التربية الخاصة

المتأخرين دراسيًا وذوي صعوبات التعلم

المتأخرين دراسيًا وذوي صعوبات التعلم

يوجد تداخل يوقع في اللبس كثيرًا بين المتأخرين دراسيًا ومصطلحي صعوبات التعلم وبطء التعلم, ويمكن بيان أوجه الاختلاف بين هذه المصطلحات فيما يلي([1]):

(1) المتأخرين دراسيًا من حيث التحصيل الدراسي:

يعبر المتأخرون دراسيًا عن هؤلاء التلاميذ الذين يكون مستوى تحصيلهم الدراسي أقل من مستوى ذكائهم, أو يكون مستوى تحصيلهم الدراسي أقل من 80% بالنسبة لأقرانهم العاديين في مستوى أعمارهم وصفوفهم الدراسية, ويكون تحصيلهم منخفضًا في جميع المواد, مع إهمال واضح أو مشكلة صحية.

ويكون مستوى تحصيل التلاميذ بطيئي التعلم منخفضًا في جميع المواد بشكل عام بنسبة أقل من 80%, مع عدم القدرة على الاستيعاب, كما يصف هذا المصطلح سرعة التلميذ في فهم وتعلم ما يوكل إليه من مهام تعليمية مقارنة بسرعة فهم وتعلم أقرانه في أداء نفس المهام التعليمية.

بينما يكون مستوى تحصيل التلاميذ ذوي صعوبات التعلم منخفضًا في المواد التي تحتوي على مهارات التعلم الأساسية؛ مثل: الرياضيات, والقراءة, والكتابة, والإملاء.

(2) المتأخرين دراسيًا من حيث سبب التدني في التحصيل الدراسي:

يتدنى تحصيل المتأخرين دراسيًا بسبب عدم وجود دافعية للتعلم, أو نتيجة لعوامل اجتماعية, أو انفعالية, أو تربوية, أو عوامل جسمية, أو أسرية, أو لظروف الحرمان الثقافي والتعليمي, أو لعوامل مدرسية, ويتدنى تحصيل التلاميذ بطيئي التعلم بسبب انخفاض معامل الذكاء لديهم.

أو بسبب خلل في بعض وظائف المخ, أو بعض المشكلات السلوكية, بينما يتدنى تحصيل التلاميذ ذوي صعوبات التعلم بسبب اضطراب في العمليات الذهنية أو العقلية, ومنها الانتباه والتذكر والتركيز والإدراك, أو عوامل خاصة بالتلميذ ذاته سواء أكانت نفسية أم عقلية أم جسمية, أو عوامل خارجية كالأسرة والمدرسة والمعلم والبيئة.

(3) المتأخرين دراسيًا من حيث الأعراض:

تتمثل أعراض التأخر الدراسي في الانخفاض العام في التحصيل الدراسي, والعجز عن مسايرة الأقران بصورة شبه ثابتة أو مستقرة في الانخفاض, وتتمثل أعراض بطء التعلم في الاشتباه في خلل بالأعصاب, وظهور تموجات غير منتظمة في الصور الكهربائية للدماغ.

أو اضطرابات في الذاكرة والانتباه والإدراك والتفكير, بينما تتمثل أعراض صعوبات التعلم في صعوبة في النطق, والقراءة والكتابة والحساب, وضعف مستوى التمكن من المهارات الأساسية, والإحساس بالعجز, وعدم الثقة بالنفس, والقلق المرتفع, ويتجه أداء التلاميذ ذوي صعوبات التعلم نحو التذبذب بين الارتفاع والانخفاض من موقف تعليمي إلى آخر, ومن مهمة تعليمية إلى أخرى.

(4) من حيث معامل الذكاء (القدرة العقلية):

يكون معامل ذكاء التلاميذ المتأخرين دراسيًا عاديًا غالبًا من (90) درجة فما فوق على أحد اختبارات القدرات العقلية, ويكون معامل ذكاء التلاميذ بطيئي التعلم ضمن الفئة الحدية (70-84) درجة على أحد اختبارات القدرات العقلية, بينما يكون معامل ذكاء التلاميذ ذوي صعوبات التعلم عاديًا أو مرتفعًا من (90) درجة فما فوق على أحد اختبارات القدرات العقلية.

(5) من حيث جانب الخدمة المقدَّمَة:

يحتاج المتأخرون دراسيًا إلى دراسة حالتهم من قِبَل المرشد الاجتماعي في المدرسة, وتناسب الفصول العادية التلاميذ بطيئي التعلم مع بعض التعديلات في المنهج, بينما يحتاج التلاميذ ذوو صعوبات التعلم إلى برامج علاجية, والاستفادة من أسلوب التدريس الفردي.

