علم النفس المعرفي

نشأة و تطور علم النفس المعرفي

نشأة وتطور علم النفس المعرفي

يتصل علم النفس المعرفي إلى حد كبير بدراسة الكيفية التي يتمثل بها العقل المعرفة، وأطلق عليها علماء النفس اسم “التمثيل الداخلي أو الترميز “coding” وهذه القضية ليست وليدة هذا القرن وإنما هي قضية مطروحة منذ قرون عديدة.

فلقد اهتم المصرين القدماء بموضوع المعرفة ، وافترضوا أن المعرفة مقرها القلب ،واهتموا بالبحث عن مركز التذكر والتفكير. كما اهتم الفلاسفة الإغريقيون أيضا بقضية التمثيل المعرفي في سياق ما نعرفه الآن بالبناء والعملية Structure and process وظلت مناقشة موضوع بنية المعرفة وعملياتها في حالة ركود تام حتى بدايات القرن السابع عشر.

ولقد كان فلاسفة عصر النهضة الأوربية على قناعة بان المعرفة مقرها المخ كما أن بعضهم وضع صور للمخ يوضح فيها مواضع المعرفة داخله. وأثناء القرن الثامن عشر وبظهور علم النفس الفلسفي تحدث الفلاسفة الواقعيون أو التجريبيون البريطانيون أمثال “بيركلي، و هيوم، وجيمس ميل“ عن التمثيل الداخلي، كما تحدث هيوم في كتاباته عام 1748م عن قدرة التمثيل العقلي.

وبدأ علماء النفس في القرن التاسع عشر في الانفصال عن الفلسفة لتكوين علم نظامي بناء على النتائج الواقعية لا بناء على التأمل الذاتي ، وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر بدأ علم النفس ينفصل شيئا فشيئا عن الفلسفة.

واعتمد على النتائج الامبريقية اكثر من اعتماده على التأمل، وظهر فى هذه المرحلة نشاط مجموعة من العلماء أمثال” فخنر Fechner” وبرنتانو Brentano وفوندت Wundt وموللر Muller و ” ابنجهاوس Ebbinghaus” وجالتون Galton” و” تنشنر Titchener و”وليم جيمس William James حيث بدأت تتضح معالم مجموعة من نظريات التمثيل المعرفى

فيشير كل من ” فوندت” فى المانيا وتتشنر” فى الولايات المتحدة الامريكية إلى دور بنية التمثيل العقلى، وفى النمسا نظر “ برنتانو “ إلى التمثيلات الداخلية على أنها كيانات ساكنة Static intities واهتم بدراسة العمليات المعرفية كالمقارنة، والحكم، والتقدير، والشعور.
وفي أمريكا وضع وليم جيمس كتابا اسماه”مبادئ علم النفس”وضع فيه نموذجا منطقيا استدلاليا لعمل العقل ،وربما كانت الصلة المباشرة لجيمس بعلم النفس المعرفي الحديث هي دراساته وأفكاره في موضوع التذكر.

كذلك التجارب التي أجراها كلا من دوندرز وكاتل لتحديد الزمن اللازم لأداء العمليات العقلية.
وبحلول القرن العشرين تحول تمثيل المعرفة تحول جذري ففي عام 1932 اصدر تولمان المتخصص في علم نفس التعلم كتابا مهما عن السلوك الغرضي الهادف لدى الحيوانات والإنسان .

كما كتب فردريك بارتليت في نفس العام كتابا عن التذكر عارض فيه النظرة السائدة التي ترى أن الذكر والنسيان يمكن أن يدرسا باستخدام المقاطع اللفظية الصماء.

وكان لدراسات وأبحاث ابنجهاوس (Ebbinghaus ) في مجال كيفية حدوث العمليات المعرفية لتفسير السلوك الإنساني دورها في تأسيس علم النفس المعرفي كفرع من فروع علم النفس فيما بعد.

