وغيرها هي نتاج عملية التعلم.

مفهوم التعلم:

مفهوم التعلم شأنه شأن مفاهيم علم النفس الأخرى، له معان متعددة، ويرجع هذا التعدد إلى أن التعلم لا يمكن ملاحظته ملاحظة مباشرة، كما يرجع أيضا إلى اختلاف اهتمامات علماء النفس بمجالات التعلم.

وفيما يلي بعض تعاریف ومفاهيم التعلم [1]:

  • يعرف أرثر جيتس وأخرون التعلم بأنه “تعديل السلوك عن طريق الخبرة والمران”.
  • ويعرفه جيتس في موضع أخر بانه “التغير في السلوك له صفة الاستمرار، وصفة بذل الجهد المتكرر حتى يصل الفرد إلى استجابة ترضي دوافعه وتحقق غاياته”.
  • وتعرف رمزيه الغريب التعلم بأنه تعديل في السلوك يساعد المتعلم على حل المشكلات التي تصادفه وتحقيق مزيد من التكيف مع بيئته”.

ومما سبق يمكن استخلاص تعريف عام وشامل للتعلم بأنه تغير دائم أو شبه دائم في سلوك الفرد يحدث نتيجة الخبرة والممارسة والتدريب ويتطلب نشاطا ذاتيا إيجابيا من جانب المتعلم.

خصائص عملية التعلم [2]:

التعلم تكوين فرضي:

التعلم عملية عقلية معقدة تشتمل على العديد من العمليات العقلية مثل: الانتباه والإدراك والتفكير والتذكر، وفهم الأفكار والعلاقات وهذه العمليات تحدث داخل الفرد، ولذلك فإن التعلم يعتبر مفهوم فرضي نستدل على حدوثه من خلال الآثار والنتائج المترتبة عليه، والتي تتمثل في تغيير وتعديل السلوك.

فنحن لا نلاحظ التغيرات الداخلية التي يمر بها الطالب أثناء قيامه بتجربة معمليه أو حينما يقوم باكتساب مهارة، ومن ثم فإن عملية التعلم في حاجة إلى وضع فروض أو تكوينات فرضية يفترض الباحث وجودها، ويبرهن على هذا الوجود أو عدمه من خلال النتائج أو الآثار المترتبة على هذه العملية، والتي تقبل الملاحظة المباشرة، والتعلم في ذلك شأنه شأن كثير من المفاهيم النفسية والطبيعية كالدوافع والاستعدادات والكهرباء والحرارة والجاذبية والمغناطيسية.

عملية تغير في السلوك:

لا يكاد يخلو تعريف التعلم من الإشارة إلى أنه التغيير أو التعديل في سلوك الكائن الحي، في الخبرة والممارسة والتدريب تحدث تغيرات متعددة في سلوك الكائن الحي مثل سرعة أداء السلوك أو نقص الأخطاء.

ففي المراحل الأولى لتعلم مهارة معينة تكون استجابات الفرد مشتتة غير منتظمة تفتقر إلى التناسق والانتظام، وعن طريق التدريب الصحيح تتناقض الاستجابات غير الضرورية، وتحذف الاستجابات غير المنتظمة حتى يقوم الفرد بالمهارة في يسر وسهولة [3].

ولكي نقيس التعلم فإننا نقارن سلوك الفرد في فترة زمنية معينة لفترة زمنية أخرى وتحت ظروف متشابهة، فإذا كان السلوك متقدما في المرة الثانية، فإننا نستنتج حدوث التعلم.

قياس التعلم

مما سبق يتضح أنه يمكن قياس التعلم عن طريق ملاحظة التغيرات الحادثة في السلوك (الأداء)، وعلى الرغم من ملاحظة ما تفعله الكائنات الحية (سلوكها) يعد أكثر الوسائل العملية المستخدمة حاليا كمقياس للتعلم، إلا أنها غير مرضية بدرجة كافية لأسباب عديدة منها [4]:

  • يحدث قدر كبير من التعلم دون وجود استجابات قابلة للملاحظة، أي أن التعلم يكون كامنا، ويصبح واضحا بينا عند استخدامه فقط، مثال ذلك أنه أثناء القراءة نستقبل المعلومات التي قد تؤثر أو لا تؤثر على سلوكنا في وقت لاحق.
  • إن أداء المتعلم قد لا يعكس ما تعلمه بدقة، حيث يعتمد الأداء على عوامل كثيرة بجانب التعلم، منها القلق والتعب والدافعية، وهكذا لا يعد استخدام الداء كمقياس للتعلم طريقة مثلى.

التعلم تغير تقدمي:

يتضمن مفهوم التعلم صفة التقدم أو التحسن أو الزيادة في المعرفة والخبرة التي جاعت نتيجة التعلم، فالاستجابات التي يؤديها الفرد في المراحل الأولى من تعلمه عادة ما تكون استطلاعية عشوائية وغير متميزة، ولكن بالممارسة المستمرة نقل الأخطاء ويزداد الربط والتنظيم والتنسيق.

ويشير التغير الموجب التقدمي إلى التمييز بين التغير الناتج عن التعلم وبين التغير الناتج عن التعب أو نقصان دوافع التعلم أو انطفاء السلوك المرغوب فيه، فهذه العوامل ترتبط بالتغير السالب في الأداء (انحدار الأداء).