أهمية رعاية المتأخرين دراسيًا:

تعد الثروة البشرية هي الثروة الحقيقية لأي مجتمع يطمع في التقدم ويسعى للرقي, ولا يخرج عن نطاق هذه الثروة أي إنسان مهما اختلفت قدراته في أحد المجالات رقيًا أو هبوطًا؛ ذلك لأن “كل إنسان سواء أكان متفوقًا أم متوسطًا أم متأخرًا قادر على إحراز النجاح في أي مجال من مجالات الحياة.

والله عز وجل إذ حرم إنسانًا من القدرة على النجاح في جانب معين فإنه يمنحه جوانب أخرى يمكنه أن يجد فيها النجاح والتفوق, وواجب المدرسة هنا الكشف عن تلك الجوانب التي يمكن أن يتفوق فيها تلاميذها”([2]).

كما أن الهدف الذي تسعى التربية الخاصة إلى تحقيقه لا يقتصر على توفير منهج خاص أو طرائق تربوية خاصة أو حتى معلمٍ خاصٍ, ولكن الهدف يتضمن إيضاح حقيقة أن كل شخص يستطيع المشاركة بفاعلية في رقي مجتمعه الكبير, وأن كل الأشخاص أهل للاحترام والتقدير, وأن كل إنسان له الحق في أن تتوفر له فرص النمو والتعلم([3]).

وذلك بإتاحة الفرص المتكافئة أمام جميع النشء على حد سواء, بصورة تعطي استعداداتهم ومواهبهم الخاصة الفرص الملائمة في النضج والنمو بمساعدة الشروط الخارجية الصحيحة([4]).

مع حاجة المجتمعات الماسة إلى استثمار ما لدى أفرادها ذوي الاحتياجات الخاصة من قدرات متباينة, والسعي إلى تنميتها وتطويرها إلى أقصى مدى ممكن بصورة تشعرهم بوجودهم ومكانتهم, وتساعدهم على التكيف السليم في مجتمعاتهم والنمو في مختلف مجالات حياتهم بما تسمح به قدراتهم([5]).

ولا يتحقق ذلك إلا إذا وجه الفرد نحو العمل الذي يتفق مع طبيعة هندسته البشرية وتكوينه النفسي العام, وما دور التعليم والتدريب إلا قدح ميول الفرد وقدراته ومواهبه واتجاهاته العامة حتى تتبلور حول مهنة معينة([6]), لا تخرج عن إطار العمل المشروع دينًا وعرفًا, يجد فيها نفسه, ويفيد بها مجتمعه.

ويعد الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة – ومنهم المتأخرون دراسيًّا – مطلبًا دينيًّا لجميع الأديان, ومطلبًا سياسيًا؛ عملًا بمبدأ تكافؤ الفرص والتعليم للجميع, ومطلبًا اقتصاديًا؛ لأنهم فئة غير قليلة, والاهتمام بهم يساعد في دفع عجلة الاقتصاد وزيادة الدخل القومي, ومطلبًا اجتماعيًا.

لأنهم جزء من المجتمع, ينعكس صلاحهم على صلاحه, ومطلبًا تربويًا؛ لأنهم أبناء المجتمع, ومن حقهم عليه حسن تربيتهم وتعليمهم, والانخراط في المجتمع؛ ليعيشوا حياتهم ويمارسوا أنشطتهم باحترام وتقدير, خاصة وأنه إذا كان لديهم قصور في ناحية معينة, فإن لديهم قوة وطاقة في نواح أخرى – ربما أكثر من العاديين – يجب استثمارها الاستثمار الأمثل, وتوظيفها بالشكل الصحيح([7]).

مبررات رعاية المتأخرين دراسيا:

وتتجلى أهمية رعاية المتأخرين دراسيًّا في تحديد مركزهم التعليمي؛ والذي يأتي على سلم التصنيف على أساس الذكاء في مرتبة وسطى بين الموهوبين والمتخلفين دراسيًّا, خاصة بعد النظرة الجديدة التي تتسم بالإيجابية لهذا النمط من الأطفال, والتي تؤكد على نقاط عديدة منها([8]):