وفي أوائل خمسينيات القرن العشرين عاد الاهتمام للتركيز على وظائف الانتباه والتذكر والتعرف على النمط والصور العقلية والتنظيم الدلالي وعمليات اللغة والتفكير وغيرها.
ومن هنا فان علم النفس المعرفي باعتباره احد فروع علم النفس النظرية هو علم حديث النشأة ، حيث ظهر على الساحة العلمية كعلم مستقل في بداية الخمسينيات ثم نما وتطور خلال الستينيات من القرن العشرين.

ونعرض لبعض الشواهد العلمية الدالة على ذلك

  • ففي عام 1951 ظهر مصطلح علم النفس المعرفي في كتاب “بلاك ورامسي Black & Ramsey ” الادراك مدخل إلى الشخصية “ وفي عام 1953 تعرض جاردنر Gardner إلى تصنيف الأساليب المعرفية.
    وفي سبتمبر عام 1956م عقد مؤتمر حول نظرية المعلومات في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا  MIT بالولايات المتحدة الامريكية ، عرضت فيه أوراق وبحوث علمية تقدم بها مجموعة من رواد علم النفس المعرفي أمثال: نعوم تشومسكي ، وجيروم برونر، و آلن نيوول، وهربرت سيمون، وجوررج ميللر
  • وفي نفس العام 1956م ظهرت مجموعة من الكتب الهامة مثل كتاب ميللر ( سبعة الرقم السحري) وكتاب تشومسكي ( ثلاث تصورات في وصف اللغة) وكتاب برونر وجودناو و اوشتاين (دراسة التفكير).
    ولقد برز المدخل المعرفي في البحث بشكل كبير مع ظهور عدد من الكتب مثل : كتاب دونالد برودبنت 1958 “الادراك والاتصال” وكتاب توماس كون 1962 Thomas Kuhn “بنية الثورات العلمية”
    و كتاب اندرسون وآخرون 1964 والذي يحمل عنوان ( العمليات العقلية : قراءات )
  • و في عام 1967م ظهر كتاب نيسر الذي يحمل عنوان ( علم النفس المعرفي) وبظهور هذه المؤلفات تم إعطاء الشرعية لهذا المجال في البحث والممارسة.
  • وفي عام 1970م ظهرت مجلة علم النفس المعرفي وهي الدورية التي أعطت دفعة قوية لهذا العلم عن طريق تحديد مجاله ومفاهيمه و نشر البحوث التي تطرح نظرياته ، مما ترتب عليه تقدم الدراسات في علم النفس المعرفي.

 تعريف علم النفس المعرفي

ويعرف أيضاً بعلم النفس الإدراكي هو مجال فرعي من علم النفس، يقوم باكتشاف العمليات الذهنية الداخلية. حيث يدرس هذا العلم كيف يقوم الناس بالاستقبال، والتفكير ، والتذكر، والتحدث، وحل المشكلات.

ويعرف هنت(1989( hunt )  علم النفس المعرفي : بانه الدراسة العلمية التي تحاول فهم طبيعة الذكاء الإنساني والكيفية التي يفكر بها الإنسان ،  ويعرفه  ريد  1982م   بأنه علم معالجة المعلومات.

ويذكر فؤاد ابوحطب 1984 ان ميدان علم النفس المعرفى يهتم بالنظر إلى الإنسان باعتباره مخلوقاً عاقلاً، مفكراً، باحثاً عن المعلومات ومجهزاً لها ومبتكراً فيها، ولذلك تصفه الاتجاهات المعاصرة فى النظرية المعرفية بأنه نظام مركب لتجهيز المعلومات.

كما أكد فتحى الزيات 1998 على اهتمام الكثيرين من علماء علم النفس المعرفى بمشكلات وقضايا وعوامل اكتساب المعرفة، ومن هذه القضايا كيف يمكننا عصبياً وعقلياً ومعرفياً أن نتمثل المعلومات والمعرفة فى عقولنا؟، وهل نتمثلها فى صيغ لفظية أم فى صور أم فى معانٍ أم فى صيغ متعددة الشكل والمحتوى؟

ويعرف سولسو 2000 علم النفس المعرفي “بانه الدراسة العلمية للكيفية التي نكتسب بها معلوماتنا عن العالم، وللكيفية التي تتمثل بها هذه المعلومات ونحولها إلى علم ومعرفة، وكيفية تحزينها، ولكيفية استخدام وتوظيف هذه المعلومات في إثارة انتباهنا وسلوكنا.”