وينبغي أن نأخذ حذرنا، فلا نفهم كلمة التحسن على أنها تشير إلى معنى أخلاقي، فما نقصده هنا هو أن الفرد يتقدم فيما يقوم بتعلمه، فاللص يتقدم وتتحسن مهاراته في السرقة، وكذلك الطالب الغشاش تتعدد وسائل غشه ويبتكر فيما يتناوله من خبرات.

وقد أدى ذلك ببعض علماء النفس إلى ابتعاد تعريفاتهم للتعلم عن الحكم التقييمي ووضعوا التغير كنتيجة محايدة (تقبل الإيجاب والسلب) فالتعلم لا يقتصر على اكتساب الاستجابات الطيبة أو الحميدة وحدها فنحن أيضأ نتعلم بعض العادات السيئة (كالتدخين)، وقد يتعلم التلميذ طريقة سيئة في القراءة أو الاستذكار.

وحيث إن وظيفة المدرسة والأسرة والمجتمع هي: توفير مجموعة الخبرات التربوية التي يتفاعل معها الفرد لكي ينمو ويكتسب مجموعة من القيم والعادات والمعايير والاتجاهات والميول، والمعارف التي ترغبها الأسرة والمدرسة والمجتمع، فإنه من واجبنا تحديد اتجاه التغير بالتقدم أو الإيجابية.

يتم تحت شرط الممارسة المعززة:

إن تعريف التعلم بأنه التغير في السلوك بصفة عامة أو في الأداء بصفة خاصة” يثير السؤال التالي: هل كل تغير في السلوك أو الأداء يعتبر تعلمة؟

للإجابة عن هذا السؤال فإنه يجب أن نميز بين السلوك الناتج عن الممارسة، والتغير في السلوك الناتج عن النضج والتعب والدوافع والمتغيرات الأخرى. فالتغير في الأداء الذي يحدث نتيجة النضج يعتمد في أساسه على العوامل العضوية الداخلية منذ لحظة تكوين الزيجوت، فالمشي في أساسه تغير في السلوك يرجع إلى عوامل داخلية عضوية، بينما اكتساب الفرد وتحصيله للمعارف والمعلومات يعتمد على عوامل خارجية وداخلية وها لا يمكن أن نطبق عليه التعلم.

وبجانب التغير في الأداء الناتج عن النضج هناك نوع آخر من التغير في الأداء ناتج عن التعب، ويقصد بالتعب النقص في الأداء الذي يرجع إلى تغيرات عضلية ناتجة عن تخاذل المجهود العصبي في ممارسة عمل متكرر روتيني، كما يدل التعب أيضا على تخاذل في طاقة الكائن الحي، وعادة ما ينتج عن التعب تغير في الأداء ولكن هذا التغير يتجه نحو النقص في منحنی الأداء.

التغير الذي يحدث التعلم يتصف بالاستمرار النسبي:

يشترك كمبل مع ميرسل في تعريفة التعلم بأنه “تغير ثابت ومستمر قليلا أو كثيرة في السلوك”، وهناك أسباب لاعتبار التعلم تغيرأ شبه دائم، فقد يكون التعلم في موقف اضطراري ينشأ عنه أن يستمر التغير لفتره قصيره من الزمن، كذلك فإن الممارسة المستمرة وخاصة الحركية منها

ربما تؤدي إلى اختزال أو نقص الأداء نتيجة التعب، وقد يتغير السلوك نتيجة لتناول لبعض العقاقير الطبية أو المخدرات، وقد يتغير أيضأ نتيجة التغير في الدوافع وفي مستوياتها، وكذلك فإن التكيف الحسي يختفي عندما تزول عوامل التنبيه وحيث أن التغيرات السابقة مؤقتة وتختفي من تلقاء نفسها عندما تزول مسبباتها فإنها لذلك لا تعتبر تعلمأ.

فالتعلم يجب أن يتفق مع مبدأ الاقتصاد، وإلا فنحن في حاجة إلى التكرار المستمر لنفس العوامل التي أحدثت التغير حتى يبقى، وهذا لا يتفق مع امكانات الإنسان التي تعلمها جميعا في الاحتفاظ بالاستجابات والقيام بها مرات أخرى.

التعلم شامل لجوانب الشخصية:

إن التعلم في المدرسة لا يتعلق باكتساب المعلومات والحقائق، لكننا نتعلم أيضأ سمات الشخصية والاتجاهات، والقيم، والميول، والدوافع وغيرها.

وهذا يعني أن التعلم يتضمن التغيرات التي تطرأ على الجوانب الثلاثة للشخصية، حيث يشمل التعلم التغير في الجانب العقلي المعرفي، والتغير في الجانب الانفعالي الاجتماعي والتغير في الجانب النزوعي الحركي.

المراجع

  1. رجاء محمود ابو علام (۲۰۰۹): التعلم اسسة وتطبيقاته، عمان: دار المسيرة.
  2. جورج جازادا، كورسيني ريموندجي (1986): نظريات التعلم “دراسة مقارنة”، الجزء ۲، ترجمة علي حسينو عطية محمود، سلسلة عالم المعرفة العدد۱۰۸: الكويت.
  3. كمال عبد الحميد زيتون (2004): تكنولوجيا التعلم في عصر المعلومات والاتصالات طك، القاهرة: دار الكتب.
  4. إبراهيم وجيه محمود(۲۰۰۷): التعلم اسسه ونظرياته وتطبيقاته، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية.
السابق
الحب في علم النفس وأنواعه
التالي
أساليب قياس التعلم وحدوده

اترك تعليقاً