  • تنجم حالة التأخر الدراسي للطفل عن عوامل هي بوجه عام خارجة عن مجال الممارسة التربوية للطفل, ويخدم هذا الافتراض الهدف النافع في الحد من إحساس الأبوين بالخزي والعار من كون أبنائهم يعانون من بعض صعوبات التعلم.
  • يتصرف الطفل من ذوي الإعاقة (أيًّا كان نوعها تأخرًا دراسيًّا أو غيره) الصالح للتعلم ويعمل بفعل قوى فوق إدراكه وتحكمه, وهذا الافتراض يزيل الوصمة التي كان منشؤها النظر إلى النية المقصودة المتعمدة على أنها السلوك المعيب والإنجاز الرديء لهذا الطفل.
  • يملك الطفل المعوق الصالح للتعلم والمتمتع باهتمام سليم الطاقة والاقتدار على التطور الطبيعي والإنجاز المدرسي الناجح, وهذا الافتراض ينحي الطفل بعيدًا عن صفوف المتخلفين عقليًّا, من حيث الطاقة التعليمية الإدراكية, والمقدرة على التكيف الاجتماعي.
  • تخضع حالة الطفل المعوق الصالح للتعلم للعلاج والتوجيه المتخصص, ويميط هذا الافتراض اللثام عن حقيقة مؤداها أن حالة الطفل قابلة للعلاج, وأن هناك أشخاصًا لهم معرفة ومهارة لتحقيق مثل هذه النتائج.
  • لعلاج إعاقات التعلم ما يبرره من وجهة النظر الاقتصادية والإنسانية الخيِّرة, ويقدم هذا الافتراض أساسًا لطلب التأييد العام للتوقيع على التكاليف الإضافية للعلاج واعتماد التوجيه الخاص.

ومع وجود هذه النظرة الإيجابية, وفي إطار تأكيد التربية الخاصة على كرامة الفرد وحقه في توفير الفرص المناسبة لتنمية قدراته حتى يستطيع المساهمة بفاعلية في نهضة المجتمع ورقيه – تأتي أهمية العناية بالمتأخرين دراسيًّا وضرورة العمل على تطوير إمكاناتهم وقدراتهم, ووضع برامج خاصة ومؤقتة وفق حاجاتهم([9]).

الآثار الناتجة عن التأخر الدراسي:

وللتأخر الدراسي وما يرتبط به من رسوب التلاميذ وإعادتهم أبعاد متعددة الجوانب, تمثل في مجملها فاقدًا تعليميًّا وإهدارًا اقتصاديًّا لثروة المجتمع البشرية؛ بزيادة الأعباء المالية على الدولة وإنفاق أموال طائلة على التعليم يكون العائد منها مهدورًا, مما يؤثر على برامج التنمية والاقتصاد, أو بتخريج أعداد من القوى البشرية غير المدربة وغير المؤهلة للمساهمة في بناء المجتمع وتطويره([10]).

هذا في الوقت الذي تمثل فيه رعاية المتأخرين دراسيًا وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة استجابة لما تنادي به العدالة الاجتماعية من تطبيق صحيح لمبدأ تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع؛ كلٌّ حسب ما تسمح به قدراته, مع مراعاة دوافعه وحاجاته وميوله ورغباته في عملية التعليم.

لأن مراعاة هذه الكوامن الداخلية فيما يقدم إلى المتعلم من خبرات, وفيما يتبع معه من طرق وأساليب تجعله أكثر إقبالًا على التعليم وأكثر نشاطًا فيه([11]).   

كما يعزز من أهمية رعاية المتأخرين دراسيًّا ما يلي([12]):

  • تعتبر دراسة التلاميذ المتأخرين دراسيًّا ضرورة تربوية واجتماعية ووطنية تحتمها النظم التربوية الديمقراطية والأهداف التربوية السامية.
  • يعتبر الاهتمام بدراسة التأخر الدراسي خطوة تربوية مهمة نحو واقع عملية التعلم وما يحدث فيه بشكل فعلي, فلا تظل دراسة عملية التعلم بعيدة عن الواقع المعاش للتعلم المدرسي.
  • يترتب على وجود هذه الفئة من التلاميذ مجموعة من المخاطر والمضاعفات مثل: الاضطرابات المدرسية والمشكلات النفسية والأسرية والاجتماعية مثل: الانحراف وتكوين رفقاء السوء وغيره مما قد لا تصادفه لدى الفئات الأخرى من التلاميذ العاديين.
  • يسبب تزايد مشكلات التعلم أو صعوباته صخب الوسط المدرسي وزيادة أعداد التلاميذ, وتزاحم الفصول, وتراكم الأعمال في الجدول الدراسي, وزيادة الضغط النفسي على المعلمين والمتعلمين.
  • تعجز نسبة كبيرة من التلاميذ المتأخرين دراسيًا عن مسايرة المناهج الدراسية العادية فلا تستمر في دراستها, وسرعان ما تنضم إلى جماعة الأميين أو العاطلين والمشردين, وبهذا تزداد نسبة الأمية وينتشر الجهل والتسول في المجتمع.
  • إن عملية التقييم التربوية المستمرة والوقوف على المشكلات الدراسية لدى التلاميذ يجعل الجهاز التربوي من مربين وعاملين في مجال التخطيط التربوي والمعلمين والإخصائيين داخل المدرسة والأسرة في موضع المسؤولية وفي موضع نشاط ويقظة دائمة بحثًا عن الحلول والعلاج وطرق التحسين والتطوير.