مما سبق  يتضح ان علم النفس المعرفي  هو العلم الذي يهتم بدراسة جميع العمليات التي يتم من خلالها نقل المدخلات الحسية وتحويلها واختصارها وتوضيحها وتخزينها واستعادتها واستعمالها ،أي يشكل المصطلح جميع العمليات العقلية التي يمارسها الفرد سواء العليا آو غيرها ، ومن هنا يمكننا القول بان علم النفس المعرفي : هو علم يدرس كيفية تكوين وتناول المعلومات لدى الإنسان.

موضوع علم النفس المعرفي

يسعى علماء علم النفس المعرفى إلى الإجابة على عدة تساؤلات من بينها كيف يتم تمثيل المعرفة أو المعلومات فى الذاكرة البشرية؟ والواقع أن الإجابة على هذا التساؤل تتمثل فى أن معرفة الطريقة أو الأسلوب الذى من خلاله يتم تمثيل المعرفة.

كما يسهم علم النفس المعرفي فى معرفة كيف يمكن معالجة العديد من المهام المعرفية بيسر وسهولة ودقة وكفاءة وفعالية، فضلاً عن أن معرفة العوامل التى تقف خلف كفاءة أو فاعلية التمثيل العقلى تسهم إسهاماً مباشراً فى عمليات التعلم وأساليبه، واكتساب المعرفة وديمومتها.

ويتفق علماء علم النفس المعرفي على أن المعرفة Cognition هى موضوع اهتمام هذا الفرع من فروع علم النفس، وتتعلق هذه المعرفة بأنواع المعلومات المختلفة التى نكتسبها فى مواقف الحياة التى نتعرض لها، كما تتعلق بالعمليات المرتبطة بطرق اكتساب هذه المعلومات والاحتفاظ بها وإعادة استخدامها، ويطلق على هذه العمليات، العمليات المعرفية

وتعد العمليات المعرفية أهم الأسس التي يقوم عليها علم النفس المعرفي بصفة عامة والتعلم المعرفي بصفة خاصة، ولذلك اهتم الباحثون فى هذا المجال بفهم طبيعة هذه العمليات، وكيفية عملها، وخصائصها، والعوامل التى تؤثر فيها، لأنها فى مرحلة وسطى بين استقبال المعلومات، وإعادة استرجاعها مروراً بعمليات التجهيز لأى محتوى معرفي.

ومن ثم فان موضوع علم النفس المعرفي يصبح الإحاطة بكل العمليات النفسية بدءا من الإحساس و الإدراك والعلم العصبي  والتعرف على النمط و الانتباه والتعلم والتذكر وتكوين المفاهيم والتفكير والتصور العقلي و التخيل واللغة  والذكاء والانفعالات والعمليات الارتقائية ويتناول بالدراسة مختلف مجالات السلوك.

 مبادئ علم النفس المعرفي:

  1. افتراض السعة المحددة للنظام العقلي
  2. وجود ميكانيزم للمراقبة والتحكم في عمليات تكوين المعلومات وانتقالها ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها واستخدامها.
  3. ان هناك طريقتان لتدفق المعلومات ، فنحن دائما نستخدم المعلومات التي جمعناها من خلال حواسنا (تشير إلى المعالجة من أسفل لأعلى) والمعلومات التي نخزنها في الذاكرة (تشير الي المعالجة من أعلى لأسفل)
  4. الكائن البشري يملك استعدادا فطريا في معالجة وتنظيم المعلومات بطرق خاصة
  5. والمنهج الذي يتبناه علم النفس المعرفي في دراسة موضوعاته هو منهج معالجة المعلومات والذي يقوم علي أساس تحليل العمليات المعرفية إلى مجموعة من الخطوات أو المراحل المتتابعة في نسق وترتيب دقيق بحيث تعكس كل مرحلة خطوة مهمة من خطوات معالجة المعلومات [1].
السابق
الطلاب الموهوبين تعريفهم وخصائصهم
التالي
مجالات علم النفس المعرفي وفروعه

اترك تعليقاً