المراجع:

([1]) انظر: – عادل صلاح غنايم: البرامج العلاجية لصعوبات التعلم, عمان, دار المسيرة, 2016م, ص ص 28-31.

  • سليمان عبد الواحد يوسف: الموهوبون والمتفوقون عقليًا ذوو صعوبات التعلم خصائصهم, اكتشافهم, رعايتهم, مشكلاتهم, القاهرة, دار الكتاب الحديث, 2012م, ص ص 120-122.
  • عبد الباسط متولي خضر: التدريس العلاجي لصعوبات التعلم والتأخر الدراسي, القاهرة, دار الكتاب الحديث, 2005م, ص ص81-83.
  • عادل محمد العدل: صعوبات التعلم وأثر التدخل المبكر والدمج التربوي لذوي الاحتياجات الخاصة, القاهرة, دار الكتاب الحديث, 2013م, ص ص 200-202.
  • داليا خيري عبد الوهاب: الذاكرة العاملة لدى العاديين وذوي صعوبات التعلم والمتأخرين دراسيًا وبطيئي التعلم بالصف الخامس الابتدائي, مجلة كلية التربية, جامعة الأزهر, ج4, ع143, ديسمبر2009م, ص224-244.

([2]) أحمد حسين اللقاني: التأخر الدراسي أسبابه وكيفية التغلب عليه, المؤتمر الثامن (مناهج المتفوقين دراسيًا والمتأخرين), الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس, جامعة عين شمس, سبتمبر 1996م, ص66.

([3]) زياد كامل اللالا وآخرون: أساسيات التربية الخاصة, عمان, دار المسيرة, 1432ه/ 2011م, ص23.

([4]) السيد محمد الدوني وآخرون: علم نفس الذكاء, دسوق – كفر الشيخ, دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع, 2018م, ص98.

([5]) سعيد حسني العزة: المدخل إلى التربية الخاصة للأطفال ذوي الحاجات الخاصة (المفهوم – التشخيص – أساليب التدريس), عمان – الأردن, الدار العلمية الدولية للنشر والتوزيع, ودار الثقافة للنشر والتوزيع, 2002م, ص ص13-14.

([6]) السيد محمد الدوني وآخرون: علم نفس الذكاء, مرجع سابق, ص157.

([7]) حسن الباتع محمد عبد العاطي: تكنولوجيا تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة والوسائل المساعدة, الإسكندرية, دار الجامعة الجديدة, 2014م, ص9.

([8]) مجدي عزيز إبراهيم:تدريس الرياضيات لذوي صعوبات التعلم المتأخرين دراسيًا وبطيئي التعلم, القاهرة, عالم الكتب, 2008م, ص66.

([9]) تيسير كوافحة وعمر عبد العزيز: مقدمة في التربية الخاصة, ط4, عمان, دار المسيرة, 2010م, ص18.

([10]) عبد العزيز عطا الله المعايطة ومحمد عبد الله الجغيمان: مشكلات تربوية معاصرة, عمان, دار الثقافة, 2009م, ص 90.

([11]) رضا إبراهيم الدسوقي إبراهيم: معالم رعاية الموهوبين في التراث التربوي الإسلامي “العصر العباسي نموذجًا”, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية التربية, جامعة الأزهر, 1437هـ/ 2016م, ص52.

([12])هدى عابدين حامد الدرديري: الحاجات النفسية للتلاميذ المتأخرين دراسيا بمدينة الأبيض وعلاقتها بأساليب المعاملة الوالدية والمستوى الاقتصادي الاجتماعي, مرجع سابق, ص ص 92 – 93.

السابق
مفهوم التأخر الدراسي وأنواعه
التالي
أهم أنواع التأخر الدراسي لدى الأطفال

اترك تعليقاً